بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ المقام الأول؛ القسم الثالث من النظریة‌ المحقق الخراساني

 

القسم الثالث

إنّ صاحب الكفایة مثّل لذلك بالحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحرّیة و الرقّیة و الزوجیة و الملكیة و قال بأنّ المحتمل في هذه الموارد بالنظر البدوي أمران: الأوّل: انتزاعها من الأحكام التكلیفیة التي تكون في مواردها كما ذهب إلىه الشیخ الأنصاري. و الثاني: جعلها استقلالاً بإنشاء أنفسها و صاحب الكفایة ذهب إلى الثاني([1] ).

استدلال صاحب الكفایة على الجعل الاستقلالي

«إنّه لایكاد یشك في صحّة انتزاعها من مجرّد جعله تعالى أو من بیده الأمر من قبله جلّ و علا لها بإنشائها بحیث یترتّب علیها آثارها، كما یشهد به ضرورة صحّة انتزاع الملكیة و الزوجیة و الطلاق و العتاق بمجرّد العقد أو الإیقاع ممّن بیده الاختیار بلا ملاحظة التكالیف و الآثار». ([2] )

استدلال صاحب الكفایة على عدم الجعل التبعي بوجوه ثلاثة

«[الوجه الأوّل:] لو كانت منتزعة عنها لما كاد یصحّ اعتبارها إلا بملاحظتها [مع أنّه یصحّ اعتبار تلك الموارد من دون ملاحظة التكالیف].

[الوجه الثاني:] و [لو كانت تلك الموارد منتزعة عن التكالیف] للزم أن لایقع ما قصد و وقع ما لم‌یقصد [أي إنّ المقصود هو إنشاء هذه الموارد مثل الملكیة مع أنّ المفروض عدم تحقّقها بدون تحقّق التكلیف فلم‌تقع تحقّق الملكیة، و أیضاً یلزم أن یكون ما هو الواقع نفس التكالیف مع أنّها لم‌یقصد وقوعها بل المقصود تحقّق الملكیة].

[الوجه الثالث:] كما لاینبغي أن یشك في عدم صحّة انتزاعها عن مجرّد التكلیف في موردها، فلا‌ینتزع الملكیة عن إباحة التصرّفات، و لا الزوجیة من جواز الوطي و هكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود و الإیقاعات».([3] )

و توضیح ذلك أنّه قد تكون الملكیة مجعولة مع عدم وجود التكلیف الفعلي الذي ادّعي انتزاع الملكیة عنه، مثلاً قد یقع الهبة بالنسبة إلى الصغیر أو المجنون فتتحقّق ملكیتهما بالفعل مع محجوریتهما عن التصرف.

تحقیق المحقّق الإصفهاني في الملكیة

إنّ المحقّق الإصفهاني ذهب إلى أنّ الحكم التكلیفي لیس عین الملكیة و لا منشأ انتزاعها و لا مصحّح انتزاعها قال:

«أمّا الحكم التكلیفي من إباحة التصرف و نحوها فلیست هي عین الملكیة، لأنّ الملكیة إمّا بمعنی الواجدیة أو الإحاطة أو الاحتواء أو السلطنة، و لیس شيء من هذه المفاهیم عین مفهوم إباحة التصرف و جوازه و نحوهما، مع أنّ القول به كما هو ظاهر الشیخ الأعظم في الرسائل رجوع عن دعوی الانتزاع إلى دعوی العینیة، و العینیة في الوجود بمعنی اتّحادهما هو معنی الانتزاعیة.

و لیس الحكم التكلیفي المزبور منشأ الانتزاع بدعوی أنّ الترخیص في التصرّف هو جعل زمام الشيء بید المكلّف و هو معنی سلطنته علیه و الملكیة هي السلطنة.

