بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ المقام الثاني: جریان الاستصحاب في أقسام الحکم الوضعي

 

نظریة المحقّق الإصفهاني بالنسبة إلی الأقسام الثلاثة

القسم الأوّل

قال: الكلام تارة في استصحاب الشرطیة و المانعیة و أخری في استصحاب ذات الشرط و المانع.

استصحاب الشرطیة و المانعیة

«أمّا بناء على عدم مجعولیتهما [كما ذهب إلیه صاحب الكفایة] فواضح، حیث إنّهما لیستا تعبّدیتین، حتّی یتعبّد ببقائهما و لم‌یترتّب علیهما أثر شرعي، فإنّ التكلیف مترتّب على ذات الشرط و المانع ثبوتاً و نفیاً، لا على الشرطیة و المانعیة.

و أمّا بناء على مجعولیتهما [كما ذهب إلیه المحقّق الإصفهاني و التزم فیهما و في نظائرهما من سائر الأمثلة بالجعل بالعرض]، فإن كان المهمّ إثبات نفسهما [أي إنّ المهمّ لو كان إحراز نفس سببیة هذا الشيء أو شرطیته أو مانعیته بالنسبة إلى التكلیف] فلا كلام [في جریان الاستصحاب] فإنّ المستصحب حكم شرعي جعلي [بالجعل بالعرض] على الفرض و لا حاجة إلى أثر آخر.

و إن كان المهمّ إثبات التكلیف، فهو كما عرفت مرتب على ذات الشرط و المانع، لا على الشرطیة و المانعیة حتّی بناء على المجعولیة، كیف؟ و هما مجعولتان بتبع جعل التكلیف و مترتّبتان على ترتبه [أي ترتّب التكلیف] على ذات الشرط و المانع، فكیف یعقل أن یكون التعبّد بهما تعبّداً بما یترتّبان علیه [أي لایمكن أن یكون التعبّد بالشرطیة و المانعیة و استصحابهما إحرازاً تعبّدیاً للتكلیف الذي تترتّب علیه الشرطیة و المانعیة] إذ الشرطیة و المانعیة الظاهریة كالشرطیة و المانعیة الواقعیة تابعتان لجعل التكلیف الظاهري كما هما تابعتان لجعل التكلیف الواقعي.

و أمّا استلزام التعبّد بالشرطیة للتعبد بالمشروطیة، لمكان التضایف، و إن لم‌یكن أحدهما مترتباً على الآخر فلا‌یجدي إلا لإثبات المشروطیة، لا لإثبات ذات المشروط، إذ ما كان بینهما التضایف هما عنوان الشرطیة و عنوان المشروطیة مع أنّ المهم ذات المشروط، و ما یهمّ التعبّد به و هو ذات المشروط لیس مضایفاً لعنوان الشرطیة و لا مضایفاً لذات الشرط فتدبّر جیداً». ([1] )

استصحاب ذات الشرط و المانع

و نتیجة هذا الاستصحاب التعبّد بذات المشروط ثبوتاً و بذات الممنوع نفیاً.

و هنا صورتان فإنّ ترتّب المشروط على الشرط قد یكون ترتباً عقلیاً و شرطیته واقعیة ماهویة من دون إناطة في مرحلة الجعل و قد یكون مع تقیّد خطابي و إناطة في مرحلة الجعل.

أمّا الصورة الأولى فالتزم فیها بعدم جریان الاستصحاب و قال:

«إذا لم‌یكن للتكلیف الشرعي تقیّد خطابي و إناطة في مرحلة الجعل فلا شبهة في أنّ الترتب عقلي، فكما لایجدي استصحاب بقاء المصلحة الواقعیة للتعبد بمقتضاها و هو التكلیف، فكذا استصحاب ما له دخل واقعاً في كون التكلیف ذا مصلحة لایجدي في التعبد بالتكلیف فإنّ الترتب عقلي لا جعلي و إن كان الأثر شرعیاً».([2] )

أمّا الصورة الثانیة فاختار فیها جریان الاستصحاب و قال:

«إذا كان للتكلیف الشرعي تقیّد و إناطة في مرحلة الجعل بالمعنی المتقدّم في بعض الحواشي السابقة([3] ) [و هو أن یكون الإنشاء بداعي البعث في مرحلة الجعل معلّقاً على دلوك الشمس بحیث یكون هذا الإنشاء مصداقاً للبعث فیما إذا اقترن حقیقة بدلوك الشمس] و [بعبارة أخری:] هو دخل المعلّق علیه في خروج الإنشاء من مرحلة القوة إلى الفعلیة، فإنّه لولا هذا التقیّد كان الإنشاء المجرّد بنفسه بعثاً فعلیاً، لا بمعنی جعل ما لیس بدخیل في مصلحته دخیلاً في المصلحة، حتًی یقال بأنّه محال.

