بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ الموضع الثاني؛ نظریة صاحب الکفایة

 

و الأوّل غیر قابل للجعل أصلاً، للزوم الخلف، لفرض عدم المجعول بالذات، لیكون له مجعول بالعرض و الثاني مجعول تكویني أجنبي عمّا نحن فیه، و الكلام في الجعل القائم بالشار

فنقول: كما أنّ الطهارة شرط في حدّ ذاتها للصلاة إمّا بمعنی دخلها في فاعلیة الصلاة لأثرها أو في قابلیة النفس للتأثر بأثرها و هو معنی شرطیتها الواقعیة و لها شرطیة أخری في مقام الطلب، بحیث إذا تعلّق الأمر بالصلاة عن طهارة صحّ انتزاع الشرطیة في مقام الواجب بما هو واجب في قبال كونها مع قطع النظر عن الأمر شرط تأثیر الصلاة واقعاً كذلك إذا علّق الأمر بالصلاة على دلوك الشمس، فإنّه تارة یلاحظ الواقع و یقال: إنّ الدلوك واقعاً شرط تأثیر المصلحة المقتضیة لإیجاب الصلاة، و أخری یلاحظ مقام الجعل فیقال: إنّ الإنشاء بداعي البعث، حیث أنّه علّق على دلوك الشمس فلا‌یكون الإنشاء المزبور مصداقاً للبعث إلا إذا اقترن حقیقة بدلوك الشم.. .

و ممّا ذكرنا تبیّن أنّ ما هو غیر قابل للجعل هي العلّیة، بمعنی دخل الشيء في التأثیر واقعاً، فإنّها كما عرفت واقعیة ماهویة، لا جعلیة، لا تكوینیة، و لا تشریعیة و ما هو قابل للجعل هي الدخالة في اتصاف الإنشاء بكونه بعثاً حقیقیاً، فإنّها مجعولة بتبع جعل منشأ انتزاعه.

و ما ذكرنا هو الملاك في عدم مجعولیة الشرط الواقعي، و في مجعولیة الشرط المرتّب علیه الحكم جعلاً». [1] [2]

هذا ما أفاده المحقّق الإصفهاني.

فعلى هذا یدلّ الجعل التشریعي في مقام الإنشاء على وجوب الصلاة مشروطاً بوجود الدلوك و المشروط هنا وجوب الصلاة و الشرط هو وجود الدلوك، و المشروط و الشرط كلاهما مجعولان بالجعل التشریعي إلا أنّ المشروط موجود بوجود اعتباري و أمّا الدلوك فهو أمر تكویني لكنّه في مقام الإنشاء یلحظ وجوده الفرضي. أمّا شرطیة الدلوك فهو أمر انتزاعي و مجعولیة الأمر الانتزاعي مجعولیة بالعرض.([3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] [12] [13] [14] )

القسم الثاني

بیان صاحب الكفایة ([15] )

قد مثّل له صاحب الكفایة بالجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمكلّف به و حكم علیه بأنّه یقبل الجعل التبعي، و الوجه في ذلك هو أنّه لایتّصف الشيء بجزئیة المأمور به أو شرطیته أو غیرهما إلا بالأمر بالمأمور به بما أنّه مركّب من الأجزاء و بما أنّه مقیّد بأمر وجودي حتّی یكون هذا الأمر الوجودي شرطاً له و بما أنّه مقیّد بأمر عدمي حتّی یتحقّق عدم المانع الذي هو من أجزاء العلّة التامّة فیتّصف الشيء الذي اعتبر عدمه في المأمور به بالمانعیة.

ثم إنّه قد یتوهّم عدم لزوم تعلّق الأمر بالمأمور به لاتّصاف هذه الأمور بالجزئیة و الشرطیة و نحوهما بل یمكن الاكتفاء بأحد أمرین آخرین، الأمر الأوّل هو إنشاء الجزئیة و الشرطیة و نحوهما لهذه الأمور بتوسط الشارع بجعل مستقل و الأمر الثاني هو جعل الماهیات المخترعة الشرعیة فإنّها تجزي عن تعلّق الأمر بالمأمور به، لأنّ جعل الماهیة المركبة یتضمّن جعل الجزئیة لأجزائها.

و أجاب صاحب الكفایة عن هذا التوهّم بأنّ الجزئیة للمأمور به أو الشرطیة له إنّما ینتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به، فإنّ اتّصاف أجزاء المركّب بأجزاء المأمور به و شروطه بشروط المأمور به متفرّع على تعلّق الأمر بالمأمور به، لأنّ الكلام لیس في جزئیة شيء للمركّب بما هو مركّب بل الكلام في جزئیته للمركب بما أنّه مأمور به.

