بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الأول؛ المقام الثاني

 

ثم أفاد الشیخ الأنصاري مطلباً آخر و قال:

«نعم هذا الشك اللاحق یوجب الإعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة لولا حكومة قاعدة الشك بعد الفراغ علیه [أي على الاستصحاب] فافهم».[1] [2]

توضیح ذلك: إنّ استصحاب الحدث الجاري بعد الصلاة یحكم بعدم الطهارة بعد الصلاة و قبله، فاستصحاب الحدث قبل الصلاة و إن لم‌یجر لعدم تمامیة أركانه إلا أنّ استصحاب الحدث بعد الصلاة یكفي لإحراز عدم الطهارة قبل الصلاة و حینها، فهذا الاستصحاب یقتضي بطلان الصلاة إلا أنّ قاعدة الفراغ تجري هنا و هي حاكمة على الاستصحاب، فیحكم بصحّة‌ الصلاة لقاعدة الفراغ.

مناقشة المحقّق الخوئي في المسألة الأولی

أوّلاً: «إنّ بطلان الصلاة في الفرض مسلّم، إلا أنّه لیس مستنداً إلى جریان الاستصحاب قبل الصلاة، بل إلى عدم جریان قاعدة الفراغ في نفسها، لاختصاصها بما إذا حدث الشك بعد الفراغ و هذا الشك الموجود بعد الفراغ كان قبل الصلاة، فإنّ هذا الشك متّحد عرفاً مع الشك الذي كان قبل الصلاة و إن كان غیره بالدقّة العقلیة»[3] [4] .

و على هذا النظر العرفي یحكم بوجود الشك قبل الصلاة و بعدم حدوثه بعد الفراغ من العمل فلا‌یبقی موضوع لقاعدة الفراغ.

ثانیاً: «الاستصحاب الجاري قبل الصلاة لایقتضي البطلان، لأنّه بعد الالتفات و تحقّق الشك عرضت له الغفلة ثانیاً على الفرض و بمجرد عروض الغفلة لایجري الاستصحاب، لأنّه كما یعتبر في الاستصحاب الیقین و الشك حدوثاً، كذا یعتبران بقاءً، فما‌دام شاكاً یكون محدثاً بالحدث الاستصحابي و بمجرد طروّ الغفلة یسقط الاستصحاب فلا‌یكون محدثاً بالحدث الاستصحابي،[5] [6] [7] و المفروض أنّه بعد الشك غفل و دخل في الصلاة فظهر بما ذكرناه ما في الكفایة من تعلیل البطلان بأنّه دخل في الصلاة محدثاً بالحدث الاستصحابي، فإنّه لا استصحاب حین الدخول في الصلاة لغفلته، فینتفي الاستصحاب بانتفاء موضوعه و هو الشك الفعلي»[8] .

یلاحظ علیها

أوّلاً: إنّ الیقین الفعلي و الشك الفعلي قبل الصلاة یقتضیان تمامیة أركان استصحاب الحدث قبل الصلاة فهذا الشاك محكوم شرعاً بأنّه محدث و الغفلة عن ذلك لاتوجب ارتفاع الحكم الظاهري المذكور، فإنّ المعتبر في جریان الاستصحاب قبل الصلاة هو تحقّق الشك الفعلي قبل الصلاة سواء كان مستمرّاً إلى حین الصلاة و بعده أم لم‌یستمرّ بل انقطع الشك بحدوث الغفلة، فإنّ حدوث الغفلة في الزمان الثاني لایوجب انقلاب الشك الفعلي في الزمان الأوّل إلى غیره فإنّ الشك الفعلي في الزمان الأوّل لم‌ینقلب وجوده إلى العدم فكیف نلتزم بعدم جریان الاستصحاب في الزمان الأوّل؟ نعم إنّ الاستصحاب لایجري بالنسبة إلى الزمان الثاني لعدم تمامیة أركانه في الزمان الثاني لحصول الغفلة فیه على الفرض و لكن الاستصحاب الجاري في الزمان الأوّل یحكم بكونه محدثاً قبل الصلاة، كما أنّ العلم التفصیلي بالحدث قبل ذلك اقتضی كونه محدثاً قبل الزمان الأوّل.

و لذا نقول في المسألة الثانیة بأنّه لولا جریان قاعدة الفراغ لحكمنا ببطلان الصلاة، لأنّه علم بوجود الحدث و غفل بعد ذلك و صلّی ثم شك في كونه محدثاً حال الصلاة أو تطهّر قبلها، فكما أنّ العلم التفصیلي بالحدث مآله إلى كونه محدثاً و لایخرج عن كونه محدثاً بالغفلة عن محدثیته فكذا استصحاب الحدث یقتضي كونه محدثاً و لایخرج عن كونه محدثاً بالغفلة عن محدثیته. هذا بالنسبة إلى مناقشته الثانیة في المسألة الأولى.

