بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الأول: اعتبار فعلیة الیقین و الشك

 

البحث الرابع: الاستصحاب (2)

(تنبیهات الاستصحاب)

في بعضها یبحث عن أحوال الیقین و المتیقّن و في بعضها عن أحوال الشك و في بعضها عن الأثر العملي للاستصحاب، و هنا أربعة عشر تنبیهاً و نبحث عن ثمانیة منها في هذا الجزء:

التنبیه الأوّل: اعتبار فعلیة الیقین و الشك

التنبیه الثاني: استصحاب بقاء الشيء علی تقدیر حدوثه

التنبیه الثالث: استصحاب الكلّي

التنبیه الرابع: جریان الاستصحاب في الأمور التدریجیة

التنبیه الخامس: الاستصحاب التعلیقي

التنبیه السادس: استصحاب عدم النسخ

التنبیه السابع: الأصل المثبت

التنبیه الثامن: الواسطة التي هي عین المستصحب و تعمیم المستصحب وجوداً و عدماً

التنبیه الأوّل: اعتبار فعلیة الیقین و الشك

نبحث عن هذا التنبيه ضمن مطلبین:

المقام الأوّل: بيان نظریة الشیخ و صاحب الكفایة

المقام الثاني: في مسألتين أفادهما الشیخ الأنصاري و قد وقع النزاع فيهما

المقام الأوّل: بيان نظریة الشیخ و صاحب الكفایة

إنّ الشیخ الأنصاري بعد بیان تعاریف الاستصحاب ذكر أموراً و قال في الأمر الخامس:

«إنّ الاستصحاب یتقوّم بأمرین:

أحدهما: وجود الشيء في زمان، سواء عُلم به في زمان وجوده أم لا. نعم لابدّ من إحراز ذلك حین إرادة الحكم بالبقاء بالعلم أو الظنّ المعتبر ... .

الثاني: الشك في وجوده في زمان لاحق علیه ... ثمّ المعتبر هو الشك الفعلي الموجود حال الالتفات إليه، أمّا لو لم‌یلتفت فلا استصحاب و إن فرض الشك فیه على فرض الالتفات».([1] [2] [3] )

استدلال المحقق الإصفهاني[4]

«الوجه في اعتبار فعلية الشك أمران:

أحدهما: ظهوره في الفعلية- المساوقة لثبوته و تحققه- لا وضعاً فإن الألفاظ موضوعة لنفس المعاني المعرّاة بذاتها عن الوجود و العدم، و لذا يحمل عليه بأنه موجود أو معدوم. و قد مر منّا مراراً أنّ الوضع للموجود- خارجياً كان أو ذهنياً- غير معقول لأن فائدة الوضع الانتقال من سماع اللفظ إلى معناه، و الانتقال نحو من الوجود الذهني و الوجود لا‌يعرض الموجود- خارجياً كان أو ذهنياً- لأن المقابل لا‌يقبل المقابل، و المماثل لا‌يقبل المماثل، فتدبر، بل منشأ الظهور أنّ الموضوع في القضية قد يكون- من حيث مفهومه و معناه- موضوعاً للحكم، كما في الحمل الذاتي، و قد يكون بما هو فانٍ في مطابقه، و مطابق المفاهيم الثبوتية حيثية ذاتها حيثية طرد العدم، و ما نحن فيه من قبيل الثاني، كما هو واضح.

ثانيهما: أن مفاد دليل الاستصحاب- كدليل الأمارة، بل و جميع الأصول- وظائف شرعية، و أحكام طريقية، لا نفسية حقيقية، فمفادها إما التنجيز، و إمّا الإعذار و هما يتقوّمان بالوصول- حكماً و موضوعاً- فلا‌يعقل تعلق التنجيز و الإعذار بموضوع تقديري غير موجود بالفعل، و لا ملتفت إليه، حيث أن الالتفات يساوق تحققه، فسنخ الحكم يقتضي برهاناً عدم كون الموضوع أمراً تقديرياً يجامع الغفلة كما أنّ الظهور في الأول يقتضي فعلية الشك.

 


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص24.
[2] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص404.
[3] و استدلّ بعض الأساطين. في المغني في الأصول، ج1، ص328 و 329 للقائلين بجريان الاستصحاب في اليقين و الشك التقديري بوجهين:الوجه الأوّل: «أن اليقين و الشك أخذا طريقاً إلى الموضوع و لا موضوعية لهما، و الموضوع هو ثبوت الشيء، فإذا كان الحكم أو الموضوع ذو الحكم ثابتاً واقعاً، و مفاد الاستصحاب هو إبقاء ما ثبت سابقاً تمّت أركان الاستصحاب في حالة الشك التقديري أيضاً.و منشأ هذا الوجه شبهة حاصلها: أنّ الأصل في العناوين و إن كانت هي الموضوعية إلا أنها ليست قاعدة كلية، فإن العناوين على قسمين: ما كانت حيثية ذاته الطريقية، و ما لم‌يكن كذلك، فما كان من قبيل القسم الأول إذا أخذ في لسان الدليل فليس مأخوذاً بما هو موضوع، بل بما هو طريق، و اليقين و القطع من هذا القبيل، و الشاهد عليه أن المتيقن إذا حصل عنده اليقين يغفل عنه، و تمام نظره إلى متعلق الیقین».الوجه الثاني: «أن روايات الاستصحاب مشتملة على فقرتين: (لا‌تنقض اليقين بالشك) و (و لكن تنقضه بيقين آخر)، و المستفاد من الجملة الثانية أمران: أن اليقين ينقض باليقين، و عكسه، أي اليقين لا‌ينقض بغير اليقين.و لنقض اليقين بغير اليقين فردان: أحدهما الشك الفعلي التحقيقي، و الآخر الشك التقديري، فإنّه إذا لم‌يكن هناك شك فعلي يكون رفع اليد عن اليقين السابق نقضاً لليقين بغير اليقين، فلو كان عنده يقين بالطهارة و غفل، ففي ظرف الغفلة ليس عنده شك، فإذا لم‌يعمل باليقين فليس من نقض اليقين بالشك، لأنّه ليس شاكاً بالفعل بل تقديراً، و لكنه نقض لليقين بغير اليقين، فما يستفاد من أدلّة الاستصحاب هو عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين، و هو أعمّ من الشك الفعلي و التقديري». و أشكل على الوجهين فراجع
[4] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص148.