45/11/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ الموضع الثاني؛ نظریة الشیخ الأنصاري
إیراد المحقّق النائیني على نظریة الشیخ الأنصاري
أوّلاً: «إنّ منها [أي من الأمور الوضعیة] ما یقبل تعلّق الجعل و الاعتبار بنفسه كالملكیة و الزوجیة و نحوهما، فكما أنّ الوجوب و الحرمة أمران جعلیان یوجدان بجعل الشارع، فكذلك الملكیة و الزوجیة و نحوهما».([1] )
ثانیاً: «ما هو المنشأ لانتزاع بعض الوضعیات كالطهارة و النجاسة و لزوم العقد و الحجیة و نحو ذلك؟ فإنّه لیس في هذه الموارد حكم تكلیفي قابل لأن یكون منشأ لانتزاعها إذ ما من حكم تكلیفي إلا و یشترك فیه مورد آخر.
فأيّ حكم تكلیفي یمكن انتزاع لزوم العقد منه؟ فإنّ حرمة التصرّف في ما انتقل عنه یشترك فیها الغصب أیضاً، فلایمكن أن تكون حرمة التصرّف في ما انتقل عنه منشأ لانتزاع لزوم العقد، إلّا بأن یقیّد عدم جواز التصرّف بما بعد الفسخ.
و بالجملة لیس من الأحكام الوضعیة ما یختصّ بحكم تكلیفي لایشاركه غیره فیه، فكیف یكون منشأ لانتزاعه بخصوصه؟».([2] )
ثالثاً: «إنّ تصوّر حكم تكلیفي یصلح لانتزاع بعض الأحكام الوضعیة منه كالحجّیة و الطریقیة ربّما یلحق بالمستحیل، فإنّ كلّ حكم تكلیفي لامحالة یكون ساقطاً في فرض العصیان مع أنّ الحجّیة لاتكاد تسقط به».([3] )
نظریة صاحب الكفایة: التفصیل بین أقسام ثلاثة
قال: التحقیق أنّ ما عُدّ من الوضع على أنحاء:
منها: ما لایكاد یتطرّق إلیه الجعل تشریعاً أصلاً، لا استقلالاً و لا تبعاً، و إن كان مجعولاً تكویناً عرضاً بعین جعل موضوعه كذلك [و مثاله السببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتكلیف].
و منها: ما لایكاد یتطرّق إلیه الجعل التشریعي إلا تبعاً للتكلیف [و مثاله الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمكلّف به].
و منها: ما یمكن فیه الجعل استقلالاً بإنشائه و تبعاً للتكلیف بكونه منشأ لانتزاعه و إن كان الصحیح انتزاعه من إنشائه و جعله [أي بجعل استقلالي] و كون التكلیف من آثاره و أحكامه [و مثاله الحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملكیة] .([4] )
فلابدّ من البحث حول التفصیل المذكور ولنبحث عن كلّ قسم من هذه الأقسام الثلاثة:
القسم الأوّل
قد مثّل له صاحب الكفایة بالسببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتكلیف و حكم علیه بعدم الجعل التشریعي لا استقلالاً و لا تبعاً، بل التزم فیه بكونه مجعولاً تكویناً عرضاً بعین جعل موضوعه كذلك.
و ما أفاده یتخلّص في ثلاثة مطالب:
المطلب الأوّل: منشأ انتزاع السببیة و نحوها خصوصیة ذاتیة
قال: «كما أنّ اتصافها بها [أي بالسببیة و غیرها] لیس إلا لأجل ما علیها من الخصوصیة المستدعیة لذلك تكویناً [و هي الخصوصیة الذاتیة في نفس ذات الشيء] للزوم أن یكون في العلّة بأجزائها من ربط خاصّ، به كانت مؤثرة في معلولها لا في غیره [أي في غیر معلولها] و لا غیرها فیه [أي و لا غیر العلّة في هذا المعلول لما تقدّم من أنّ علّیة شيء لشيء ترجع إلى ربط خاص بینهما] و إلا لزم أن یكون كلّ شيء مؤثراً في كلّ شيء».([5] )
المطلب الثاني: نفي الجعل التشریعي التبعي بالنسبة إلی السببیة و نحوها
قال صاحب الكفایة: «إنّه لایكاد یعقل انتزاع هذه العناوین لها من التكلیف المتأخر عنها ذاتاً».([6] )
و قال المحقّق الإصفهاني في تقریب هذا البرهان:
«إنّ فرض مسببیة التكلیف أو مشروطیته عن الدلوك [في قوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ ([7] )] فرض تأخره عنه بالذات، و فرض منشئیة التكلیف لانتزاع السببیة للدلوك فرض تقدّمه بالذات لتبعیة الأمر الانتزاعي لمنشأه فیلزم تقدّم المتأخر بالذات و تأخر المتقدّم بالذات». ([8] )
و بعبارة أخری: إنّ السببیة مثلاً إن كان جعلها تبعیاً فتكون انتزاعیة و الأمر الانتزاعي متأخّر عن منشأ الانتزاع، فتكون السببیة متأخّرة عن التكلیف مع أنّ سببیة شيء للتكلیف تقتضي تقدّمه علیه، لأنّ السبب من أجزاء العلّة التامة.
مناقشة المحقّق الإصفهاني في المطلب الثاني
إنّ المحقّق الإصفهاني ناقش في برهان صاحب الكفایة على نفي الجعل التبعي و قال:
«إنّ التقدّم و التأخّر یلاحظان بالإضافة إلى ذات العلّة و المعلول، فلا منافاة بین تأخر التكلیف بذاته عن ذات الدلوك و تقدّمه بذاته على وصف یعرض الدلوك، و هو عنوان السببیة المتأخر عن الدلوك تأخر كلّ وصف عن موصوفه و عارض عن معروضه». ([9] [10] )