بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/11/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ المقام الأول؛نظریة المحقق العراقي

 

نعم لا بأس بدعوی الجعل فیها بمعنی التكوین و الإیجاد و لو بلحاظ إیجاد المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة، فإنّها بهذه الجهة تكون تابعة لما بید الشارع وضعه و رفعه، و هو الطلب و الأمر الذي هو عین إنشائه الاختیاري بالقول أو الفعل، فیكون الغرض من جعلیتها حینئذٍ مجرّد احتیاجها في مقام انتزاع مفاهیمها إلى الإنشاء المبرز للإرادة لا الجعلیة بالمعنی المتقوّم بالقصد و الإنشاء من القول أو الفعل الجاري في الأحكام الوضعیة».([1] )

یلاحظ علیها

أوّلاً: إنّ الأمر الانتزاعي یتعلّق به الجعل بالعرض لا بالتبع كما سیجيء إن شاء الله تعالى، و جعله هو بعین جعل منشأ انتزاعه بخلاف الجعل التبعي الذي یتعلّق بالأعراض المتأصّلة التابعة لجواهرها، فإنّ جعل تلك الأعراض جعل تبعي للجعل الذي یتعلّق بموضوعاتها ففي الجواهر و الأعراض جعلان و مجعولان، بخلاف الأمور الاعتباریة الانتزاعیة، فإنّ فیها جعلاً واحداً ینسب إلى منشأ الانتزاع استقلالاً و إلى الأمر الاعتباري الانتزاعي بالعرض.

فالبعث و الإیجاب و اللزوم بناءً على كونها أموراً انتزاعیة تكون مجعولة بالعرض.

ثانیاً: إنّ الدین مجموعة من الاعتقادات العقلیة و الأفعال و الصفات القلبیة و الأعمال الجوارحیة، و الأحكام الشرعیة التي تتعلّق بها و هذه الأحكام وصلت إلى المكلّفین تدریجاً و قد ورد أنّ بعضها القلیل لم‌یبلغ إلى المكلّفین و یبقی على ذلك الخفاء حتّی یظهر الله ولیّه و حجّته الغائب بقیة الله في الأرضین صلوات الله علیه و على آبائه و أرواحنا فداه.

و المستفاد من الأدلّة الشرعیة و الروایات وجود تلك الأحكام قبل إبرازها و إیصالها إلى المكلّفین كما قال مولانا أمیر‌المؤمنین في وصف خاتم النبیین: «أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ وَ قَمَعَ‌ بِهِ‌ الْبِدَعَ‌ الْمَدْخُولَةَ وَ بَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ»(1).

مع أنّ البعث الانتزاعي من الإنشاء الذي هو مركّب من كیف مسموع و كیف نفساني متأخر عن إبراز الحكم، فلا‌بدّ أن یكون الحكم موجوداً في وعائه قبل الإنشاء الإبرازي المذكور حتّی یكون الإنشاء المركب من الكیف المسموع و الكیف النفساني مبرزاً له، و وعاء هذا الحكم المبرز هو عالم الاعتبار.

فما أفاده من أن الإنشاء مبرز للإرادة مخدوش، بل الإنشاء الخارجي للحكم الاعتباري فهنا إنشاءان: الإنشاء الأوّل هو إیجاد الحكم الاعتباري في وعاء الاعتبار، و الإنشاء الثاني هو إبراز الحكم الاعتباري، و الإنشاء الأوّل اعتباري و الإنشاء الثاني خارجي.

ثالثاً: إنّ الحكم قد یبرز بغیر الإنشاء مثل تقریر الإمام، فحینئذٍ لا منشأ لانتزاع البعث و نتیجة ذلك عدم البعث الانتزاعي مع أنّ الحكم موجود في هذا الحال فیعلم من ذلك أنّ الحكم مقدّم رتبةً على البعث الانتزاعي و ما ینتزع عنه.

و الحاصل أنّ الحكم مجعول تشریعي بجعل اعتباري.[2] [3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23]


