بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ الأمران الباقیان

 

بیان المحقّق الخوئي للنظریة الثالثة

«الإنصاف أنّه لایتعقّل معنیً لجعل الماهیات تشریعاً، فإنّها غیر قابلة للجعل التشریعي و ذلك لأنّ معنی جعل الماهیة على ما ذكروه هو تصوّر أمور متعدّدة مجتمعة و منضماً بعضها مع بعض، ثمّ الأمر بها بعنوان أنّها شيء واحد.

و مرجع هذا المعنی إلى شیئین:

الأوّل: تصوّر الأمور المتعدّدة كالتكبیر و القیام و القراءة مثلاً بتصوّر واحد.

الثاني: الأمر بهذه الأمور المتعدّدة.

و لایصلح شيء منهما لأن یكون جعلاً للماهیة.

أمّا الأوّل فهو عبارة عن إیجاد الماهیات المتعدّدة في الذهن، فإنّ الوجود الذهني للأشیاء هو عین تصوّرها لا جعل الماهیات تشریعاً، فیكون تصوّرها جعلاً تكوینیاً لها في الذهن بتبع إیجادها فيه كما أنّ الجعل التكویني الخارجي لماهیة إنّما یكون بتیع إیجادها في الخارج و الفرق بین الوجود الذهني و الخارجي أنّ وجود الأشیاء في الخارج متمایز و منحاز بعضها عن بعض، بخلاف وجودها الذهني، فإنّه یمكن تصوّرها في الذهن بتصوّر واحد بلا امتیاز لبعضها عن بعض.

و أمّا الثاني فهو عبارة عن التكلیف فهو المجعول تشریعاً دون الماهیة.

فتحصّل أنّ المجعول الشرعي منحصر في الأحكام التكلیفیة و الوضعیة».([1] )

ملاحظة على بیان المحقّق الخوئي

إنّ المحقّق الخوئي أنكر في بیانه هذا، تعلّق الجعل التشریعي بالماهیات المخترعة رأساً و قال باختصاص تعلّقه بالتكلیف و الحكم المتعلّق بهذه الماهیة و هذا ما لایمكن المساعدة علیه، فإنّ الجعل یتعلّق بالحكم استقلالاً و بالذات و یتعلّق بمعروضه الذي هو موضوعه بالعرض، فتلك الماهیات مجعولة تشریعاً لكنه بالجعل التشریعي بالعرض و هذا الجعل لایختصّ بالماهیات المخترعة حتّی یتوهّم كونها من أقسام الحكم الوضعي أو قسیماً له بل هذا الجعل جارٍ في جمیع موضوعات الأحكام كما صرّح بذلك المحقّق الإصفهاني، فهذه النكتة هي مورد افتراق بیانه عن بیان المحقّق الإصفهاني.

ثمّ إنّ لتلك الماهیات الجعلیة مثل الصلاة و الصوم حقیقة ملكوتیة و لیست تلك الموضوعات المستنبطة المخترعة أموراً اعتباریة، بل تلك الموضوعات ترجع إلى حقائق خارجیة و هي مجعولات تكوینیة.

الأمر الثاني: في البحث عن الصحّة و الفساد

نظریة صاحب الكفایة([2] )

إنّ صاحب الكفایة التزم بالتفصیل فقال في العبادات بأنّ الصحّة و الفساد فیها بمجرّد انطباق الفعل على المأمور به أو عدمه و الانطباق أمر قهري تكویني و لیس بجعلي تشریعي، و أمّا في المعاملات فإنّ الصحّة و الفساد بمعنی ترتّب الأثر على المعاملة أو عدمه، و ترتّب الأثر علیها إنّما هو بجعل الشارع و لو إمضاءً.

بیان المحقّق الإصفهاني

«إنّ الصحّة [في العبادات] سواء كانت بمعنی مطابقة المأتي به للمأمور به أو بمعنی كون المأتي به موجباً لاستحقاق الثواب أو بمعنی كونه مسقطاً للإعادة و القضاء، فهي على أيّ حال من أوصاف المأتي به، لا من شؤون المأمور به حتّی تكون مجعولة بجعله في مقام الأمر به نظیر الجزئیة و الشرطیة ... .

و أمّا الصحّة في المعاملات فعن شیخنا [صاحب الكفایة] في البحث المزبور أنّها مجعولة، لأنّها بمعنی ترتّب الأثر، و هو بجعل الشارع و ترتیبه على المعاملة و لو إمضاءً.

و قد ذكرنا في محلّه([3] ) أنّ اعتبار الملكیة مثلاً هو المجعول لا ترتّبه على العقد».([4] )

و قال في بیان ذلك:

«لا ریب في أنّ الاعتبارات المترتّبة على العقود و الإیقاعات أمور مجعولة شرعاً أو عرفاً، و معنی صحّتها ترتّب تلك الآثار علیها، إلا أنّه لیس المجعول إلا نفس الأثر، دون ترتّبه على مؤثّره، فإنّه عقلي». ([5] )

و الحاصل أنّ الصحّة في العبادات و المعاملات عند المحقّق الإصفهاني لیست مجعولة تشریعاً.

یلاحظ علیه

إنّ ترتّب الأثر ینتزع من جعل الأثر، فإذا جعل الشارع أو العرف عند البیع مثلاً ملكیة شيء للإنسان ینتزع من ذلك صحّته بمعنی ترتّب ذلك المجعول (الملكیة) على البیع فالصحّة مجعولة بالعرض في المعاملات بالجعل التشریعي و غیر مجعولة في العبادات.

و من هنا یظهر ما في كلام المحقّق الخوئي حیث فصّل بین الصحّة و الفساد الواقعیین و التزم بعدم الجعل فیهما سواء كانتا في العبادات أو المعاملات و بین الصحّة و الفساد الظاهریین و التزم بالجعل فیهما.([6] )

تمّ الكلام في تفصیلات الاستصحاب و یأتي الكلام في التنبیهات.


[1] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص87.
[2] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص183.
[3] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص558.
[4] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص139.
[5] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص588.
[6] محاضرات في الأصول، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج5، ص7.