ثانیاً: ما قاله في المناقشة الأولى في المسألة الأولى من توجیه عدم تحقّق موضوع قاعدة الفراغ حیث قال: «هذا الشك الموجود بعد الفراغ كان قبل الصلاة، فإنّ هذا الشك متّحد عرفاً مع الشك الذي كان قبل الصلاة و إن كان غیره بالدقّة العقلیة» ینافي ما أفاده في المناقشة الثانیة، فإنّه بعد أن اتّضح ما ذهب إلیه من قاطعیة الغفلة لحكم الشك الفعلي الموجود في الزمان الأوّل، نری مغايرة ذلك مع ما أفاده في المناقشة الأولى ، لأنّه ادّعی بقاء الشك عرفاً إلى ما بعد زمان الصلاة بحیث یری العرف اتّحاد الشك الموجود بعد أداء الصلاة و الشك الفعلي الموجود في الزمان الأوّل قبل الصلاة مع أنّ الغفلة تخلّلت بینهما حیث أنّ الغفلة حدثت في الزمان الثاني أي حین الدخول في الصلاة، فلو كانت الغفلة قاطعة للشك الفعلي و قاطعة للحكم الاستصحابي الموجود في الزمان الأوّل للزم أن یكون الشك الموجود بعد الصلاة شكاً حادثاً، و نتیجة ذلك هو تحقّق موضوع قاعدة الفراغ، لأنّ موضوعها الشك الحادث بعد الصلاة و لابدّ حینئذٍ من الالتزام بجریان قاعدة الفراغ في المسألة الأولى مع أنّ المحقّق الخوئي لایلتزم بذلك بل لانری أحداً التزم بصحّة الصلاة في المسألة الأولى.

فلا‌بدّ أن نقول بعدم قاطعیة الغفلة للشك الفعلي و لحكمه و نتیجة ذلك استمرار حكم الاستصحاب في الزمان الأوّل إلى حال الدخول في الصلاة فهذا الاستصحاب یقتضي بطلان الصلاة. فبطلان الصلاة حینئذٍ مستند إلى جریان الاستصحاب قبل الصلاة لا إلى عدم جریان قاعدة الفراغ.

فظهر بطلان مناقشته الأولى في المسألة الأولى أیضاً.[9]

مناقشة المحقّق الخوئي في المسألة الثانیة

«إنّ قاعدة الفراغ لاتخلو من أمرین: فإمّا أن تكون من الأصول التعبّدیة الشرعیة و إمّا أن تكون من الأمارات العقلیة كما هو الظاهر، لأنّ ترك الجزء أو الشرط عمداً لایتصوّر بالنسبة إلى من هو في مقام الامتثال، فإن تُركا لایستند تركهما إلا إلى الغفلة و النسیان و هو خلاف الأصل، فإنّ مقتضى طبیعة الإنسان هو الذكر في حال العمل، لا السهو و النسیان كما في الأمور العادیة، فالفراغ عن العمل أمارة كاشفة نوعاً عن عدم وقوع الغفلة و السهو.

و یؤید هذا المعنی قوله: «هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ‌ حِينَ‌ يَشُكُ» [10] [11] و كذا قوله في صحیحة محمّد بن مسلم الواردة في الشك في عدد ركعات الصلاة بعد الفراغ: «وَ كَانَ حِينَ‌ انْصَرَفَ‌ أَقْرَبَ‌ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ» [12] [13] [14] [15] .

فعلى القول بكون قاعدة الفراغ أمارة نوعیة على عدم وقوع الغفلة و السهو، لا مجال للأخذ بها مع العلم بالغفلة كما هو المفروض في المقام، فعدم جریان الاستصحاب في حال الغفلة مسلّم، لعدم الشك الفعلي، إلا أنّه لا مانع من جریانه بعد الصلاة حتّی بالنسبة إلى الصلاة التي أتى بها ... .

و أمّا على القول بكون قاعدة الفراغ من الأصول التعبّدیة الشرعیة و عدم اختصاصها بموارد احتمال الغفلة لإطلاق بعض النصوص الدالّة على أنّ «مَا قَدْ مَضَى‌ فَامْضِهِ‌ كَمَا هُوَ»[16] [17] فتكون قاعدة الفراغ حاكمةً على الاستصحاب،[18] و لو قلنا بعدم اعتبار الشك الفعلي في الاستصحاب، إذ لا اختصاص لحكومة القاعدة على الاستصحاب [بالاستصحاب] الجاري بعد الصلاة، بل تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري قبلها أیضاً»[19] [20] [21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] .


