45/10/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس
فظهر ممّا مرّ أنّ الاستصحاب المختلف فیه لایكون إلا في الأحكام الوضعیة أعني الأسباب و الشرائط و الموانع للأحكام الخمسة من حیث أنّها كذلك و وقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعیّتها،كما یقال في الماء الكرّ المتغیّر بالنجاسة إذا زال تغیّره من قبل نفسه بأنّه یجب الاجتناب عنه في الصلاة لوجوبه قبل زوال تغیّره، فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغیّره، فتكون كذلك بعده. ([1] [2] )
هذا ما أفاده الفاضل التوني و عبارته هنا یستفاد منها جریان الاستصحاب في نفس ذات السبب و الشرط و المانع حیث أنّه صرّح بجریان الاستصحاب في النجاسة التي هي السبب للحكم التكلیفي بوجوب الاجتناب و لمیقل بجریانه في السببیة التي هي حكم وضعي.([3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] )
و قبل الورود في البحث عن التفصیل المذكور ینبغي التكلّم حول حقیقة الحكم و انقساماته.
المقام الأول: حقیقة الحكم التكلیفي و الوضعي
الموضع الأوّل: حقیقة الحكم التكلیفي
نظریة المحقّق الإصفهاني
قال: «إنّ المجعول التشریعي المعبّر عنه بالحكم ینقسم إلى تكلیفي و وضعي».
ثمّ أشار إلى انقسامات الحكم التكلیفي فقال:
«إنّ المعبّر عنه بالحكم التكلیفي ینقسم إلى الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الإباحة.
و الجامع بین الإیجاب و الاستحباب هو الإنشاء بداعي جعل الداعي، و ذلك لأنّ الشخص إذا تصوّر الفعل و صدّق بما فیه من الفائدة یشتاقه قهراً، فإذا كان المشتاق إلیه من أفعال نفسه و بلغ شوقه إلیه حدّ النصاب، حدث هیجان في الطبیعة فیحرّك عضلاته نحوه فیوجده، و إذا كان من أفعال الغیر، فحیث أنّ فعل الغیر تحت اختیاره و إرادته و تنبعث إرادته عن الداعي، یتسبّب إلى جعل الداعي له لیرید و یفعل.
فإذا كانت إرادته لفعل الغیر منبعثة عن مصلحة لزومیة، كان البعث المنبعث منها إیجاباً و إلا كان استحباباً.
كما یمكن أن یفرق بینهما باعتبار البعث الأكید و غیره لمن لایعتقد انبعاث الحكم عن مصلحة، أو لا إرادة تشریعیة في المبدأ تعالى، أو لا شدّة و لا ضعف في الإرادة في مقام استیفاء الغرض الذي لابدّ له منه و غیر ما لابدّ له منه، فإنّه في جمیع هذه الصور یكفي اعتبار البعث الأكید و غیره على طبق التحریك الخارجي فارقاً بین الإیجاب و الاستحباب.
و أمّا التحریم و الكراهة، فالإنسان إذا توجّه إلى ما فیه مفسدة و ما لایلائمه فلامحالة تحدث في نفسه كراهة موجبة لانقباضه عنه فلایفعله، و إذا كان ما یكرهه نفساً فعل الغیر، فلامحالة یزجره عنه لتحدث في نفسه كراهة موجبة لانقباضه عنه و بقائه على عدمه.
و كما أنّ جعل الداعي جعل ما یمكن أن یكون داعیاً، بحیث لو لمیكن له داعٍ من قبل نفسه أو كان له داعٍ إلى خلافه یصحّ حدوث الداعي بسببه و زوال الداعي إلى خلافه، كذلك جعل الزاجر جعل ما یمكن أن یكون زاجراً، بحیث لایحدث بسببه داعٍ إلى الفعل أو یزول الداعي الموجود، فلایلزم مساوقته لطلب الكفّ و علیه فطلب الترك لازم الزجر عن الفعل المقابل للبعث بنحو الفعل و كما أنّ الثاني [أي البعث نحو الفعل] یتضمّن الإیجاد التسبیبي بالبعث كذلك الأوّل [أي الزجر من الفعل] إعدام تسبیبي بالزجر، و مع عدم البعث و الزجر لا معنی للإیجاد و الإعدام تسبیباً، حیث لا سبب یتسبّب به إلى أحدهما و ممّا ذكرنا في الوجوب و الاستحباب یعلم الفرق بین التحریم و الكراهة.
و أمّا الإباحة و الترخیص، فمجمل القول فیها أنّ المباح و إن كان لا اقتضاء لعدم المصلحة و المفسدة فیه مطلقاً، إلا أنّ عدم المقتضي لازمه عدم الأحكام الأربعة لا ثبوت حكم خامس، فالإباحة عن مصلحة في نفسها إذ كما أنّ الحكمة الإلهية تقتضي إیصال المصلحة بالبعث و الصدّ عن الوقوع في المفسدة بالزجر، كذلك تقتضي إرخاء العنان و الترخیص لئلّا یكون العبد في الضیق صدوراً و وروداً، حیث أنّ رسم العبودیة و زيّ الرقیة یقتضي صدور العبد و وروده عن رأي مولاه». ([21] )
فالمصلحة اللاقتضائیة في الحكم بالإباحة لیس في المتعلّق بل في نفس الحكم فالحكم بالإباحة لا اقتضائي من حیث المتعلّق و اقتضائي من حیث مصلحة الترخیص في نفس الحكم.