وجه فساد الدعوی أنّ الأمر الانتزاعي لایعقل أن یكون منشأ انتزاعه الحكم التكلیفي، لا في الملكیة، و لا في غیرها، لأنّ الأمر الانتزاعي لیس إلا حیثیة القبول القائمة بالمتحیّث، و لازمه صحّة حمل العنوان المأخوذ منه بلحاظ تلك الحیثیة على المتحیّث بها، كعنوان الفوق المحمول على السقف بلحاظ قیام مبدئه - و هو الحیثیة القائمة به قیاماً انتزاعیاً- به على حدّ حمل العناوین على ذوات معنوناتها بلحاظ قیام مبادیها بها قیاماً انضمامیاً بها، و من الواضح أنّ جواز التصرّف الذي فرض أنّه منشأ الانتزاع لایحمل علیه عنوان المالك و المملوك، فیعلم منه أنّ مبدأ العنوانین غیر قائم به بقیام انتزاعي ... .

و كذا لیس الحكم التكلیفي المزبور مصحّح الانتزاع و السبب لمنشئیة ذات المالك و المملوك لانتزاع الملكیة و تحیثّهما بتلك الحیثیة، لعود المحاذیر المزبورة جمیعاً، إذ لو كان ذات المالك و المملوك منشأ للانتزاع بسبب الحكم التكلیفي [أوّلاً:] لكانت الملكیة موجودة في جمیع الأنظار، و [ثانیاً:] لاحتاجت إلى موضوع محقّق، و [ثالثاً:] لحصل في ذات المالك و المملوك حیثیة خارجیة مكتسبة من الحكم التكلیفي، مع أنّه لیس كذلك».([4] )

بمعنی أنّه لو كان ذات المالك و المملوك منشأ لانتزاع الملكیة لكانت الملكیة مقولة عرضیة فتلزم المحاذیر الثلاثة.

فإنّ هذه المحاذیر الثلاثة تلزم فیما إذا قلنا بأنّ الملكیة الشرعیة و العرفیة من المقولات العرضیة الواقعیة، فإنّ المقولات إمّا یكون لها مطابق و صورة في الخارج أو یكون لها منشأ الانتزاع فیه.

و المحقّق الإصفهاني استدلّ على عدم كون الملكیة من المقولات بقسمیها بوجوه ثلاثة:

الأوّل: إنّ المقولات لاتختلف باختلاف الأنظار مع أنّ المعاطاة تفید الملك في نظر العرف دون الشرع.

الثاني: إنّ المقولات التسع العرضیة تحتاج إلى موضوع محقّق في الخارج و الملكیة الشرعیة و العرفیة تتعلّق بالكلّي مالكاً و مملوكاً كمملوكیة الكلّي في الذمّة و مالكیة طبیعي الفقیر و السیّد في الزكاة و الخمس، و لایعقل أن تكون الملكیة بأحد المعنیین بالقوة و تكون فعلیةً بالتطبیق، لأنّ المالكیة و المملوكیة متضایفان، و المتضایفان متكافئان في القوة و الفعلیة فلا‌یعقل فعلیة أحدهما و كون الآخر بالقوة.

الثالث: إنّ المعنی المقولي لابدّ من أن یكون له إمّا مطابق في الأعیان و إمّا منشأ الانتزاع فیها، و عدم المطابق في العین لمعنی الملكیة واضح، إذ لیس حال ذات المالك و ذات المملوك قبل الملكیة و بعدها مختلفاً بل هما على ما هما علیه من الجواهر و الأعراض و عدم كون منشأ الانتزاع لمعنی الملكیة في الأعیان أیضاً واضح لأنّ ما یحتمل كونه منشأ لانتزاعها أمور:

أحدها: الحكم التكلیفي كما ذهب إلیه المشهور و الشیخ الأنصاري.

ثانیها: العقد كما ذهب إلیه صاحب الكفایة في بعض كلماته.

ثالثها: موت المورّث في باب الإرث.

رابعها: الحیازة في باب التملّك بها.

و كلّ هذه الأمور لایمكن أن یكون منشأ لانتزاعها لما تقدّم من أنّ قیام الأمر الانتزاعي بشيء یوجب صدق المشتق منه على منشأه و لكن عنوان المالك و المملوك لایصدق على شيء من هذه الأمور.

 


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص402.. «و أما النحو الثالث فهو كالحجیة و القضاوة و النیابة ... حیث أنها و إن كان من الممكن انتزاعها من الأحكام التكلیفیة التي تكون في مواردها كما قیل و من جعلها بإنشاء أنفسها ...»
[2] . كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص402.
[3] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص402.
[4] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص133.