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص25.
[2] قال صاحب الكفاية، في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص404.. مفرِّعاً على اعتبار فعلية الشك و اليقين: «... يحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل و صلّى ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة لقاعدة الفراغ بخلاف من التفت قبلها و شك ثم غفل و صلى فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك لكونه محدثاً قبلها بحكم الاستصحاب مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي. لا‌يقال: نعم، و لكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضاً فسادها.فإنه يقال: نعم لو‌لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحّتها المقدمة على أصالة فسادها»
[3] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص93.
[4] إن المحقق الشیخ موسی التبریزي ذكر لهذه المسألة خمس صور، و قال أوثق الوسائل فی شرح الرسائل، التبريزي، الميرزا موسى، ج1، ص438.. في التعلیقة على قوله: «فالمتیقّن للحدث إذا التفت» و أما الثانية [و هي أن يلتفت فيحصل له الشك ثم يغفل عن شكه فيصلي و يلتفت إلى شكه بعد الفراغ و يحتمل تطهيره بعد عروض الشك له قبل الصلاة] فالظاهر صحة الصلاة فيها لقاعدة الشك بعد الفراغ، و لا‌يجري فيها ما ذكره المصنف رحمه الله من علة عدم جريان القاعدة لأن احتماله بعد الفراغ لتطهيره بعد الشك قبل الصلاة محقق لمورد القاعدة من حدوث الشك في الصحة بعد الفراغ. و من هنا يظهر أنه كان على المصنف رحمه الله أن يقيد عدم جريان القاعدة بعدم احتماله لما ذكرناه»
[5] إن المحقق الخوئي وافق في هذه المسألة المحقق الإیرواني حیث قال نهاية النهاية في شرح الكفاية، الإيرواني، الشيخ علي، ج2، ص190. في التعلیقة على قوله: (بخلاف من التفت قبلها و شك ثم غفل): «إن الغفلة الطارئة بعد الالتفات و الشك توجب انقطاع الاستصحاب، فلا فرق بين الغفلة ابتداء و الغفلة بعد الشك في عدم جريان الاستصحاب معها. فالتفصيل بين الصورتين لا وجه له ظاهراً. و أما ما أفاده. في وجه ذلك بقوله: (لكونه محدثاً قبلها بحكم الاستصحاب، مع القطع بعدم رفع حدثه) ففيه: إن الاستصحاب لا‌يجعل الشخص محدثاً واقعياً، بل يجعله محدثاً حكمياً، أعني ممن توجّه إليه خطاب «توضأ» ظاهراً، فإذا حدثت الغفلة انقطع هذا الخطاب، و كان كما إذا لم‌يلتفت أصلاً»
[6] و فوائد الرضوية، الهمداني، آقا رضا، ج2، ص73.. في التعلیقة على قوله: «فلو غفل عن ذلك و صلّى بطلت صلاته»: «ما فرعه قدس سره على ما أصله من اعتبار الشك الفعلي في قوام الاستصحاب في غاية الإشكال لأنّا لو بنينا على أن الاستصحاب حكم ظاهري عملي للشاك بوصف كونه شاكّاً بالفعل فلا شك في ارتفاع موضوعه بعروض الغفلة فلا أثر للأمر السابق بالنسبة إليه بعد ارتفاع موضوعه ... فیحصل مما ذكرنا أنه لا فرق في جريان الاستصحاب و عدمه بين ما لو التفت قبل الصلاة إلى حدثه السابق و شك ثم غفل و دخل في الصلاة أو لم يلتفت أصلاً و صلّى غافلاً لأنا إن اعتبرنا الشك الفعلي لم‌يجز الاستصحاب في شي‌ء من الموردين و إن بنينا على كفاية الشك التقديري يجري في كليهما‌ ...»
[7] و قال المحقق الحائري في درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج1، ص512.. : «إن المصلي في الفرض الأول كالثاني ليس محكوماً بحكم الاستصحاب، لأنّ المفروض أنه غفل في حال صلاته عن الحالة السابقة و لم‌يكن شاكاً في تلك الحالة، فكيف يمكن أن يحكم‌ عليه في تلك الحالة بعدم جواز نقض اليقين بالشك. نعم كان محكوماً بهذا الحكم قبل الصلاة في حال التفاته، و لكنه رفع بواسطة رفع موضوعه، و أما بعد الصلاة فإن قلنا بان الشك الحاصل له هنا من أفراد الشكوك الحادثة بعد الفراغ عن العمل، لأن الشك الموجود قبل العمل قد انتفى و هذا الشك الموجود بعده شك آخر حدث بعد الفراغ، يجرى في حقه قاعدة الشك بعد الفراغ، على احتمال يأتي في المسألة الثانية، و إن قلنا بأنه هو الشك الموجود قبل العمل عرفاً، فليس من أفراد الشكوك التي تجري فيها القاعدة المذكورة، فاللازم الأخذ باستصحاب الحدث، و الحكم ببطلان الصلاة، بملاحظة هذا الشك الموجود بعد الفراغ، بالتقريب الذي يأتي بيانه في المسألة الثانية»
