بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ المقام الأول؛ الموضع الثاني؛ نظریة المحقق الخراساني

 

المطلب الثالث: نفي الجعل الاستقلالي

قال صاحب الكفایة بعد تبیین وجود خصوصیة ذاتیة في الشيء حتّی یكون الشيء بها مؤثراً في المعلول:

«و تلك الخصوصیة لایكاد یوجد فیها بمجرد إنشاء مفاهیم العناوین، و بمثل قول: دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة إنشاءً لا إخباراً ضرورة بقاء الدلوك على ما هو علیه قبل إنشاء السببیة له، من كونه واجداً لخصوصیةٍ مقتضیةٍ لوجوبها أو فاقداً لها، و إنّ الصلاة لاتكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم‌یكن هناك ما یدعو إلى وجوبها و معه تكون واجبة لامحالة و إن لم‌ینشأ السببیة للدلوك أصلاً».([1] )

و المحقّق الإصفهاني قرّر هذا البرهان بأنّ «الشيء إذا كان ذا ربط به یؤثر في شيء، فهو علّة قبل جعله علّة، و إن لم‌یكن فیه ذاك الربط فلا‌یصلح للعلّیة، فلا معنی لجعل ما لیس بعلّة علّة».([2] )

مناقشة المحقّق الإصفهاني[3] في المطلب الثالث

إنّ المحقّق الإصفهاني التزم بجعلیة الشرطیة في مقام الإنشاء و الطلب و إن لم‌تكن الشرطیة بما هي واقعیة ماهویة لا جعل لها أصلاً، لا استقلالاً، و لا تبعاً و لا عرضاً، و قد أفاد لتبیین ذلك مقدّمة نافعة ثم أشار إلى نظریته في المقام:

«[أمّا المقدمة فهي] إنّ السبب الفاعلي للحكم التكلیفي و للاعتبار الوضعي هو شخص الحاكم و المعتبر و ما یسمّی سبباً كدلوك الشمس و نحوه، شرط حقیقة أو معدّ دِقّةً، فلا معنی لجعل السببیة الحقیقیة في نفسها، فاللازم إخراجها عن محلّ البحث.

و أمّا الشرطیة، فحیث أنّها انتزاعیة، إذ الموجود في الخارج ذات الشرط و ذات المشروط، كما في سائر موارد العلّة و المعلول، فهي في حدّ ذاتها غیر قابلة للجعل الاستقلالي سواء كان الجعل تكوینیاً أو تشریعیاً، فیتمحّض الكلام في جعلها على حسب وجودها الانتزاعي.

فنقول: الشرط إمّا مصحّح لفاعلیة الفاعل أو متمّم لقابلیة القابل.

فتارة یلاحظ كون النار بحیث لاتحرق إلا مع وضعها و محاذاتها لشيء، و مع خلوّ المحلّ عن الرطوبة، و لو لم‌یكن في العالم نار و لا إحراق و لا شرائط التأثیر و التأثر و هنا لا مجعول بالذات أصلاً لیكون هناك مجعول بالعرض، بل طبیعة النار مستعدة باستعداد ماهوي للإحراق إذا كانت مقترنة بكذا.

و نظیره كون الصلاة بحیث لاتؤثّر أثرها، إلا إذا اقترنت بالطهارة مثلاً، فإنّه أمرٌ محفوظ سواء كان هناك جعل تكویني أو جعل تشریعي أو لا، بل قد مرّ مراراً أنّ الذات و الذاتیات و لوازمها غیر قابلة للجعل بوجه.

و أخری تكون النار موجودة في الخارج مقترنة بالوضع و المحاذاة مع اقتران المحلّ بالیبوسة مثلاً فذات المشروط و ذات الشرط موجودتان بالذات و عنوان الشرطیة و المشروطیة موجودان بالعرض.

و نظیره ما إذا وجدت الصلاة في الخارج مقترنة بالطهارة، فذات الشرط و المشروط موجودتان بالذات، و عنوانهما بالعرض، و جاعلهما المصلّي، و الجعل تكویني ذاتي في المعنون و عرضي في العنوان.

إذا عرفت ذلك، تعرف أنّ ما هو واقعي ماهوي ماذا؟ و ما هو تكویني ماذا؟ و الأوّل غیر قابل للجعل أصلاً، للزوم الخلف، لفرض عدم المجعول بالذات، لیكون له مجعول بالعرض و الثاني مجعول تكویني أجنبي عمّا نحن فیه، و الكلام في الجعل القائم بالشار

 


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص401.
[2] بحوث في الأصول، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص47.
[3] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص123.