[1] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص89.
[2] نهج البلاغة، الدشتي، محمد، ج1، ص152، الخطاب161..الفقرة الأولى: «أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ»و ذكروا في المراد بالشرائع المجهولة وجهین:الأول: قوانین شریعته
[3] شرح نهج البلاغه ابن هیثم، البحراني، ابن ميثم، ج3، ص291.. «و الشرائع المجهولة طرائق دینه و قوانین شریعته التي لم‌یكن لیهتدي إلیها إلا بظهوره»
[4] اختيار مصباح السالكين، البحراني، ابن ميثم، ج1، ص339.. «و الشرائع المجهولة» طرق دینه
[5] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله‌، ج9، ص408. و قال میرزا حبیب الله الخوئي في منهاج البراعة، ج‌9، ص408 «الظاهر أنّ المراد بها قوانين الشّريعة النّبويّة الّتي كانت مجهولة بين النّاس ثمّ ظهرت و عرفت بعد وجوده و تشريعه إيّاها.»الثاني: شرائع الماضینقال میرزا حبیب الله الخوئي في منهاج البراعة: «و يجوز أن يراد بها شرايع الماضين من السّنن الّتي لم‌تكن منسوخة و إنّما كانت مجهولة بين النّاس لبعد العهد و طول الزّمان و اتّباع الهوى فأظهرها النبيّ. و أمر بأخذها و لزومها»
[6] الفقرة الثانیة: «وَ قَمَعَ‌ بِهِ‌ الْبِدَعَ‌ الْمَدْخُولَةَ»شرح نهج البلاغه ابن هیثم، البحراني، ابن ميثم، ج3، ص291..: «البدع ما كانت علیه أهل الجاهلیة من الآثام و الفساد في الأرض».و أما المدخول فقد ذكروا فیه وجهین:
[7] الوجه الأول: المدخول بمعنی المعیبقال عليّ بن زید البیهقي (565) في معارج نهج البلاغة، ص269: «قوله "مدخول" الدخل و الدخل العیب و الریبة؛ یقال: دُخل فلان فهو مدخول أي: في عقله دخل، و نخلة مدخولة أي: جوفها عفن». و قال في ص336: «قوله: "الأبصار مدخولة" الدخل العیب، و دُخل الرجل فهو مدخول أي: في عقله دخل.».
[8] و فسّره قطب الدین الراوندي. (573) في منهاج البراءة بالمعیب
[9] و قال شرح نهج البلاغه ابن هیثم، البحراني، ابن ميثم، ج3، ص291في شرح قوله. "و لكن القلوب علیلة و البصائر مدخولة": «الدخل العیب»
[10] و في اختيار مصباح السالكين، البحراني، ابن ميثم، ج1، ص339..: «و المدخولة التي فیها دخل بالتحریك أي: عیب.»
[11] و قال میر داماد. في إثناعشر رسالة، ج7، ص15: «قال الجوهري صاحب الصحاح و الزمخشري صاحب الأساس و المطرزي صاحب المعرب و المغرب و ابن الاثیر صاحب النهایة و ابن فارس صاحب مجمل اللغة و الفیروز‌آبادي صاحب القاموس: إنّ الدخل بالتحریك و العیب و كذلك الدخل بالتسكین، یقال: في شیء كذا دخل و دخل أي: عیب و غشّ و فساد، و لا بناء منه للمعلوم یقال: دُخل فلان على البناء للمجهول فهو مدخول أي: صار ذا عیب فهو معیوب، و رجل مدخول أي: في عقله دخل و ... و نخلة مدخولة أي: عفنة الجوف واری إسلامه أو إیمانه مدخولاً أي: متزلزلاً مغشوشاً فیه نفاق و زیغ»
[12] الوجه الثاني: المدخول بمعنی المُدخَلفسّر میرزا حبیب الله الخوئي. المدخول بما أدخلوها على الشرع المبین
[13] و أما بیان هذه الفقرة فقال قطب الدین الراوندي. في منهاج البراعة، ج2، ص121: «أي: أهلك الله بمكانه كلّ ما ابتدعه الجاهلیة و كان مدخولاً معیباً و إلا فقد تمّ به محاسن الأخلاق»
[14] و قال میرزا حبیب الله الخوئي في منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله‌، ج9، ص408. : «أراد بها ما كان أهل الفترة و أيّام الجاهليّة أبدعوها في الدّين و أدخلوها على الشّرع المبين من عبادة الأصنام و نحرهم لها و حجّهم لأجلها و زعمهم أنّها تقرّبهم إلى اللّه زلفى، و من النّسي‌ء و الطواف بالبيت عرياناً و غيرها من البدع الّتي لا‌تحصى فأذلّ اللّه سبحانه ببعث النبيّ. تلك البدع و أذلّ المبدعين و قطع دابر الكافرين»
[15] الفقرة الثالثة: «وَ بَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ»و قد ذكروا في المراد بالأحكام المفصولة ثلاثة أوجه:الوجه الأول: الأحكام المقطوعة من ملّة إبراهیمففي منهاج البراعة، ج2، ص121: «و بیّن الله بسعیه الأحكام المفصولة أي: الشرائع المقطوعة المتروكة من ملّة إبراهیم.»
[16] الوجه الثاني: الأحكام المبیّنة من دین الإسلامقال بعض: المبیِّن هو رسول الله.
[17] قال ابن أبي الحدید (656) في شرح نهج البلاغة لابن الحدید، ج9، ص238.: «"و بیّن به الأحكام المفصولة" لیس یعنی أنها كانت مفصولة قبل أن بیّنها بل المراد بیّن به الأحكام التي هي الآن مفصولة عندنا و واضحة لنا لأجل بیانه لها»
[18] و قال ابن میثم (679) في شرح نهج البلاغه ابن هیثم، البحراني، ابن ميثم، ج3، ص291.: « و الأحكام المفصولة ما فصّله و بیّنه لنا من أحكام دین الإسلام»
[19] و في بحار الانوار، ج18، ص223: «المفصولة أي ببیانه. ...»
[20] و قال میرزا حبیب الله الخوئي في منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله‌، ج9، ص408. «"و بيّن به الأحكام المفصولة" أي أحكامه. المفصولة الآن ببيانه، لا أنّها كانت مفصولة قبل»
[21] و قال بعض: المبیِّن هو الله تعالى.
[22] ففي بحار الانوار، ج18، ص223.: «المفصولة أي ... أو فصّلها الله سبحانه و أوضحها له»
[23] الوجه الثالث: الأحكام التي قضی الله بها.قال صبحي صالح في شرح نهج البلاغة صبحی صالح، ج1، ص633. من نهج البلاغة المطبوع بتحقیقه: «المفصولة: التي فصّلها اللّه أي قضى بها على عباده»