الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الأول؛ المقام الأول
نعم- بناء على الوجه الثاني- لايكفي فعلية الشك في فعلية الحكم، بل لابدّ من الالتفات إلى حكمه، لأن للفعلية و التنجز في الأحكام الطريقية مرتبة واحدة بخلاف الوجه الأول، فإنه يمكن أن يكون تحققه الالتفات إليه، بل يتقوم تنجزه به. و أما على ما هو التحقيق- عندنا- من مساوقة الفعلية، و التنجز مطلقاً، فالحكم النفسيّ و الطريقي- من حيث تقومه بالالتفات إليه- على حدّ واحد».([1]
)
استدلال المحقق الخوئي
وجّه المحقق الخوئي هذه النظرية بقوله: إنّ الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام الواقعية أو الظاهرية واردة بنحو القضية الحقيقية التي يحكم فيها على تقدير وجود الموضوع، فلو دلّ دليل على أنّ الخمر حرام، مفاده أنّ الحرمة ثابتة للخمر الفعلي، و لايدل على حرمة شيء لايكون خمراً بالفعل و إن كان إذا غلا يكون خمراً.
و كذا لو دلّ دليل على وجوب تقليد العالم مثلاً، فمعناه وجوب تقليد العالم بالفعل لا تقليد من يكون له استعداد العلم بحيث لو تعلّم يصير عالماً كما هو واضح، فلابدّ في جريان الاستصحاب من اليقين و الشك الفعلي، إذ لو اجري الاستصحاب مع الشك التقديري لكان جارياً مع عدم الشك، و هو خلف، لكون موضوعه اليقين و الشك.([2]
[3]
[4]
[5]
)
المقام الثاني:
في مسألتين أفادهما الشیخ الأنصاري و قد وقع النزاع فيهما
«[المسألة الأولى:] المتیقّن للحدث إذا التفت إلى حاله في اللاحق، فشك جری الاستصحاب في حقّه.
فلو غفل عن ذلك و صلّی بطلت صلاته، لسبق الأمر بالطهارة، و لایجري في حقّه حكم الشك في الصحّة بعد الفراغ عن العمل، لأنّ مجراه [أي مجری قاعدة الفراغ] الشك الحادث بعد الفراغ، لا [الشك] الموجود من قبل.
[المسألة الثانیة:] … لو غفل عن حاله بعد الیقین بالحدث و صلّ، ثم التفت و شك في كونه محدِثاً حال الصلاة أو متطهّراً، جری في حقّه قاعدة الشك بعد الفراغ، لحدوث الشك بعد العمل و عدم وجوده قبله حتّی یوجب الأمر بالطهارة و النهي عن الدخول فیه [أي في الصلاة] بدونها [أي بدون الطهارة]»([6]
).
توضیح ذلك: إنّ أركان الاستصحاب قبل الدخول في الصلاة لاتتمّ، لعدم حصول الشك الفعلي قبل الدخول في الصلاة، لأنّ المفروض هو غفلته و عدم التفاته إلى الشك قبل الصلاة، فهذا الاستصحاب لایجري قبل الصلاة، بل هنا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى هذه الصلاة.
[3] قال المحقق النائيني
في
فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص317.: «[الأوّل] ظهور لفظ الشكّ و اليقين بل مطلق الألفاظ في فعليّة الوصف العنواني و قيام مبدأ الاشتقاق الحقيقي أو الجعلي بالذات فعلاً و تلبّسها به حال الإطلاق- و لذا وقع الاتّفاق على عدم صحّة إطلاق الإنسان و الحجر و غير ذلك من الجوامد على ما انقضى عنه الإنسانيّة و الحجريّة أو لميتلبس بعد و إن وقع الخلاف في خصوص المشتقّات في صحّة إطلاقها على وجه الحقيقة بالنسبة إلى من انقضى عنه المبدأ- .[الثاني] إن الحكم المجعول في الاستصحاب بل في مطلق الأصول لايكاد يتحقّق إلّا مع فعليّة الشكّ الّذي أخذ موضوعاً فيها، بداهة أنّ الجري العملي على أحد طرفي الشكّ أو البناء على بقاء الحالة السابقة و ترتّب آثار ثبوت المتيقّن لايمكن إلّا مع فعليّة الشكّ، بل قد تقدّم منّا في مبحث الظنّ أنّ نتيجة الحكم الظاهري لايكاد أن تتحقّق إلّا بعد العلم بالحكم و الموضوع، من غير فرق في ذلك بين الطرق و الأمارات و بين الأصول العمليّة».