[8] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص93.أورد على هذه المسألة في نهاية الأفكار، ج4، ص14و نذكره ملخّصاً من المغني في الأصول، ج1، ص36 و هو: «عدم الأثر لاستصحاب الحدث قبل الصلاة وإن قلنا بشمول الشك إلى الشك التقديري؛ لأن الأصل لا‌يكون ذا أثر إلا مع وجوده، و مع ارتفاعه و انتفاء حجيته ينتفي أثره، و أثر استصحاب الحدث الجاري قبل الصلاة هو عدم جواز الدخول فيها، و أثره بعد الدخول فيها هو قطعها، و أثره بعد الفراغ منها هو إعادتها، و الاستصحابان الأولان يجریان على هذا القول، و أما الأخير و هو محل البحث - فلا أثر له؛ لوجود قاعدة الفراغ الحاكمة بصحة الصلاة و عدم الإعادة، و هي مقدمة على الاستصحاب.نعم، لو كان من شرط جریان قاعدة الفراغ عدم وجود هذا الاستصحاب لصحّ جريانه، و لكن لا دليل على ذلك، بل غاية ما اشترط في تحقق موضوعها أن يكون الشك بعد الفراغ من العمل و قد حصل». و أشكل عليه بعض الأساطين: «و يندفع ما أفاده ببيان هذه المقدّمة: أنّ الداعي و الغرض من جعل الأصول بل مطلق الأحكام الظاهرية هو التحفّظ على الواقع، و التنجيز و التعذير، و لا‌يمكن ترتّب هذين الأثرين إلّا مع الالتفات إلى الموضوع و الحكم الظاهري، فبدون الالتفات لا‌تتحقق الغاية من الجعل، و مع انتفاء غايته يكون لغواً.إذا اتضح هذا فالاستصحاب على القول بكفاية الشك التقديري قد جعل قطعاً، لأنّه لا‌يمكن أن يلتزم القائل بكفاية الشك التقديري و لا‌يلتزم بجعل الاستصحاب و لا‌يجري الاستصحاب قبل الصلاة و لا في أثنائها لانتفاء الالتفات، و على كلام المحقق العراقي. لا‌يجري بعدها أيضاً لوجود قاعدة الفراغ فيكون جعل الاستصحاب لغواً فلكي نفر من محذور اللغوية – صوناً لفعل الحكيم من اللغو – نلتزم بعدم جريان قاعدة الفراغ في هذه الحالة، إذ لا‌يعقل القول بالجعل مع عدم الثمرة فيكون لغواً، فتعود الثمرة سالمة عن الإشكال فتجري قاعدة الفراغ بعد الصلاة دون الاستصحاب على القول باعتبار فعلية الشك، و عدم جريانها على القول بكفاية الشك التقديري»
[9] و هناك ثمرة أخرى ذكرها بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج1، ص345: «في هذا الاختلاف ثمرة أخرى تظهر لخصوص المجتهد، و هي أنّه إن أجرى الاستصحاب مع الغفلة أيضا لم‌تصل النوبة إلى الأصل المحكوم، و إن اشترط الشك الفعلي لم‌يجر الاستصحاب فتصل النوبة إلى الأصل المحكوم كالبراءة مثلاً، و على الأول للفقيه أن يفتي على طبق الاستصحاب في الشبهات الحكمية، و أن يخبر بالموضوع في الشبهات الموضوعية، و ليس له ذلك على القول الثاني».قال المحقق الإصفهاني بجريان الاستصحاب أوّلاً لكنه منع ثانياً كونه استصحاب الحدث؛ فقال بالنسبة للأوّل في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص149.في التعلیقة على قوله: «بخلاف من التفت قبلها و شك ثم غفل»: «و يمكن الإشكال عليه بلحاظ ما تقدم من الأمرين اللذين عليهما يبتني اعتبار الشك الفعلي:أما الظهور في فعلية الشك، فلا فرق بين الحدوث و البقاء، لأن الشك الفعلي، إن كانت حيثية تقييدية للحكم الاستصحابي، فقد زالت بالغفلة و إن كانت حيثية تعليلية- حدوثاً لا بقاءً- فممّا لا دليل عليه...و أما اقتضاء الطريقية، لعدم تعقل إناطة الحكم الطريقي المسوق بداعي تنجيز الواقع بالشك التقديري، فالأمر أوضح... .و الجواب: أما بناء على المبنى الأول، فبأن الغفلة عن موجب الشك و سببه مانعة عن تحقق أصل الشك... .و أما بناء على المبنى الثاني، المجامع لفرض بقاء الشك في أفق النفس أيضاً، فبأنّ التنجّز لا‌ينحصر في ترتب أثر المخالفة للتكليف، حتى يقال: بأن بقاءه محال، بل شأن الأمر الطريقي إيقاع المكلف في كلفة الواقع تكليفاً و وضعاً فالحدث الواقعي- الذي لم‌يكن له كلفة المانعية فعلاً- صار بسبق اليقين به، و الشك في بقائه مانعاً فعلياً، فالصلاة مقرونة بالمانع الفعلي ما لم‌يأت برافعه، و إن غفل عن اقترانها بالمانع، البالغ مرتبة الفعلية، بسبق الأمر الاستصحابي المبلغ له إلى مرتبة الفعلية».