و المتحصّل أنّ الجزئیة و الشرطیة و نحوهما للمأمور به مجعولة بتبع جعل الحكم التكلیفي.


[1] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص124.
[2] بحوث في الأصول، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص47.. «و أما البرهان الثاني فتوضیح الجواب عنه یتوقف على مقدمة و هي أن السبب الفاعلي لكلّ حكم أو اعتبار هو الحاكم و المعتبر فلا شأن للدلوك و شبهه إلا الشرطیة و الشرطیة تارة ماهویة واقعیة ...»
[3] ذهب الشیخ الأنصاري. إلى أنّ جمیع الأحكام الوضعیة - التي منها السببیة- منتزعة عن الأحكام التكلیفیة.و ذهب إلى أن السببیة منتزعة عن الحكم التكلیفي في نحو سببیة دلوك الشمس لوجوب الصلاة كثیر من الأعلام:
[4] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص384. «أما السببية فالتحقيق أنّها منتزعة عن الحكم التكليفي أو الوضعي المستقل في الجعل أيضاً أو أنها غير قابلة للجعل أصلاً. بيان ذلك أن السببية قد تلاحظ بالنسبة إلى المجعول التشريعي أعني به الحكم المجعول على موضوعه المقدر وجوده سواء كان تكليفياً أو وضعياً ... و قد تلاحظ بالنسبة إلى نفس الجعل فإن جعل الوجوب أو الملكية على شي‌ء مسبب عن سبب لا‌محالة فيتكلم في أن سببية ذلك السبب للجعل هل هي مجعولة أم لا؟ أما السببية بالقياس إلى الحكم المجعول فهي بمعناها الحقيقي مستحيلة ... و حيث أنه خفي ذلك على المحقق صاحب الكفاية. فتخيّل أن إطلاق السبب على الدلوك بمعناه الحقيقي التزم بكون السببية له غير قابلة للجعل التشريعي لا استقلالاً و لا تبعاً و أنت بعد ما أحطت خبراً بما ذكرناه تعرف أن السببية للدلوك مثلاً تكون منتزعة من جعل الحكم على تقدير الدلوك لا‌محالة هذا كله في السببية بالقياس إلى الحكم المجعول، و أما السببية بالقياس إلى جعل الحكم على موضوعه المقدر وجوده فهي غير قابلة للجعل أصلاً و ليست من الأحكام الوضعية ... فتحصّل مما ذكرناه أن السببية كالشرطية في أنهما إذا قيستا إلى الحكم المجعول فهما من الأمور الانتزاعية من التكليف أو الوضع و إذا قيستا إلى نفس الجعل فهما من الأمور الواقعية اللازمة لذات ما هو سبب أو شرط»
[5] الأصول في علم الأصول، الإيرواني، الشيخ علي، ج2، ص383.. «إن الأحكام الوضعية كلها منتزعة عن التكليف، و هو الإرادة القائمة بنفس المولى لا‌يتصور للجعل فيها و في التكليف معنى فالكل يشترك في عدم المجعولية، و تمتاز الأحكام التكليفية بأنها أمور واقعية و إرادات نفس أمرية قائمة بنفس المولى، و تمتاز الأحكام الوضعية بالانتزاع من تلك الإرادات حسب الخصوصيات التي هي عليها ...»
[6] المحجة في تقريرات الحجة، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج2، ص371.. «یقع الكلام بعد وضوح كون الأحكام الوضعية محمولات تعرض للموضوعات باعتبار الشرع .. في أنه هل هذه الأحكام المتقدمة السببية و أخواتها مجعولات، أو منتزعات؟ فنقول: أولاً ما يحتمل في الباب [و هي أربعة] ثم بعد ذلك نقول ما هو حقّ في المقام. الاحتمال الأول: و هو الذي يظهر من ذيل كلام المحقق الخراساني رحمه الله في المقام أيضاً هو أن السبب ليس سبباً حقيقة ... بل من باب الاتفاق صار مقارناً مع الوجوب، و إلا ليس له دخل في الوجوب، و إطلاق السبب عليه يكون لأجل مقارنته مع الوجوب، و إلا فهو ليس سبباً حقيقياً.»و ص374: «الحقّ هو الاحتمال الأول.»