فحیث أنّ هذه الإناطة جعلیة و هذا التقید شرعي، فلا بأس حینئذٍ باستصحاب ذات الشرط و التعبّد بالمشروط».([4] )

و المحقّق الإصفهاني هنا یری أنّ ترتّب المشروط على هذا الشرط بحسب الواقع الماهوي و نفس الأمري ترتّب عقلي لا شرعي و لكن إناطة الحكم بالشرط في مقام الإنشاء و الجعل أحدث هنا ترتّباً شرعیاً و لذا أمكن الاستصحاب.

القسم الثاني

فقد تقدّم كلامه في آخر البحث عن القسم الثاني من أنّ الجعل الانتزاعي بالنسبة إلى الجزئیة و الشرطیة و المانعیة لیس من الجعل التشریعي المفید لوجهین:

الأوّل: إنّ الجزئیة الانتزاعیة لیست من لوازم المجعول التشریعي بما هو مجعول تشریعي بل من لوازمه بما هو مجعول تكویني لما عرفت من أنّ كلّ مجعول تشریعي مجعول تكویني.

الثاني: إنّه إذا كان المجعول الانتزاعي مجعولاً بالعرض لایجدي في الوضع و الرفع إلا وضع المجعول بالذات و رفعه فعلى هذا جریان الاستصحاب مشكل لهذین الوجهین.

القسم الثالث

فلا محذور في جریان الاستصحاب لتعلّق الجعل الاستقلالي بالحكم الوضعي في هذا القسم.([5] )


[1] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص145.
[2] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص146.
[3] . نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص124..: «إذا علّق الأمر بالصلاة على دلوك الشمس فإنه تارةً یلاحظ الواقع و یقال .. و أخری یلاحظ مقام الجعل فیقال: إن الإنشاء بداعي البعث حیث أنه علّق على دلوك الشمس فلا‌یكون الإنشاء المزبور مصداقاً للبعث إلا إذا اقترن حقیقة بدلوك الشمس»
[4] . نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص146.
[5] بیان بعض الأساطين حول هذا التفصيل: قال. في المغني في الأصول، ج1، ص323: «نتائج البحث: 1) أن الأحكام على قسمين: تكليفية و وضعية، و الوضعية ثلاثة أقسام: مجعولات بالاستقلال كالملكية و الزوجية، و مجعولات بالتبع كالجزئية في المركبات، و الشرطية في الواجبات، و شرائط التكليف و المكلف به، و غير مجعولات، أي تكوينية و هي أسباب التكليف.2) أن الطهارة و النجاسة على أقسام ثلاثة: أ: واقعیات كشف عنها الشارع كالقذارات المحسوسة.ب: ما یحتمل فيها الأمران، أي كونها أمورة واقعية كشف عنها الشارع، و كونها أمورة مجعولة للشارع كنجاسة الخمر.ج: مجعولات شرعية كالطهارة الظاهرية. 3) أن الصحة و الفساد أمران واقعیان، إلا في موارد اكتفاء الشارع في مقام الامتثال بالفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط، كما في موارد جریان قاعدة الفراغ؛ فإن الصحة فيها جعلية.۴) أن الحجية بمعنى ما يحتجّ به و بمعنى الطريقية مجعولان، و أما بمعنی المنجزية و المعذرية فغير مجعولة.۵) أن العزيمة و الرخصة أمران واقعیان .و بعد ما تبيّن المجعول من غيره نقول: إن الاستصحاب يجري في كل ما هو مجعول شرعي، سواء أ كان بالاستقلال أم بالتبع؛ لشمول أدلّته لها، فإذا شك في بقاء ملكية زيد للدار - بعد أن وقع عقد شك في صحته و فساده - يستصحب بقاؤها، و كذا الحال في الزوجية و الجزئية و الشرطية و المانعية؛ فإن الاستصحاب يجري في الأحكام التكليفية و الوضعية مطلقاً، لثبوت كونها مجعولات شرعية، و الاستصحاب يجري في المجعول الشرعي و ما كان موضوعاً له.ثم إن المشهور بين الفقهاء هو كون المجعولات الشرعية على قسمين: ما فيه حيثية الاقتضاء أو التخيير و هو الحكم التكليفي، و ما ليس فيه هذه الحيثية و هو الحكم الوضعي»