بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/11/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ المقام الأول؛ الموضع الثاني؛ نظریة صاحب الکفایة

 

بیان المحقّق الإصفهاني

«إنّ الجزئیة و الشرطیة لهما مراتب:

إحداها كون الشيء بحیث یكون بعض ما یفي بالغرض، فإنّه إذا ترتّب غرض واحد على مجموع أمور، فكلّ منها في حدّ ذاته بعض ما یفي بالغرض، و المجموع كلّ ما یفي به و إذا كان فعلیة ترتّب الغرض على ما یفي به منوطة بشيء، فذلك الشيء شرط وفاء ذلك المجموع بالغرض فعلاً لا اقتضاءً.

و هذه الشرطیة كتلك الجزئیة، واقعیة، لا بجعل جاعل و تأثیر مؤثّر، لا تكویناً و لا تشریعاً، بل المجموع مستعدّ باستعداد ماهوي للوفاء بالغرض، بحیث تكون فعلیّته منوطة بما یسمّى شرطاً.

فالجزئیة و الشرطیة ماهوية، فهما غیر قابلتین للجعل، حیث لایتعلّق الجعل بالذات و الذاتیات و لوازمها و ما تنوط به.

و الجعل التكویني العرضي إنّما یكون عند إیجاد الصلاة في الخارج، فإنّه مقام وجود المجموع بأثره، فتكون البعضیة و الكلّیة و الدخالة فعلیة بالعرض.

ثانیتها كون الشيء بعض الملحوظ، فیما إذا تعلّق لحاظ و اعتبار واحد بمجموع أمور فإنّ كلّ واحد من تلك الأمور بعض الملحوظ و كلّها كلّ الملحوظ و قیدها المتقید به المجموع شرط الملحوظ.

و هذا اللحاظ جعلها التكویني الذهني لا دخل له بالجعل التشریعي.

ثالثتها كون الشيء بعض المطلوب بما هو مطلوب، و هو فیما إذا تعلّق طلب واحد بمجموع أمور، فإنّ كلّ واحد من تلك الأمور بعض ما تعلّق به الطلب، و تمامها كلّ ما تعلّق به الطلب و ما لوحظ المجموع مقترناً به قید المطلوب بما هو مطلوب.

و هذه الجزئیة و الشرطیة هي المجعولة انتزاعاً بجعل الطلب، و لا موقع لها بین الصفتین إلا مرحلة تعلّق الطلب، لأنّ الجزئیة في مقام الوفاء بالغرض في حدّ ذاته ماهویة لا جعلیة، و الجزئیة في مقام اللحاظ تكوینیة بالتكوین الذهني، لا تشریعیة، و ما هو تشریعي بتشریعیة البعث و الإیجاب هي الجزئیة للواجب بما هو واجب.

و لكن لایخفی علیك أنّ الإیجاب لیس منشأ انتزاع الجزئیة و الشرطیة ... فالطلب و الإیجاب مصحّح انتزاع الجزئیة من الجزء، لا منشأ انتزاعها بمعنی أنّ الفاتحة مثلاً لیست في حدّ ذاتها بحیث یصحّ أن ینتزع منها البعضیة للمطلوب، و إنّما اكتسبت هذه الحیثیة بتعلّق الأمر بمجموع أمور منها الفاتحة، فهي في هذه الحالة قابلة لانتزاع البعضیة».([1] [2] )

هذا ما أفاده المحقّق الإصفهاني.

فإنّه قد یتوهّم أنّ مجعولیة الجزئیة و الشرطیة و غیرهما هو بتعلّق الجعل الاستقلالي بمنشأ انتزاعها و بعد ذلك تنتزع هذه العناوین بجعل عرضي، مع أنّ الأمر لیس كذلك، مثلاً إنّ سورة الفاتحة لیست مجعولة بجعل استقلالي بحیث یتعلّق الجعل العرضي بجزئیتها للصلاة، بل المجعول هو الأمر الذي تعلّق بالمركّب المشتمل على سورة الفاتحة، فالجعل متعلّق بما هو مصحّح انتزاع الجزئیة و الشرطیة و غیرهما.

و بعبارة أخری: المجعول هو حكم وجوب الصلاة و نتیجة هذا الجعل هو جعل موضوعه مأموراً به و جعل الموضوع مأموراً به جعل تشریعي یترشّح من الموضوع المركّب إلى أجزائه فیكون كلّ جزء من تلك الأجزاء مأموراً به بالجعل الضمني، و ینسب هذا الجعل التشریعي الضمني المتعلّق بالجزء مثل سورة الفاتحة إلى جزئیّتها للمأمور به فيكون عنوان الجزئیة مجعولاً بالعرض و لكن بهذه الوسائط.