[7] حقائق الأصول، الحكيم، السيد محسن، ج2، ص435. «التحقيق إن اعتبار السببية و الشرطية و المانعية و الرافعية ملازم لاعتبار ما يقابلها من المسببية و المشروطية و الممنوعية و المرفوعية، و منشأ اعتبار الجميع هو ترتّب وجود المسبب و المشروط على وجود ذات السبب و الشرط و عدمهما على وجود ذات المانع و الرافع كاعتبار الفاعلية و المفعولية و الموجبية و القابلية ... أما نفس اعتبار السببية و المسببية فهي منتزعة في الرتبة اللاحقة لملاحظة المسبب و السبب ثم لم‌يوضح المصنف). وجه الفرق بين السببية للأمر و الجزئية للمأمور به ... و إذا التزم بان الثانية منتزعة عن الأمر فليلتزم بأنّ الأولى كذلك فتأمل جيداً.»
[8] نتائج الأفكار في الأصول، ج‌6، ص120: «الحقّ أن السببية غير قابلة للجعل أصلاً، و إنما هي منتزعة عن الحكم المترتب على الموضوع، فالمجعول في عقد البيع تأسيساً أو إمضاء هو الملكية، و أما سببية العقد للملكية و الفقر لملكية الصدقات و الاستطاعة لوجوب الحج، فهي منتزعة عن الحكم ... فتلخّص من جميع ما ذكرنا عدم إمكان جعل السببية لموضوعات الأحكام تكليفية كانت أم وضعية، بل هي كما عرفت منتزعة عن الحكم المترتب عليها، و أما السببية بمعنى الخصوصية التكوينية التي يكون وجودها العلمي دخيلاً فهي أمر تكويني و هي ملاك الجعل و التشريع و أجنبية عن موضوع الحكم الذي هو محلّ الكلام».
[9] منتهى الأصول، روحاني، محمد حسین، ج2، ص400.. «هذا ما ذكره صاحب الكفاية بتوضيح و بيان منّا، و فيه: أن ما ذكره صحيح في باب العلل التكوينية، و أما في الشرعيات فليس ترتب الحكم على موضوعه من قبيل ترتب المعلول على علّته التكوينية ... فظهر من جميع ما ذكرنا أن الجزئية و الشرطية و المانعية و السببية مطلقاً سواء كان للتكليف أو للوضع أو للمكلف به من الأحكام الوضعية المجعولة بالتبع و هذا هو القسم الأول من الأحكام الوضعية أي المجعولات بالتبع»
[10] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج48، ص96. «كلّ ما اعتبر وجوده في الموضوع فهو شرط للتكليف، كالاستطاعة لوجوب الحج، و كل ما اعتبر عدمه في الموضوع فهو مانع عن التكليف كالحيض، فالشرطية و المانعية بالنسبة إلى التكليف منتزعة من جعل المولى التكليف مقيداً بوجود شي‌ء في الموضوع أو عدمه، فتكون الشرطية و السببية و المانعية مجعولة بتبع التكليف فظهر أن ما ذكره صاحب الكفاية.- من عدم كون الشرطية و المانعية و السببية بالنسبة إلى التكليف قابلة للجعل أصلاً، لا بالاستقلال و لا بالتبع- خلط بين الجعل و المجعول، فإن ما ذكره صحيح بالنسبة إلى أسباب الجعل و شروطها من المصالح و المفاسد و الإرادة و الكراهة و الميل و الشوق ... و هي خارجة عن محلّ الكلام، فإن الكلام في الشرطية و السببية و المانعية بالنسبة إلى المجعول و هو التكليف، و قد ذكرنا أنها مجعولة بتبع التكليف، فكلّ ما اعتبر وجوده في الموضوع، فتنتزع منه السببية و الشرطية، و كل ما اعتبر عدمه فيه فتنتزع منه المانعية»
[11] و في قبال هؤلاء ذهب بعض الأعلام إلى إمكان جعل السببیة استقلالاً:نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص94..: «و أما الشرطية و السببية و المانعية للحكم فلا شبهة في أنّها من الأمور الاعتبارية، و إنما الكلام في منشأ اعتبارها في أنه هل هو الجعل المتعلق بها بحيث كانت من الاعتبارات المجعولة أصالةً أو تبعاً، أو أنه هو التكليف المترتب على موضوعاتها، أو لا هذا و لا ذلك بل هي خصوصية تكوينية في ذات السبب تقتضي الرشح و إفاضة الوجود، فيه وجوه و أقوال، و التحقيق أن يقال: إن السببية للشي‌ء إنما ينتزع من إناطة الشي‌ء بالشي‌ء و ترتبه عليه فإن كان الشي‌ء المنوط من الأمور الخارجية كالإحراق بالنسبة إلى النار فالسببية تكون