46/03/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثاني: استصحاب بقاء الشیء علی تقدیر حدوثه
التنبیه الثاني: استصحاب بقاء الشيء علی تقدیر حدوثه
قد اختلفوا في جریان الاستصحاب فیما إذا لمیحرز حدوث المتیقّن بالوجدان و لذا یستصحب بقاؤه على تقدیر حدوثه و ذلك في مورد دلالة الأمارات أو الأصول على حدوث المتیقّن ثم حصول الشك الفعلي في بقائه بعد ذلك.
الإشكال في جریان هذا الاستصحاب بعدم الیقین بالحدوث
إنّ هذا الاستصحاب لمتتمّ أركانه، لأنّ من أركان الاستصحاب الیقین بالحدوث و هذا الركن مفقود في المقام لعدم الیقین الوجداني بحدوث المتیقّن.
و هكذا الشك في البقاء فإنّه من أركان الاستصحاب و هذا الركن أیضاً مفقود في المقام، لأنّ المراد من الشك في البقاء هو الشك في بقاء المتیقّن و المفروض هنا عدم وجود الیقین و حینئذٍ لیس في هذا المقام متیقّن سابق، بل الشك في مسألتنا هذه هو في بقاء شيء غیر متیقّن و غیر معلوم الثبوت و لكن یستصحب بقاؤه على تقدیر ثبوته.([1] )
جریان الإشكال علی بعض مباني الحجیة عند المحقّق الخوئي([2] )
إنّ لمبنی حجّیة الأمارات و الأصول دوراً أساسیاً في توجّه هذا الإشكال و لذلك لابدّ من ملاحظة مباني الحجّیة حتّی یتّضح جریان الإشكال علیه أو عدم جریانه.
إنّ المحقّق الخوئي یری جریان الإشكال على مبنى الطریقیة و على بعض مباني الموضوعیة و قال في توضیح ذلك:
«إنّه بناء على الطریقیة لا یقین بالحكم، لاحتمال عدم مصادفة الأمارة للواقع، بل و لا شك في البقاء على ما ذکرناه [لعدم وجود المتیقّن مع أنّ المراد من الشك الفعلي هو الشك في بقاء المتیقّن] فلا مجال لجریان الاستصحاب.
و أمّا بناء على الموضوعیة على ما هو المشهور بینهم من أنّ ظنّیة الطریق لاتنافي قطعیة الحكم، فموضوعیة الأمارات و سببیتها تتصوّر على وجهین:
الوجه الأوّل: أن یكون قیام الأمارة على وجوب شيء مثلاً موجباً لحدوث مصلحة في ذات الفعل، بأن یكون قیام الأمارة من قبیل الواسطة في الثبوت لعروض المصلحة الملزمة في ذات الفعل.
و لا إشكال في جریان الاستصحاب على هذا المبنی، إذ بعد قیام الأمارة یكون الوجوب متیقّناً، فإذا شك في بقائه فلا مانع من جریان الاستصحاب بالنسبة إلى هذا الوجوب الحادث لأجل قیام الأمارة، و إن كان الوجوب الواقعي مشكوكاً من أوّل الأمر.
الوجه الثاني: أن یكون قیام الأمارة على وجوب شيء مثلاً موجباً لعروض المصلحة للفعل المقیّد بكون وجوبه مؤدّی الأمارة، بأن یكون قیام الأمارة من قبیل الواسطة في العروض للمصلحة.
و لایجري الاستصحاب على هذا المبنی، إذ الوجوب الواقعي لمیكن متیقّناً حتّی نجري الاستصحاب فیه و الوجوب الحادث لقیام الأمارة معلوم العدم، لأنّه كان مقیّداً بقیام الأمارة، و المفروض عدم دلالة الأمارة على الحكم في الزمان الثاني و إلا لمیقع الشك فیه، فلا مجال لجریان الاستصحاب»([3] ).
یلاحظ على بيان المحقق الخوئي
إنّ القول بالموضوعیة یقتضي جریان الاستصحاب مطلقاً كما سیأتي بیانه من صاحب الكفایة سواء كان قیام الأمارة بنحو الواسطة في العروض أم الواسطة في الثبوت، لأنّ ركن الاستصحاب هو وجود الیقین السابق سواء كانت المصلحة الملزمة باقیة أم لا، فإنّ الوجوب الحادث لقیام الأمارة و إن كان معلوم العدم في الزمان الثاني، إلا أنّه موجود في الزمان الأوّل عند قیام الأمارة فهو متیقّن الحدوث مشكوك البقاء فیجري الاستصحاب.
جوابان عن هذا الإشکال
الجواب الأول: من صاحب الكفایة
«إنّ اعتبار الیقین إنّما هو لأجل أنّ التعبّد و التنزیل شرعاً إنّما هو في البقاء لا في الحدوث([4] ) [و بعبارة أخری إنّ الیقین في دلیل لاتنقض الیقین بالشك، لاموضوعیة له، بل إنّه اعتبر حتّی یكون طریقاً إلى ثبوت الشيء فیترتّب على هذا الثبوت، الشك في بقائه و یدلّ دلیل حجّیة الاستصحاب على التعبّد ببقاء هذا الشيء الثابت].
فیكفي الشك فیه [أي في بقائه] على تقدیر الثبوت، فیتعبّد به على هذا التقدیر فیترتّب علیه الأثر فعلاً فیما كان هناك أثر و هذا هو الأظهر»([5] ).
ثم أشار صاحب الكفایة إلى أنّ هذا الجواب مبنيّ على ما هو التحقیق من «أنّ قضیة حجّیة الأمارة لیست إلا تنجّز التكالیف مع الإصابة و العذر مع المخالفة([6] )، كما هو قضیة الحجّة المعتبرة عقلاً، كالقطع و الظنّ في حال الانسداد على الحكومة ... فالحكم الواقعي الذي هو مؤدّی الطریق حینئذٍ محكوم بالبقاء فتكون الحجّة على ثبوته حجّةً على بقائه تعبّداً للملازمة بینه [أي بین البقاء] و بین ثبوته واقعاً»([7] ).
و أمّا بناءً على ما هو المشهور من كون مؤدّیات الأمارات إنشاء أحكام فعلیة شرعیة ظاهریة كما هو ظاهر الأصحاب و اشتهر بینهم أنّ ظنّیة الطریق لاتنافي قطعیة الحكم، فالاستصحاب جارٍ.([8] )
هذا ما أفاده صاحب الكفایة، و قد تقدّم أنّ للقول بالموضوعیة وجهین، فعلى الوجه الأوّل -و هو أنّ قیام الأمارة واسطة في الثبوت لعروض المصلحة الملزمة على الفعل- الاستصحاب جارٍ بلا إشكال دون الوجه الثاني، و لعلّ صاحب الكفایة یری أنّ المشهور التزموا بالوجه الأوّل.([9] )