و بالنسبة للثاني أي عدم جریان استصحاب الحدث بعد العمل – مع عدم جریان قاعدة الفراغ- بوجوب الإعادة لقاعدة الاشتغال أو استصحابه أو استصحاب بقاء الأمر، قال في نهاية الدراية، ج5، ص129في التعلیقة على قوله: (قلت: نعم، لو‌لا قاعدة الفراغ): «ظاهره- كما هو ظاهر الشيخ الأجلّ - في الرسائل‌- جريان استصحاب الحدث في نفسه، بعد العمل، لتمامية أركانه من اليقين و الشك إلا أنه لا‌يخلو عن إشكال، لأن استصحاب الحدث، و إن كان مرجعه إلى التوسعة في دائرة المانعية، و جعل الحدث المشكوك كالمعلوم مانعاً، و كانت الإعادة بحكم العقل، و كان موضوعه أعم من الواقع و الظاهر- كما أوضحه شيخنا الأستاذ. في تعليقته المباركة على الرسائل في هذا الموضع‌ إلا أن التعبد بمانعيته- ما لم‌يتصف حال الصلاة بالمانعية شرعاً فعلاً، - غير معقول، إذ الشي‌ء لا‌ينقلب عما هو عليه، فالصلاة الغير المقترنة بالمانع الواقعي- حيث لم‌يحرز- و لا بالمانع التعبدي- حيث لم‌يكن تعبد في حال الصلاة- كيف يعقل أن تنقلب و تصير مقترنة بالمانع التعبدي حتى تكون باطلة، فتجب الإعادة لبقاء الأمر؟... نعم إذا كانت الشرطية و المانعية من الاعتبارات لأمكن اعتبار مانعية أمر متقدم أو شرطيته، لأن الاعتبار خفيف المئونة إلا أنك قد عرفت: أنه لا مصحّح لانتزاعهما إلا الأمر المتعلق بمركب متقيد بوجود شي‌ء أو عدم شي‌ء... . نعم قاعدة الاشتغال، أو استصحابه، أو استصحاب بقاء الأمر كافٍ في وجوب الإعادة، إنما الكلام في استصحاب وجود المانع، و الحكم بوجوب الإعادة بسببه»
[10] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج1، ص101. «[الشيخ الطوسي.] بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ: هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ‌ حِينَ‌ يَشُكُ‌»
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص471، أبواب أبواب الوضوء، باب42، ح7، ط آل البيت.
[12] «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَن‌ مُحَمَّد بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ شَكَّ الرَّجُلُ بَعْدَ مَا صَلَّى فَلَمْ يَدْرِ أَ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً وَ كَانَ يَقِينُهُ حِينَ انْصَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ وَ كَانَ حِينَ‌ انْصَرَفَ‌ أَقْرَبَ‌ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِك»‌. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص352.
[13] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج3، ص614.
[14] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص246، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب27، ح3، ط آل البيت.
[15] و إسناد الشيخ الصدوق إلى محمد بن مسلم كما في مشيخة الفقيه من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص424.. «عليّ بن أحمد بن عبد الله ابن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه‌، عن جدّه أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ، عن أبيه محمّد بن خالد، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم»
[16] «مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ‌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى‌ فَامْضِهِ‌ كَمَا هُوَ». تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص344.
[17] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص237، أبواب ابواب الخلل الواقع في الصلاة، باب23، ح3، ط آل البيت.
[18] في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص149..في التعلیقة على قوله: (فيحكم بصحّة صلاة من أحدث ثم غفل): «عدم جريان الاستصحاب قبل الصلاة، و في حال الصلاة بناء على ما تقدم- من تقوّمه بالشك الفعلي- واضح، و أما صحة الصلاة بقاعدة الفراغ فبناء على الطريقية و الظهور النوعي من حال المصلى بأنه لا‌يدخل في العمل إلا مستجمعاً لما يعتبر فيه وجوداً و عدماً، كما يشهد له التعليل بأنه «هو حين يتوضأ أذكر» لا مجال للقاعدة، للقطع بأنه كان غافلاً عن حدثه المتيقن سابقاً، لا ذاكراً، فضلاً عن كونه أذكر، و أما بناء على أنها من الأصول العملية، المنوطة بمجرد حدوث الشك بعد العمل، لا من باب تقديم لظاهر على الأصل؛ فلا شبهة في جريان قاعدة الفراغ»