حقيقية ... و إن كان المنوط من الاعتبارات الجعلية كالملكية و الوجوب بناء على جعليته كانت الإناطة و السببية أيضاً تبعاً لاعتبارية المنوط اعتبارية و مجعولة بتبع جعله، لا أنها واقعية، و لا منتزعة من التكليف ... و حيث أن محطّ البحث في المقام في موضوع السببية هي الأمور المأخوذة في تلو أداة الشرط في القضايا الشرعية المشروطة في نحو قوله: «من حاز ملك» لا المعنى الأول بمعنى المؤثرية و المتأثرية الخارجية، فلا‌محالة تكون السببية مجعولة بعين جعل الملكية و الوجوب معلّقاً على الحيازة و الدلوك لا بجعل آخر مغاير، و معه لا مجال لدعوى انتزاعيتها من التكليف بل و لا التكليف عنها، كما لا مجال لدعوى كونها واقعية بمقتضى الخصوصية الذاتية التكوينية ... نعم كما يمكن أن يكون مورد الجعل بدواً هو الوجوب و تكون الإناطة و الملازمة ملحوظة في مقام الجعل تبعاً للوجوب، كذلك يمكن أن يكون مورد الجعل بدواً نفس السببية و الملازمة بلحاظها معنى إسمياً على نحو يكون النظر إليها في مقام الجعل استقلالياً و إلى الوجوب تبعياً، و بهذين الاعتبارين تكون السببية قابلة للجعل التبعي و الاستقلالي، و يفرق بين كون القضية بلسان جعل الوجوب المنوط بالدلوك، و بين كونها بلسان جعل الملازمة بين الدلوك و الوجوب ... هذا بناء على انتزاع السببية عن الإناطة و الترتب بين الشيئين، و أما بناء على انتزاعها عما تقوم به الإناطة، لا من نفس الإناطة ففيها التفصيل المتقدم من كونها في المجعولية و عدمها تابع مجعولية المسبب و عدمه ...»
[12] المحاضرات - تقريرات، الطاهري الاصفهاني، السيد جلال الدين، ج3، ص50.. «بقي الكلام في مثل السببية و الشرطية لنفس التكاليف و التحقيق إمكان تعلّق الجعل بها أيضاً استقلالاً ... إذا عرفت ذلك نقول: بعد ما كان نفس التكليف المنشأ أمراً اعتبارياً لم لا‌يصح اعتبار أمر آخر سبباً له، فكما كان هو اعتباراً محضاً كان سببية السبب له أيضاً كذلك، و لعلّ ما أوجب الاشتباه في المقام توهّم أن مورد البحث هو السببية الحقيقة للتكاليف الحقيقية غفلة عن أنّ مثل هذه التكاليف مما لا‌يصل إليه الجعل التشريعى بنفسها فضلاً عن سببية أسبابها»
[13] عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، الفيروز آبادي، السيد مرتضى، ج5، ص109.. «قد عرفت منّا و ستعرف أيضاً أن هذا النحو من الوضع هو مما يتطرّق إليه الجعل التشريعي بكلا قسميه من الاستقلالي و التبعي جميعاً»
[14] الرسائل، لبعض الأعاظم، ج‌1، ص117: «و من موارد الخلط بين التكوين و التشريع ما يقال أنّ السببية مما لا‌تقبل الجعل لا تكويناً و لا تشريعاً، لا أصالةً و لا تبعاً، بل الذي يقبله هو ذات السبب و وجوده العيني، و أما السببية فهي من لوازم ذاته كزوجية الأربعة ... هذا ما ذكره بعض أعاظم العصر رحمه الله في وجه عدم إمكان جعل السببية و فيه مضافاً إلى خلطه بين لوازم الماهية و لوازم الوجود ... أنه خلط بين الأسباب التكوينية و الأسباب التشريعية ... فالسببية من المجعولات التشريعية. نعم للشارع و المقنن أن يجعل المسببات عقيب الأسباب، و أن يجعل نفس سببية الأسباب للمسببات، و الثاني أقرب بالاعتبار في المجعولات القانونية فتدبر».
[15] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص401.. «و أما النحو الثاني فهو كالجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة لما هو جزء المكلف به و شرطه و مانعه و قاطعه حیث أن اتصاف شيء بجزئیة المأمور به أو شرطیته أو غیرهما لایكاد یكون إلا بالأمر بجملة أمور مقیدة بأمر وجودي أو عدمي ...»