45/11/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ المقام الأول؛ الموضع الأول؛ النظریة المحقق الخوئي
نظریة المحقّق الخوئي
«الحكم الشرعي من سنخ الفعل الاختیاري الصادر من الشارع و لیس هو عبارة عن الإرادة و الكراهة، أو الرضا و الغضب، فإنّها من مبادي الأحكام، تعرض للنفس بغیر اختیار، و لیست من سنخ الأفعال الاختیاریة.
فالحكم عبارة عن اعتبار نفساني من المولى، و بالإنشاء یبرز هذا الاعتبار النفساني لا أنّه یوجد به كما مرّ.
فهذا الاعتبار النفساني تارةً یكون بنحو الثبوت و أنّ المولى یثبت شیئاً في ذمة العبد و یجعله دیناً علیه، كما ورد في بعض الروایات: «إنّ دین الله أحقّ أن یقضى»([1] [2] ) فیعبّر عنه بالوجوب، لكون الوجوب بمعنی الثبوت.
و أخری یكون بنحو الحرمان، و أنّ المولى یحرم العبد عن شيء و یسدّ علیه سبیله كما یقال في بعض المقامات: إنّ الله تعالى لمیجعل لنا سبیلاً إلى الشيء الفلاني فیعبّر عنه بالحرمة، فإنّ الحرمة هو الحرمان عن الشيء، كما ورد: أنّ الجنة محرمة على آكل الربا([3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] ) مثلاً، فإنّ المراد منه المحرومیة عن الجنة، لا الحرمة التكلیفیة.
و ثالثة یكون بنحو الترخیص و هو الإباحة بالمعنی الأعمّ، فإنّه تارة یكون الفعل راجحاً على الترك، و أخری بالعكس و ثالثة لا رجحان لأحدهما على الآخر و هذا الثالث هو الإباحة بالمعنی الأخصّ.
فهذه هي الأحكام التكلیفیة و العبارة الجامعة أنّ الأحكام التكلیفیة عبارة عن الاعتبار الصادر من المولى من حیث الاقتضاء و التخییر».([12] )
مناقشة في نظریة المحقّق الخوئي: من بعض الأساطین
إنّ ذلك إنّما یصحّ إذا كان المبرز لتلك الأحكام قضیة «یجب علیك» أو قضیة «یحرم علیك» فإنّ مادة یجب علیك هو اعتبار الثبوت، و مادة یحرم علیك هو اعتبار الحرمان.
و أمّا إذا كان المبرز هو صیغة الأمر أو النهي فلانسلّم ذلك لأنّ مفاد الصیغة حینئذٍ هو البعث المولوي أو الزجر المولوي، كما أنّ مفاد المادة أیضاً هو مثل الصلاة و الصوم لا الوجوب و الحرمة.
فلابدّ من التفصیل في المقام بحسب ما هو المبرز.([13] )
الجواب عن هذه المناقشة
إنّ خصوصیة المبرز من حیث كونه جملة خبریة أو إنشائیة أو فقل من حیث كونه مادّة الأمر أو النهي أو صیغتهما، لایوجب تفاوتاً في الحكم الاعتباري المبرَز، فإنّ الكلام هنا في حقیقة الحكم الاعتباري من دون لحاظ إبرازه، و مفاد القضیة المبرِزة لایوجب اختلافاً أو تفصیلاً في حقیقة الحكم، فإنّ الإبراز قد یكون بالجملة الخبریة و أخری بالإنشائیة بل قد یكون بغیر الجملة الخبریة و الإنشائیة كما قد ورد أنّ رسول الله قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»([14] [15] [16] [17] [18] )، فإنّ فعل المعصوم و تقریره حجّة و مبرز للأحكام، فإنّ كلّ هذه الأمور المبرزة تدلّ على وجود الحكم المجعول الشرعي في وعاء الاعتبار.
ثمّ إنّ الحكم الشرعي و إن كان اعتباریاً بمعنی أنّه مجعول تشریعي في وعاء عالم الاعتبار إلا أنّ ذلك لاینافي كونه ذا حقیقة في عالم الاعتبار، بل كونه موجوداً في عالم اللوح المحفوظ من حیث تعلّق العلم به لذا قال المحقّق النائیني:
«إنّ الأحكام المجعولة في الشریعة إنّما هي مجعولة على طبق الإرادة التشریعیة في عالم الظاهر و لها مرتبة عُلیا في مرتبة اللوح المحفوظ»([19] ).