[19] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص92.
[20] أشكل صاحب المنتقى في منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج6، ص28.على ما أفاده الشيخ الأنصاري و صاحب الكفاية: «أن هذه الدعوى تتمّ بناء على الالتزام بموضوعية اليقين و الشك بما هما وصفان في باب الاستصحاب، بحيث يتعلق الجعل بوصف اليقين.أما بناء على الالتزام بأن المجعول في الاستصحاب هو الحكم المماثل، أو الملازمة بين الحدوث و البقاء- كما يظهر من صاحب الكفاية- المعبّر عنها في كلام البعض بأن الحادث يدوم، بحيث لا‌يكون لليقين و الشك موضوعية، بل هما طريقان للمتيقن و المشكوك. فلا‌يتمّ هذا الكلام، لأن اليقين و الشك لا موضوعية لهما، بل يكون الاستصحاب حكماً ظاهرياً ثابتاً في الواقع للحادث عند حدوثه، مع قطع النظر عن اليقين و الشك. نعم، اليقين طريق إليه كسائر الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها.و بالجملة: لا موضوعية للشك حتى يبحث في أن المراد به الشك الفعلي أو التقديري».و قال في المنتقى، ج6، ص30 بعد أن أشكل على الشيخ الأنصاري. في استدلاله على نفي جريان قاعدة الفراغ في المسألة الأولى: «فالوجه الصحيح في نفي جريان قاعدة الفراغ و الحكم ببطلان العمل في الفرض المزبور هو أن يقال: أن الشك الذي يكون مجرى لقاعدة الفراغ هو الشك في صحّة العمل، بمعنى الشك في مطابقة ما أتي به للمأمور به، و أما مع العلم بعدم مطابقته لما هو الوظيفة الفعلية عليه و لما هو متعلق الأمر، فلا مجال لقاعدة الفراغ للعلم ببطلان العمل بحسب الوظيفة الفعلية. و ما نحن فيه من هذا القبيل، لأنه بعد ما التفت و أجرى استصحاب الحدث كان مأموراً بالطهارة، و كان محكوماً ببطلان صلاته لو جاء بها بحالته التي هو فيها بلا وضوء. و عليه فإذا التفت بعد العمل إلى ذلك فلا شك لديه في صحة العمل، بل يعلم بمخالفة عمله لما هو مقتضى الوظيفة الفعلية عليه، و مثله يكون باطلاً. و لعلّ هذا هو مراد صاحب الكفاية، من التزامه ببطلان العمل للحدث الاستصحابي»‌
[21] و أورد السيد الصدر في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص213..على المسألة الأولى: «و يلاحظ عليه: أنه لا دليل على أخذ القيد المذكور في موضوع القاعدة، لأننا إذا لاحظنا ذيلها فهو يدلّ على ما هو المختار عندنا في الفقه من اشتراط احتمال الأذكرية حين العمل فلا موضوع للقاعدة في أمثال المقام، و إن لم‌نلحظ ذلك و جمدنا على عنوان الفراغ في كلّ مورد فرغ فيه عن عمل و احتمل صحّته و لو صدفةً و اتفاقاً فلا وجه لأخذ قيد زائد على ذلك و إنما لا‌تجري القاعدة في مورد الشك الفعلي في العمل باعتبار عدم تحقق عنوان الفراغ المأخوذ فيها. و بعبارة أخرى: موضوع القاعدة الشك الحاصل بعد العمل بنحو لا‌يكون العمل حينه محكوماً بالبطلان بحسب نظر المكلف، و هذا القيد حاصل في المقام و لو كان الاستصحاب جارياً في شكّه التقديري لأنه غير واصل إليه بحكم غفلته و تقديرية شكه بخلاف موارد الشك الفعلي.و هكذا يتّضح جريان الاستصحاب في المقام و عدم حكومته على القاعدة، و هل يحكم بتقدم القاعدة عليه أم لا؟ قد يقال بتقدمها من باب عدم اجتماعهما في زمان واحد، فإنه حين العمل يجري الاستصحاب دون القاعدة و بعد العمل تجري القاعدة و تحكم على الاستصحاب بعد الفراغ عن العمل، و الاستصحاب الجاري حين العمل لا‌يكون منجزاً لما بعد الفراغ من العمل فإنّ الاستصحاب ينجّز بجريانه بلحاظ زمان جريانه لا أكثر، و هذا من قبيل من قلّد مجتهداً يحكم ببطلان صلاته ثمّ مات فقلّد مجتهداً آخر يحكم بصحة صلاته فإنه لا‌تجب عليه الإعادة.إلّا أنّ الصحيح: وقوع المنافاة بينهما، لأنّ التفكيك بين الوجود الحدوثي للاستصحاب و الوجود البقائي له غير معقول في خصوص المقام، لأنَّ لازمه اختصاص هذا التعبد الاستصحابي بصورة الغفلة بحيث يرتفع بمجرد الالتفات و جعل مثل هذا الحكم الظاهري لغو عقلًا أو عقلائياً و عرفاً على أقلّ تقدير، و هذا يعني أن دليل التعبد الاستصحابي بالحدوث يلازم التعبّد الاستصحابي بقاءً أيضاً فيقع التنافي بينه و بين القاعدة و حينئذ لو قلنا بأنَّ تقدم القاعدة على الاستصحاب الجاري في موردها بعد العمل يكون بملاك الحكومة و رفعها للشك فهذا الوجه لا‌يتمّ هنا لأنها لا‌ترفع الشك حين العمل و التعبد الاستصحابي بعد العمل لازم دليل الاستصحاب لا نفس الاستصحاب فيكون التعارض بحسب الحقيقة بين دليل التعبدين بلحاظ ما بعد الفراغ عن العمل، و إنْ قلنا بأنَّ تقدّم القاعدة على الاستصحاب بملاك التخصيص و تقدم ظهور دليلها على ظهور دليله كما هو الصحيح فهذا يجري في المقام أيضاً فيحكم بصحة الصلاة بالقاعدة على كلّ حال»
