45/10/27
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /إنارة في نظریة المحقق الخوئي
إنارة في نظریة المحقق الخوئي
إنّ المحقّق الخوئي لمیلتزم بعدم جریان الاستصحاب في الشبهات الحكمیة الكلّیة مطلقاً بل قال فیها بالتفصیل، فالتزم بجریانه فیها في موردین:
المورد الأوّل: الأحكام غیر الإلزامیة، حیث أنّه لایعارضه استصحاب عدم جعل الإباحة لأنّ الإباحة لاتحتاج إلى الجعل، فإنّ الأشیاء كلّها على الإباحة ما لمیجعل الوجوب و الحرمة، و الدلیل على ذلك قوله: «اُسْكُتُوا عَمَّا سَكَتَ اللَّه [عَنهُ]» ([1] ) و قوله: «مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عَنِ الْعِبَادِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُم»([2] ) و قوله: «إنّما هلك الناس لكثرة سؤالهم»([3] [4] [5] [6] ) فالمستفاد من هذه الروایات أنّ الأشیاء على الإباحة ما لمیرد أمر أو نهي من قبل الشارع.([7] )
المورد الثاني: الشبهات الحكمیة الوضعیة التي هي نظیر الطهارة من الخبث و الحدث، كما إذا شككنا في انفعال الماء العالي بملاقاة النجاسة السافلة، فنجري استصحاب الطهارة و لایعارضه استصحاب عدم جعل الطهارة، لأنّ الطهارة نظیر الإباحة لاتحتاج إلى الجعل بل الأشیاء كلّها على الطهارة ما لمتعتبر النجاسة فیها من قبل الشارع، بل استصحاب عدم جعل النجاسة معاضد لاستصحاب بقاء الطهارة ... .
نعم إذا شككنا في بقاء النجاسة المتیقّنة كمسألة تتمیم الماء القلیل النجس كرّاً فلا مجال لجریان استصحاب بقاء النجاسة، للمعارضة باستصحاب عدم جعل النجاسة بعد التتمیم.([8] )
المتحصّل
إنّ التفصیل بین الشبهات الحكمیة الكلّیة و بین الشبهات الحكمیة الجزئیة و الموضوعات الخارجیة ممّا لایمكن الالتزام به.
التفصیل الخامس:
بین الحكم التكلیفي و الوضعي و بین متعلقات الحكم الوضعي
إنّ المستفاد من عبارة الفاضل التوني هو التفصیل بین الحكم التكلیفي و الوضعي و بین متعلّقات الحكم الوضعي و هي ذات السبب و الشرط و المانع بعدم جریان الاستصحاب في الأول و جریانه في الثاني. نعم قد اشتهر بینهم أنّه یفصّل بین الحكم التكلیفي و الوضعي و لكن الظاهر هو ما ذكرناه، فإنّ بعض شرّاح كلام العلامة الأنصاري مثل المحقّق التبریزي صاحب أوثق الوسائل استظهر([9] ) ذلك من كلام الفاضل التوني، كما أنّ بعض شرّاح كفایة الأصول كصاحب منتهي الدرایة أیضاً استفاد([10] ) من كلام الفاضل التوني ذلك التفصیل، فما نسب إلیه من أنّه یقول بعدم جریان الاستصحاب في الأحكام التكلیفیة و جریانه في الأحكام الوضعیة هي نسبة غير صحيحة، و لعلّ منشأ ذلك هو أنّه قد یتسامح فیطلق الحكم الوضعي على نفس ذات السبب و الشرط و المانع كما أنّه قد یتسامح و یطلق الحكم التكلیفي على ذات الواجب و الحرام مع أنّ الحكم الوضعي لیس إلا السببیة و الشرطیة و المانعیة. أمّا ذات السبب و ذات الشرط و ذات المانع فكلّها متعلّقات الأحكام الوضعیة كما أنّ الحكم التكلیفي هو الوجوب و الحرمة، و أمّا الواجب و الحرام فهما متعلّقا الحكم التكلیفي.
كلام الفاضل التوني
الأحكام الشرعیة تنقسم إلى ستّة أقسام: الأوّل و الثاني: الأحكام الاقتضائیة المطلوب فیها الفعل و هي الواجب و المندوب. و الثالث و الرابع: [الأحكام] الاقتضائیة المطلوب فیها الكفّ و الترك و هي الحرام و المكروه. و الخامس: الأحكام التخییریة الدالّة على الإباحة. و السادس: الأحكام الوضعیة كالحكم على الشيء بأنّه سبب لأمر أو شرط له أو مانعٌ عنه.
و المضایقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي ممّا لایضرّ في ما نحن بصدده.
إذا عرفت هذا فإذا ورد أمر بطلب شيء فلایخلو إمّا أن یكون موقّتاً أو لا.
و على الأوّل: یكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء ذلك الوقت ثابتاً بذلك الأمر فالتمسك حینئذ في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنصّ، لا بالثبوت في الزمان الأوّل حتّی یكون استصحاباً و هو ظاهر.
و على الثاني: أیضاً كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار و إلا فذمّة المكلّف مشغولة حتّی یأتي به في أيّ زمان كان ... .
فالأحكام [التكلیفیة] الخمسة المجرّدة عن الأحكام الوضعیة لایتصوّر فیها الاستدلال بالاستصحاب.
و أمّا الأحكام الوضعیة، فإذا جعل الشارع شیئاً سبباً لحكم من الأحكام الخمسة كالدلوك لوجوب الظهر و الكسوف لوجوب صلاته و الزلزلة لصلاتها و الإیجاب و القبول لإباحة التصرّفات و الاستمتاعات في الملك و النكاح ... فینبغي أن یُنظر إلى كیفیة سببیة السبب هل هي على الإطلاق كما في الإیجاب و القبول ... أو في وقت معیّن كالدّلوك و نحوه ... فإنّها أسباب للحكم في أوقات معینة، و جمیع ذلك لیس من الاستصحاب في شيء [و المستفاد من عبارته إلى هنا عدم جریان الاستصحاب في الأحكام التكلیفیة و الأحكام الوضعیة].