[4] قال الشيخ حسين الحلي
في
أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج9، ص12..: «حاصله: الاستدلال على لزوم كون الشكّ فعلياً و عدم الاكتفاء بالشكّ التقديري في باب الاستصحاب بأُمور ثلاثة:الأوّل: الظهور اللفظي من اليقين و الشكّ في قولهم عليهم السلام: «لاتنقض اليقين بالشكّ» فإنّ الظاهر منه هو الشكّ الفعلي دون التقديري (و لكن لا علاقة لذلك على الظاهر بمسألة اعتبار التلبّس الفعلي بالمبدإ في باب المشتق).الثاني: أنّ الحكم الاستصحابي و هو النهي عن نقض اليقين بالشكّ لايتحقّق إلّا عند تحقّق موضوعه الذي هو اليقين و الشكّ، فمع فرض عدم كون الشكّ فعلياً لايكون موضوع الاستصحاب متحقّقاً، فلايكون الحكم الاستصحابي متحقّقاً إلّا مع فعلية الشكّ، إمّا لما أشار إليه هنا بقوله: بداهة أنّ الجري العملي على أحد طرفي الشكّ، أو البناء على بقاء الحالة السابقة و ترتّب آثار ثبوت المتيقّن، لايمكن إلّا مع فعلية الشكّ. و إمّا لما أشار إليه في تحرير السيّد (سلّمه اللَّه تعالى) من أنّ فعلية كلّ حكم تتوقّف على فعلية موضوعه المأخوذ مفروض الوجود، على ما هو الشأن في القضايا الحقيقية، فراجعه، لكن هذا الأخير لاينفي حكم الأصل واقعاً و إنّما ينفي فعليته، كما أنّ الأوّل لاينفي الواقعية، لإمكان أن يكون الموضوع هو الشكّ التقديري، فيكون المكلّف محكوماً بأحد طرفي ذلك الشكّ التقديري و إن لميكن شاكّاً فعلًا.الثالث: ما يستفاد من الترقّي بقوله: بل قد تقدّم منّا و هو أنّ الحكم الظاهري لايتحقّق إلّا بعد العلم بالحكم و الموضوع.و حاصل الوجه الأوّل هو الاستظهار المحض. و حاصل الثاني هو عدم إمكان تأتّي الحكم الاستصحابي الذي هو الأخذ بالمتيقّن، و كذا في جميع موارد الأُصول الذي يكون هو الأخذ بأحد طرفي الشكّ لايكون متحقّقاً أو لايكون فعلياً إلّا مع الالتفات إلى الشكّ. و حاصل الثالث هو كون الحكم الظاهري مقيّداً بالعلم به و بموضوعه، فإذا كان نفس الحكم الظاهري مجهولًا أو كان موضوعه مجهولًا، لميكن الحكم الظاهري متحقّقاً فعلاً». ثمّ أشكل على الثالث فراجع
[5] أشكل السيد الصدر
في
بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص212.. على الدليلين:أمّا على الأوّل فبقوله: «أولاً: لا قصور في مقام الإثبات لتمامية الإطلاق اللفظي في جملة من أدلة الاستصحاب؛ ففي الصحيحة الأولى قد ورد: (لاتنقض اليقين بالشك بل تنقضه بيقين آخر) ممّا يعني أنّ القاعدة المضروبة عدم نقض اليقين بغير اليقين، فليست فعلية الشك لها دخل في هذا التعبد فيشمل كلّ ما لايكون يقيناً، و في المقام لا يقين بالانتقاض، و كذلك التعبير الوارد في صحيحة ابن سنان: (لأنك أعرته إياه و هو طاهر و لمتستيقن أنه نجسه) أو التعبير الوارد في روايات قاعدة الحلّ و الطهارة بناءً على إمكان استفادة الاستصحاب منها أيضا فإنها جميعاً جعلت الغاية العلم بالانتقاض.و ثانياً: لو فرض عدم تمامية الإطلاق اللفظي فلاينبغي الإشكال في أنّ مناسبات الحكم و الموضوع المفهومة عرفاً تقتضي إلغاء مدخلية فعلية الشك في حجية الاستصحاب، لأنّ ملاكها وهن الشك و قوّة اليقين و هذا الوهن لايختص بفرض فعلية الشك بل لعله أكثر وهناً في حال كونه تقديرياً، فينعقد إطلاق عرفي يشمل تمام موارد عدم اليقين بالانتقاض. نعم لايشمل موارد اليقين التقديري بالانتقاض بحيث يفرض أنه غافل و لكنه يتيقّن بالانتقاض لو التفت إلى نفسه، و الوجه في ذلك نفس المناسبة العرفية التي ذكرناها».و أمّا على الثاني فبقوله: «فيه ما تقدم في محلّه من واقعية الأحكام الظاهرية جعلًا و ملاكاً و عدم تقومها بالوصول. نعم ملاك الحكم الظاهري ليس ملاكاً مستقلاً عن الملاكات الواقعية و إنّما هو درجة الحفظ و الاهتمام بها في حالات التزاحم الحفظي و هذا لايجعله متقوماً بالوصول، فلا أساس لهذا الوجه»