[22] قال المحقق الحائري في درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج1، ص513.: «و أما المسألة الثانية فالأخذ بقاعدة الشك بعد الفراغ فيها مبني على كونها من الأصول العملية، و أما على كونها من الطرق من جهة ملاحظة التعليل الوارد في بعض الأخبار من أنه حين العمل أذكر فلا‌تكون مشمولة لها، للعلم بأنه حين العمل ليس أذكر منه بعده، فحينئذ إن قلنا بالأول يؤخذ بالقاعدة، و تقدم على الاستصحاب، لا من جهة الحكومة، بل من جهة أنه لولاه لزم كون القاعدة لغواً، لورودها مورد الاستصحاب غالباً، إما موافقة له أو مخالفة، و إن قلنا بالثاني فتقديمها عليه في موارد جريانها من جهة الحكومة، نظير تقديم ساير الأدلة و الأمارات عليه، و لكن الدليل غير شامل للشك المفروض، لعدم صدق التعليل المقتضي للطريقية.و من هنا يعلم ما في ما أفاده. من أن هذا الشك اللاحق يوجب الإعادة بحكم الاستصحاب لو‌لا حكومة قاعدة الشك بعد الفراغ، لأنه لو أخذ بالقاعدة من باب الطريقية بملاحظة التعليل المذكور، فلا‌تجري في الفرع المزبور أصلاً، حتى تكون مقدمة على الاستصحاب، و إن أخذ بها من باب التعبد فتقدمها ليس من باب الحكومة، كما لا‌يخفى، و لعلّه أشار إلى ما ذكرنا أو بعضه بقوله: فافهم»
[23] و ناقش السيد الصدر في المسالة الثانية في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص214..: «و يلاحظ عليه: أولاً: إن هذا الشك فعلي حين العمل و ليس تقديرياً، لأنَّ الشك كالعلم و الظن تارةً يكون ملتفتاً إليه و أخرى لا‌يكون ملتفتاً إليه بعد حصوله، و لكنه موجود في أعماق النّفس و عدم الالتفات إلى ما في النّفس لا‌يرفعه لا دقةً و لا عرفاً، و لهذا قيل بعدم شمول قاعدة الفراغ لهذا المكلف بعد العمل لكون شكه نفس الشك السابق، فإذا كان الدليل على عدم جريان الاستصحاب في الشك التقديري عدم فعلية الشك فهو غير تام في المقام. نعم لو كان المدرك الوجه الثبوتي الذي ذكره‌ المتأخرون من عدم معقولية الحكم الظاهري مع عدم الوصول و التنجز كما في حال الغفلة و النسيان فهذا الوجه جارٍ هنا أيضاً.و ثانياً: ما أشرنا إليه آنفاً من أن المنجز في كل آن هو الحجة المعذرة للمكلف و النافية عنه الإعادة و القضاء في ذلك الآن و استصحاب الطهارة في الفرع المذكور قد فرض انقطاعه بعد الفراغ عن العمل لحصول العلم بتوارد الحالتين فلا معذّر بيد المكلف بعد الفراغ ليعتمد عليه، و التعبد الاستصحابي حين العمل لا‌يعذر عن الواقع إلّا بلحاظ زمانه و ظرفه»
[24] و لنذكر هنا بعض ما يمكن أن يستدلّ به لتعميم الشك للشك التقديري أو الشأني:قال المحقق اليزدي في حاشية فرائد الأصول - تقريرات، اليزدي النجفي، السيد محمد إبراهيم، ج3، ص39. ذيل قول الشيخ الأنصاري: (أمّا إذا لم يلتفت فلا استصحاب و إن فرض شكّ فيه على فرض الالتفات‌): «و لقائل أن يقول: لا‌نسلّم اعتبار الشكّ الفعلي في موضوع الاستصحاب بل إنّما يعتبر مجرّد عدم العلم بزوال الحالة السابقة أعمّ من الشكّ و الظنّ و الوهم و الغفلة بدعوى أنّ حرمة النقض في الأخبار مغيّاً باليقين على الخلاف و كذا حكم العقل على القول الآخر، و يرجع هذا إلى كفاية الشكّ الشأني في موضوع الاستصحاب، و لا‌ينافي ذلك قوله (عليه السلام) في بعض أخباره: «لا‌ينقض اليقين بالشكّ» الظاهر في الشكّ الفعلي لأنّه محمول على الغالب، فإنّ فرض عدم حصول الشكّ لأجل الغفلة كما مثّله نادر، و لا‌يتوهّم أنّ مجرّد عدم العلم بزوال‌ الحالة السابقة كما قلنا شامل لما إذا علم بقاء الحالة السابقة أيضاً، و يلزم ذلك جعل الحكم الواقعي بلحاظ هذه الصورة و الحكم الظاهري بلحاظ باقي الصور بجعل واحد و بلفظ واحد و بلسان واحد؛ و هو إمّا متعذّر كما قيل أو مستبعد و مخالف للظاهر، لأنّ سياق الأخبار آبٍ عن شمول صورة العلم ببقاء الحالة السابقة، و