مناقشة المحقّق الإصفهاني في نظریة صاحب الكفایة

«إنّ هذا الجعل الانتزاعي لیس من الجعل التشریعي المفید لوجهین:

أحدهما: ما أشرنا إلیه في باب البراءة و هو أنّ الجزئیة الانتزاعیة لیست من لوازم المجعول التشریعي بما هو مجعول تشریعي بل من لوازمه بما هو مجعول تكویني لما عرفت من أنّ كلّ مجعول تشریعي مجعول تكویني، فله حیثیتان، حیثیة التكوینیة و حیثیة التشریعیة.

فكما أنّ تعلّق الطلب بفعل یصحّح انتزاع الطالبیة من المولى و المطلوب منه من المكلّف و المطلوب من الفعل، و الموضوعیة من الفعل و المحمولیة من الحكم إلى غیر ذلك من العناوین الانتزاعیة، و لیس شيء منها من لوازم المجعول التشریعي بما هو تشریعي كذلك الجزئیة و الشرطیة.

و الوجه في ذلك أنّ الأمر بالمجموع و بالخاص و إن كان منبعثاً عن غرض قائم بالمجموع اقتضاءً و بالخاصّ فعلاً و كان لذوات الأجزاء دخل في الأوّل و للقید دخل في الثاني إلا أنّ الجزئیة الانتزاعیة و الشرطیة الانتزاعیة غیر منبعثتین عن غرض تشریعي و لا لهذین العنوانین دخل في الغرض لا اقتضاءً و لا فعلاً، بل یستحیل دخلهما فیما هو الباعث على البعث المصحّح لانتزاعهما من الجزء و الشرط، فلا‌یقاس بالوجوب المحمولي المقدّمي المنبعث عن غرض مقدّمي.

ثانیهما: إنّ المجعول الانتزاعي لو كان مجعولاً تبعیاً بحیث كان بینه و بین منشأه المجعول تشریعاً إثنینیة في الجعل نظراً إلى السببیة و المسببیة بینهما، لكان مجدیاً في ترتّب الآثار المرغوبة من الالتزام بجعله فیصحّ رفعه، و لو لم‌یمكن رفع المنشأ كما في الأقلّ و الأكثر الارتباطیین بناء على عدم الانحلال عقلاً كما تقدّم دعواه من شیخنا العلامة [المحقّق الخراساني] ([3] )و صرّح بهذا المبنی في تعلیقته الأنیقة([4] ).

و أمّا إذا كان المجعول الانتزاعي مجعولاً بالعرض لا بالتبع و كان ما بالذات و ما بالعرض مجعولین بجعل واحد من دون تخلل الجعل بینهما، فلا‌محالة لایجدي في الوضع و الرفع إلا وضع المجعول بالذات و رفعه، و قد أقمنا البرهان غیر مرّة على أنّ ثبوت الموضوع تشریعاً بعین ثبوت حكمه له، لا بثبوت آخر منفصل الهویة عن ثبوت حكمه ... فإنّ البعث الاعتباري المطلق لایوجد، فإنّ طبعه تعلقي كالشوق، فلا‌بدّ من أن یتقوّم بمتعلّقه في مرتبة وجوده في أفق الاعتبار، فثبوت المتعلّق بعین ثبوت البعث الاعتباري.

و علیه فالحكم مطلقاً بالنسبة إلى موضوعه من قبیل عوارض الماهیة و ثبوت المعروض هنا بثبوت العارض، بخلاف عوارض الوجود المتوقّفة على ثبوت المعروض.

و علیه فإذا كان ثبوت المتعلّق بعین ثبوت حكمه و جعله بعین جعله، فما ینتزع من المتعلّق باعتبار هذا النحو من الثبوت أولى بأن لایكون له ثبوت في قبال ثبوت الحكم، و أن یكون جعله بعین جعله فتدبّره فإنه حقیق به». ([5] )


[1] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص127.
[2] بحوث في الأصول، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص49.. «و أما القسم الثاني و هي الجزئیة و الشرطیة للمأمور به فنقول: الجزئیة و الشرطیة لهما مراتب: إحداها: مرتبة الوفاء بالغرض ... ثانیتها: مرتبة لحاظ المولى لمجموع أمور بلحاظ واحد ... ثالثتها: مرتبة تعلّق البعث الواحد بمجموع أمور مقترنة بشيء ...»
[3] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص364.
[4] درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الآخوند الخراساني، ج1، ص253.
[5] . نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص127.