الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس؛ المقام الأول؛نظریة المحقق العراقي
نعم لا بأس بدعوی الجعل فیها بمعنی التكوین و الإیجاد و لو بلحاظ إیجاد المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة، فإنّها بهذه الجهة تكون تابعة لما بید الشارع وضعه و رفعه، و هو الطلب و الأمر الذي هو عین إنشائه الاختیاري بالقول أو الفعل، فیكون الغرض من جعلیتها حینئذٍ مجرّد احتیاجها في مقام انتزاع مفاهیمها إلى الإنشاء المبرز للإرادة لا الجعلیة بالمعنی المتقوّم بالقصد و الإنشاء من القول أو الفعل الجاري في الأحكام الوضعیة».([1]
)
یلاحظ علیها
أوّلاً: إنّ الأمر الانتزاعي یتعلّق به الجعل بالعرض لا بالتبع كما سیجيء إن شاء الله تعالى، و جعله هو بعین جعل منشأ انتزاعه بخلاف الجعل التبعي الذي یتعلّق بالأعراض المتأصّلة التابعة لجواهرها، فإنّ جعل تلك الأعراض جعل تبعي للجعل الذي یتعلّق بموضوعاتها ففي الجواهر و الأعراض جعلان و مجعولان، بخلاف الأمور الاعتباریة الانتزاعیة، فإنّ فیها جعلاً واحداً ینسب إلى منشأ الانتزاع استقلالاً و إلى الأمر الاعتباري الانتزاعي بالعرض.
فالبعث و الإیجاب و اللزوم بناءً على كونها أموراً انتزاعیة تكون مجعولة بالعرض.
ثانیاً: إنّ الدین مجموعة من الاعتقادات العقلیة و الأفعال و الصفات القلبیة و الأعمال الجوارحیة، و الأحكام الشرعیة التي تتعلّق بها و هذه الأحكام وصلت إلى المكلّفین تدریجاً و قد ورد أنّ بعضها القلیل لمیبلغ إلى المكلّفین و یبقی على ذلك الخفاء حتّی یظهر الله ولیّه و حجّته الغائب بقیة الله في الأرضین صلوات الله علیه و على آبائه و أرواحنا فداه.
و المستفاد من الأدلّة الشرعیة و الروایات وجود تلك الأحكام قبل إبرازها و إیصالها إلى المكلّفین كما قال مولانا أمیرالمؤمنین في وصف خاتم النبیین: «أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ وَ قَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ وَ بَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ»(1).
مع أنّ البعث الانتزاعي من الإنشاء الذي هو مركّب من كیف مسموع و كیف نفساني متأخر عن إبراز الحكم، فلابدّ أن یكون الحكم موجوداً في وعائه قبل الإنشاء الإبرازي المذكور حتّی یكون الإنشاء المركب من الكیف المسموع و الكیف النفساني مبرزاً له، و وعاء هذا الحكم المبرز هو عالم الاعتبار.
فما أفاده من أن الإنشاء مبرز للإرادة مخدوش، بل الإنشاء الخارجي للحكم الاعتباري فهنا إنشاءان: الإنشاء الأوّل هو إیجاد الحكم الاعتباري في وعاء الاعتبار، و الإنشاء الثاني هو إبراز الحكم الاعتباري، و الإنشاء الأوّل اعتباري و الإنشاء الثاني خارجي.
ثالثاً: إنّ الحكم قد یبرز بغیر الإنشاء مثل تقریر الإمام، فحینئذٍ لا منشأ لانتزاع البعث و نتیجة ذلك عدم البعث الانتزاعي مع أنّ الحكم موجود في هذا الحال فیعلم من ذلك أنّ الحكم مقدّم رتبةً على البعث الانتزاعي و ما ینتزع عنه.