لازم ما ذكر أنّه لو تيقّن بالحدث ثمّ غفل و صلّى في حال الغفلة ثمّ التفت بعد الصلاة و شكّ في أنّه تطهر قبل الصلاة أم لا، حكم ببطلان صلاته مستنداً إلى جريان الاستصحاب قبل العمل، و لو تيقّن بالطهارة ثمّ غفل و صلّى كذلك حكم بصحّة صلاته للاستصحاب الجاري قبل العمل كالأوّل، بل يمكن أن يقال بجريان الاستصحاب قبل العمل في الصورة المفروضة و إن سلّمنا أنّ المعتبر هو الشكّ الفعلي الموجود حال الالتفات على ما في المتن بدعوى أنّ المعتبر في قوام الاستصحاب هو حصول الشكّ الفعلي في زمان ما قبل العمل أو بعده، فلو التفت بعد العمل و شكّ علم أنّه كان محكوماً بحكم الاستصحاب من الأوّل في الواقع. غاية الأمر عدم علمه به إلى حين الشكّ. نعم لو بقي على حال الغفلة إلى أن مات لا‌يجري الاستصحاب في حقّه أصلاً، و هذا بخلاف ما لو قلنا بجريانه بملاحظة الشك الشأني على ما حرّرنا، فإنّ لازمه جريان الاستصحاب في حال الغفلة و إن لم‌يلتفت و لم‌يشك إلى أن مات. هذا كلّه حال جريان الاستصحاب بالنسبة إلى ما قبل العمل.و أمّا بالنسبة إلى جريانه بعد العمل عند حصول الشكّ حينئذ فلا كلام فيه على جميع التقادير، و يقتضي ترتّب الأثر من حين اليقين السابق إلى زمان الشكّ و بعده اللازم منه صحّة العمل السابق على زمان الشكّ أو فساده بحسب المتيقّن السابق، إلّا أنّه محكوم بقاعدة الفراغ على ما تقرّر في محلّه، و الحاصل أنّه يمكن القول بجريان الاستصحاب في حقّ الغافل حين العمل و إن لم‌يحصل له شكّ قبل‌ العمل بأحد الوجهين المذكورين لا‌يخلو ثانيهما عن بعد فليتأمّل».يظهر من المحقق الصدر. اختيار جريان الاستصحاب التقديري و قد مرّ إشكاله على ما استدلّ به على عدم الجريان في أوّل التنبيه
[25] قال في المغني في علم الأصول، ج1، ص327: «و استند القائلون به إلى وجهين:الوجه الأول: أن اليقين و الشك أخذا طريقاً إلى الموضوع و لا موضوعية لهما، و الموضوع هو ثبوت الشيء فإذا كان الحكم أو الموضوع ذو الحكم ثابتاً واقعاً و مفاد الاستصحاب هو إبقاء ما ثبت سابقاً تمّت أركان الاستصحاب في حالة الشكّ التقديري أيضاً.و منشأ هذا الوجه شبهة حاصلها: أنّ الأصل في العناوين و إن كانت هي الموضوعية إلّا أنّها ليست قاعدة كلية، فإنّ العناوين على قسمين: ما كانت حيثية ذاته الطريقية، و ما لم‌يكن كذلك؛ فما كان من قبيل القسم الأوّل إذا أخذ في لسان الدليل فليس مأخوذاً بما هو موضوع، بل بما هو طريق، و اليقين و القطع من هذا القبيل و الشاهد عليه أن المتيقّن إذا حصل عنده اليقين يغفل عنه و تمام نظره إلى متعلّق اليقين.الوجه الثاني: أنّ روايات الاستصحاب مشتملة على فقرتين: «لا‌تنقض اليقين بالشكّ» و «و لكن تنقضه بيقين آخر» و المستفاد من الجملة الثانية أمران: أنّ اليقين ينقض باليقين و عكسه أي اليقين لا‌ينقض بغير اليقين، و لنقض اليقين بغير اليقين فردان: أحدهما الشك الفعلي التحقيقي، و الآخر الشك التقديري؛ فإنه إذا لم‌يكن هناك شك فعلي يكون رفع اليد عن اليقين السابق نقضاً لليقين بغير اليقين، فلو كان عنده يقين بالطهارة و غفل ففي ظرف الغفلة ليس عنده شكّ فإذا لم يعمل باليقين فليس من نقض اليقين بالشكّ لأنّه ليس شكّاً بالفعل بل تقديراً و لكنّه نقض لليقين بغير اليقين فما يستفاد من أدلّة الاستصحاب هو عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين و هو أعمّ من الشكّ الفعلي و التقديري».
[26] و في الرسائل، الخميني، السيد روح الله، ج1، ص318. : «و يمكن أن يفصل في المقامين بين ما إذا صار الشك ذاهلاً رأساً بحيث يقال في الشك الحاصل بعده أنه شك حادث فيقال بجريان القاعدة و عدم جريان الاستصحاب و بين ما إذا غفل عن شكه مع كونه موجوداً في خزانة النّفس نظير عدم العلم بالعلم فيقال بعدم جريان القاعدة و جريان الاستصحاب‌».
[27] و أورد علیه في زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج5، ص414.: «و ما عن بعض المحققين‌ من أن الشك إذا صار فعلياً و جرى الاستصحاب، فالشك يكون باقياً في خزانة النفس، و إن كان الشاك غير ملتفت إليه و لكن وجوده فعلي فيجري الاستصحاب؛غريب فإن الشك و اليقين و الظن مقسمها الالتفات و هو قسيم الغفلة، فإذا فرض الغفلة لا‌محالة يكون الشك منعدماً»