بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ الامران باقیان

 

بقي هنا أمران

الأمر الأوّل: هل تعمّ المجعولاتُ الشرعیة الماهیاتِ المخترعة الشرعیة؟

هنا نظریات ثلاث:

النظرية الأولى: تعمیم الأحکام الوضعیة لتشمل الماهیات المخترعة الشرعیة.([1] )

النظرية الثانية: عدّ الماهیات المخترعة الشرعیة قسماً ثالثاً من المجعولات التشریعیة و هذا ما نسب إلى الشهید بل نسب إلیه أنّه أوّل من قال بذلك و تبعه المحقّق النائیني ([2] ).

النظرية الثالثة: عدم کون تلك الماهیات المخترعة مجعولات شرعیة ذهب إلى ذلك المحقّق الإصفهاني و تبعه في ذلك المحقّق الخوئي.

قبل الورود في تحقیق هذا المقال نذكر عبارة الشهید حتّی نری صحّة ما نسب إلىه في تقریرات المحقّق الخوئي ([3] ).

قال الشهید: «فائدة: الماهیات الجعلیة كالصلاة و الصوم و سائر العقود لاتطلق على الفاسد إلا الحجّ لوجوب المضي فیه ...».([4] )

فإنّ الشهید عبّر عن تلك الماهیات بالجعلیة، و لكن مجرّد ذلك لایكفي في إثبات التزامه بوجود قسم ثالث من المجعولات التشریعیة بل یحتمل أن یكون الشهید من القائلین بتعمیم الأحكام الوضعیة بحیث تشمل تلك الماهیات، و قد أشار المحقّق النائیني إلى النظریة الأولى و هي تعمیم الأحكام الوضعیة([5] ) و إن لم‌یكن قائلاً به، بل هو اختار النظریة الثانیة فقال: «إنّ المجعولات الشرعیة تنقسم إلى أحكام تكلیفیة و وضعیة و ماهیات اختراعیة و لا وجه لإرجاع الثالث إلى الثاني، فإنّه تعسّف لا موجب للمصیر إلیه»([6] ).

بیان المحقّق الإصفهاني للنظریة الثالثة ([7] )

«إنّ مجعولات الشارع على أنحاء:

منها الموضوعات المستنبطة، كالصلاة، و الحجّ و نحوهما مما اشتهر أنّها ماهیات مخترعة و أنّها مجعولة باعتبار الشار

و التحقیق ما مرّ منا غیر مرة أنّه لا جعل لها إلا جعلها في حیّز الطلب و مورد الأمر، فإنّ الجعل إمّا أن یتعلّق بماهیتها أو بوجودها.

و جعل الماهیة كلّیّة غیر معقول، لأنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري و جعل وجودها الخارجي قائم بفاعلها و هو المصلّي، لا بأمرها و هو جعل تكویني لا تشریعي، و جعل وجودها الذهني بتصوّرها قائم بمن یتصوّرها أیّاً من كان.

و كون المتصوّر لها هو الشارع في مقام الأمر بها لیس جعلاً تشریعیاً لها و إلا لكان كلّ موضوع یتصوّره الشارع في مقام الأمر مجعولاً تشریعیاً، فلا‌یعقل من جعلها التشریعي إلا ثبوت الموضوع بثبوت الحكم، لما مرّ مراراً أنّ الحكم بالإضافة إلى موضوعه من قبیل عوارض الماهیة و فیها ثبوت المعروض بثبوت العارض.

و هذا جعل تشریعي بالعرض، لكنّه غیر مخصوص بالموضوعات المستنبطة لجریانه في كلّ موضوع و حكم.

نعم حیث أنّ ثبوتها في مرحلة الحكم مخصوص بالشارع فلذا قیل بأنّها مخترعة و مجعولة تشریعاً، فكأنّها متمحّضة في التشریعیة، دون غیرها».([8] )

 


[1] كما في رسالة الاستصحاب، ص67.
[2] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص87.
[3] المصدر السابق و إليك نصّ كلامه: «إنه ذكر جماعة أن المجعولات الشرعیة ثلاثة: الأحكام التكلیفیة و الأحكام الوضعیة و الماهیات المخترعة كالصوم و الصلاة. قال الشهید): ... و هو أول من قال بالماهیات الجعلیة و وافقه جماعة منهم المحقق النائیني).»
[4] القواعد و الفوائد‌- ط دفتر تبلیغات اسلامی‌، الشهيد الأول، ج1، ص158.
[5] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص384..: «الأمر الثالث: المراد من الأحكام التكلیفیة هي المجعولات الشرعیة التي ... و أما الأحكام الوضعیة فهي المجعولات الشرعیة التي لاتتضمن البعث و الزجر و لاتتعلق بالأفعال ابتداء أولاً و بالذات ... و قد اختلفت كلمات الأصحاب في تعدادها ... و قیل: إنها غیر محصورة بل كلّ ما لایكون من الحكم التكلیفي فهو من الحكم الوضعي ... بل قیل: إن الماهیات المخترعة الشرعیة كلّها من الأحكام الوضعیة كالصوم و الصلاة و الحج و نحو ذلك ... فالتحقیق أنّ الأحكام الوضعیة لیست بتلك المثابة من الاقتصار .. و لا هي بهذه المثابة من التعمیم بحیث تشمل الماهیات المخترعة ...»
[6] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص382.
[7] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص120.
[8] و صرّح أیضاً في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص54.في التعلیقة على قوله: «بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا» بعدم مجعولیة هذه المعاني حیث قال: «ربما يعبر عن هذه المعاني بالماهيّات الجعليّة و المخترعة، فيظنّ الغافل تعلّق نوع جعل و اختراع بها، مع قطع النّظر عن جعلها في‌ حيّز الطلب‌، مع أنّ تعلّق الجعل البسيط بها في ذاتها محال فإنّ الماهيّة في حدّ ذاتها لا «مجعولة» و لا «لا مجعولة» و تعلّق الجعل التأليفي التركيبي بين الماهيّة و نفسها كذلك، لأن ثبوت الشي‌ء لنفسه ضروري، و تحصيل الحاصل محال، و إن قلنا بتعلّق الجعل التكويني بالماهيّة دون الوجود فإنّ الجاعل بهذا الجعل هو المُصَلِّي دون الأمر و الشارع. و أمّا جعل الهيئة التركيبية معنونة بعنوان الصلاة بمعنى جعلها عطفاً من المربوب إلى الربّ، و تذلّلاً منه إليه، قياساً بجعل الشارع للشي‌ء مالًا أو ملكاً فمدفوع» إلخ، و استشكل هذا الكلام السید المحقق الصدر و العلامة الفاني. فراجع آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج1، ص155 و بحوث في علم الأصول، ج1، ص181