و قال أیضاً: «إنّ الموجود إمّا أن یكون موجوداً في العین أو في عالم الاعتبار، و على كلّ منهما فإمّا أن یكون من الموجودات المتأصّلة أو الانتزاعیة، فتكون الأقسام أربعة:
الأوّل: الموجود المتأصّل في العین كالجواهر و الأعراض القائمة بها ... .
الثاني: الموجود الانتزاعي في العین ... كالفوقیة و التحتیة و القبلیة و البعدیة ... .
الثالث: الموجود المتأصّل في عالم الاعتبار، كالوجوب و الحرمة و الملكیة و الزوجیة و غیرها من الأمور الاعتباریة.
و الفرق بینه و بین القسم الثاني أنّ هذا القسم موجود بنفسه و بإزائه شيء یقال علیه حقیقة. غایة الأمر أنّ وعاء وجوده هو عالم الاعتبار دون الخارج و هذا بخلاف القسم الثاني، فإنّ وعاء وجوده هو الخارج دون الاعتبار إلا أنّ وجوده بنحو الانتزاع دون التأصّل، فكم فرق بین كون الشيء موجوداً متأصّلاً في عالم الاعتبار و كونه موجوداً في الخارج غیر متأصّل.
الرابع: الموجود الانتزاعي في عالم الاعتبار، كالسببیة للملكیة و نحوها، فإنّ ما له وجود متأصّل في عالم الاعتبار إنّما هو نفس الملكیة، و أمّا سببیة شيء لها فلا وجود لها بنفسها إلا بنحو الانتزاع، كالعلّیة المنتزعة من الموجودات الخارجیة.
فتحصّل أنّ الأحكام الشرعیة من قبیل الموجودات الاعتباریة المتأصّلة أو الانتزاعیة» ([20] ).
هذا ما أفاده المحقّق النائیني.
الموضع الثاني: حقیقة الحكم الوضعي
قد وقع النزاع بین الأعلام في أنّ الحكم الوضعي مجعول بالاستقلال أو هو مجعول بالتبع أو إنّه غیر مجعول، بل هو أمر انتزاعي؟ و الأمر الانتزاعي قد منتزعاً من الأمور الخارجیة و قد منتزعاً من الأمور الاعتباریة، كما أنّ الأمر الانتزاعي قد یكون نفسه من الأمور الخارجیة و المقولات الحقیقیة و قد یكون من الأمور الاعتباریة.([21] )
نظریة الشيخ الأنصاري: انتزاع الوضعیات من الأحكام التكلیفیة
إنّ الشیخ الأنصاري التزم بأنّ الوضعیات منتزعة من الأحكام التكلیفیة في مواردها بل نسب ذلك إلى المشهور فقال:
المشهور كما في شرح الزبدة، بل الذي استقرّ علیه رأي المحقّقین، كما في شرح الوافیة للسیّد صدر الدین ، أنّ الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي و أنّ كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء فمعنی قولنا: «إتلاف الصبيّ سبب لضمانه» أنّه یجب علیه غرامة المثل أو القیمة إذا اجتمع فیه شرائط التكلیف من البلوغ و العقل و الیسار و غیرها، فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسِر بقوله: «إِغْرَم ما أتْلفتَهُ في حالِ صِغَرك» أُنْتُزِعَ من هذا الخطاب معنیً یعبّر عنه بسببیة الإتلاف للضمان، و یقال: «إنّه ضامن» بمعنی أنّه یجب علیه الغرامة عند اجتماع شرائط التكلیف و لمیدّع أحدٌ إرجاع الحكم الوضعي إلى التكلیف الفعلي المنجّز حال استناد الحكم الوضعي إلى الشخص، حتّی یدفع ذلك بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافین من أنّه قد یتحقّق الحكم الوضعي في مورد غیر قابل للحكم التكلیفي كالصبي و النائم و شبههما.
و كذا الكلام في غیر السبب فإنّ شرطیة الطهارة للصلاة لیست مجعولة بجعل مغایر لإنشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة و كذا مانعیة النجاسة لیست إلا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس و كذا الجزئیة منتزعة من الأمر بالمركب. ([22] [23] )