و الحاصل أنّ الحكم مجعول تشریعي بجعل اعتباري.[2]
[3]
[4]
[5]
[6]
[7]
[8]
[9]
[10]
[11]
[12]
[13]
[14]
[15]
[16]
[17]
[18]
[19]
[20]
[21]
[22]
[23]
[5] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله، ج9، ص408. و قال میرزا حبیب الله الخوئي
في منهاج البراعة، ج9، ص408 «الظاهر أنّ المراد بها قوانين الشّريعة النّبويّة الّتي كانت مجهولة بين النّاس ثمّ ظهرت و عرفت بعد وجوده و تشريعه إيّاها.»الثاني: شرائع الماضینقال میرزا حبیب الله الخوئي
في منهاج البراعة: «و يجوز أن يراد بها شرايع الماضين من السّنن الّتي لمتكن منسوخة و إنّما كانت مجهولة بين النّاس لبعد العهد و طول الزّمان و اتّباع الهوى فأظهرها النبيّ
. و أمر بأخذها و لزومها»
[7] الوجه الأول: المدخول بمعنی المعیبقال عليّ بن زید البیهقي (565) في معارج نهج البلاغة، ص269: «قوله "مدخول" الدخل و الدخل العیب و الریبة؛ یقال: دُخل فلان فهو مدخول أي: في عقله دخل، و نخلة مدخولة أي: جوفها عفن». و قال في ص336: «قوله: "الأبصار مدخولة" الدخل العیب، و دُخل الرجل فهو مدخول أي: في عقله دخل.».
[8] و فسّره قطب الدین الراوندي
. (573) في منهاج البراءة بالمعیب
[9] و قال
شرح نهج البلاغه ابن هیثم، البحراني، ابن ميثم، ج3، ص291في شرح قوله
. "و لكن القلوب علیلة و البصائر مدخولة": «الدخل العیب»
[11] و قال میر داماد
. في إثناعشر رسالة، ج7، ص15: «قال الجوهري صاحب الصحاح و الزمخشري صاحب الأساس و المطرزي صاحب المعرب و المغرب و ابن الاثیر صاحب النهایة و ابن فارس صاحب مجمل اللغة و الفیروزآبادي صاحب القاموس: إنّ الدخل بالتحریك و العیب و كذلك الدخل بالتسكین، یقال: في شیء كذا دخل و دخل أي: عیب و غشّ و فساد، و لا بناء منه للمعلوم یقال: دُخل فلان على البناء للمجهول فهو مدخول أي: صار ذا عیب فهو معیوب، و رجل مدخول أي: في عقله دخل و ... و نخلة مدخولة أي: عفنة الجوف واری إسلامه أو إیمانه مدخولاً أي: متزلزلاً مغشوشاً فیه نفاق و زیغ»
[12] الوجه الثاني: المدخول بمعنی المُدخَلفسّر میرزا حبیب الله الخوئي
. المدخول بما أدخلوها على الشرع المبین
[13] و أما بیان هذه الفقرة فقال قطب الدین الراوندي
. في منهاج البراعة، ج2، ص121: «أي: أهلك الله بمكانه كلّ ما ابتدعه الجاهلیة و كان مدخولاً معیباً و إلا فقد تمّ به محاسن الأخلاق»
[14] و قال میرزا حبیب الله الخوئي في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله، ج9، ص408. : «أراد بها ما كان أهل الفترة و أيّام الجاهليّة أبدعوها في الدّين و أدخلوها على الشّرع المبين من عبادة الأصنام و نحرهم لها و حجّهم لأجلها و زعمهم أنّها تقرّبهم إلى اللّه زلفى، و من النّسيء و الطواف بالبيت عرياناً و غيرها من البدع الّتي لاتحصى فأذلّ اللّه سبحانه ببعث النبيّ
. تلك البدع و أذلّ المبدعين و قطع دابر الكافرين»
[15] الفقرة الثالثة: «وَ بَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ»و قد ذكروا في المراد بالأحكام المفصولة ثلاثة أوجه:الوجه الأول: الأحكام المقطوعة من ملّة إبراهیم
ففي منهاج البراعة، ج2، ص121: «و بیّن الله بسعیه الأحكام المفصولة أي: الشرائع المقطوعة المتروكة من ملّة إبراهیم
.»
[16] الوجه الثاني: الأحكام المبیّنة من دین الإسلامقال بعض: المبیِّن هو رسول الله
.
[17] قال ابن أبي الحدید (656) في
شرح نهج البلاغة لابن الحدید، ج9، ص238.: «"و بیّن به الأحكام المفصولة" لیس یعنی أنها كانت مفصولة قبل أن بیّنها بل المراد بیّن به الأحكام التي هي الآن مفصولة عندنا و واضحة لنا لأجل بیانه لها»
[18] و قال ابن میثم (679) في
شرح نهج البلاغه ابن هیثم، البحراني، ابن ميثم، ج3، ص291.: « و الأحكام المفصولة ما فصّله و بیّنه لنا من أحكام دین الإسلام»
[21] و قال بعض: المبیِّن هو الله تعالى.