45/10/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الرابع؛ المناقشة الرابعة من المناقشات الست علی النظریة المحقق النراقي
المناقشة الرابعة: من المحقّق النائیني أیضاً ([1] [2] )
«لو قلنا بإثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل، لأمكن التمسك به في المقام أیضاً و ذلك لأنّه بعد فرض مغایرة الوجوب في ما بعد الزوال للوجوب قبله فالقدر المتیقّن هو جعل الثاني دون الأوّل، فیستصحب عدمه و یثبت به عدم الوجوب بعده.
و لكنه قد ذكرنا مراراً أنّ إثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل یبتني على القول بالأصول المثبتة.»([3] )
هذا ما أفاده المحقّق النائیني في فوائد الأصول و أجود التقریرات، و هذه المناقشة واردة على هذه النظریة.
المناقشة الخامسة: من المحقّق النائیني أیضاً
«إنّ استصحاب عدم الجعل غیر جارٍ في نفسه، لعدم ترتّب الأثر العملي علیه، لأنّ الجعل عبارة عن إنشاء الحكم في مقام التشریع، و الأحكام الإنشائیة لاتترتّب علیها الآثار الشرعیة، بل و لا الآثار العقلیة من وجوب الإطاعة و حرمة المعصیة مع العلم بها فضلاً عن التعبّد بها بالاستصحاب، فإنّه إذا علمنا بأنّ الشارع جعل وجوب الزكاة على مالك النصاب، لایترتّب على هذا الجعل أثر ما لمتتحقّق ملكیة في الخارج و علیه فلایترتّب الأثر العملي على استصحاب عدم الجعل، فلا مجال لجریانه».([4] [5] )
جواب المحقّق الخوئي عن هذه المناقشة
«جمیع الأحكام الشرعیة بالنسبة إلى موضوعاتها من قبیل الواجب المشروط، فقبل تحقّقها لایكون بعث و لا زجر و لا طاعة و لا معصیة، فتحقّق الأحكام الشرعیة الذي نعبّر عنه بالفعلیة یتوقّف على أمرین: الجعل و تحقّق الموضوع، فإذا انتفی أحدهما انتفی الحكم، مثلاً وجوب الصلاة بعد زوال الشمس یتوقّف على جعل الوجوب من المولى و تحقّق الزوال في الخارج، فإذا زالت الشمس و لمیحكم المولى بشيء یكون الحكم منتفیاً بانتفاء الجعل، فما لمیتحقّق الموضوع و إن كان لایترتّب أثر على استصحاب عدم الجعل إلا أنّه إذا تحقّق الزوال یترتّب الأثر على استصحاب عدمه لامحالة.
و علیه فإذا وجد الموضوع في الخارج و شككنا في بقاء حكمه من جهة الشك في سعة المجعول و ضیقه أمكن جریان استصحاب عدم الجعل في غیر المقدار المتیقّن لولا معارضته باستصحاب بقاء المجعول.
و إن شئت قلت: كما أنّ استصحاب بقاء الجعل یجري لإثبات فعلیة التكلیف عند وجود موضوعه، كذلك استصحاب عدم الجعل یكفي في إثبات عدم فعلیّته».([6] )
یلاحظ علیه
إنّ المحقّق الخوئي قال بأنّ تحقّق الأحكام الشرعیة الذي نعبّر عنه بالفعلیة متوقّف على أمرین: الجعل و تحقّق الموضوع، فإذا انتفی أحدهما انتفی الحكم و لكنّه لمیذكر وجود الحكم المجعول الإنشائي.
توضیح ذلك: إنّ فعلیة الحكم متوقّفة على أمرین: وجود الحكم المجعول الإنشائي و تحقّق الموضوع.
و الأمر الأوّل منهما و هو الحكم المجعول متوقّف على اعتبار تعلّق الجعل بهذا الحكم المجعول فإنّ الجعل سبب اعتباري لتحقّق المجعول في وعاء الاعتبار و الفرق بین الجعل و المجعول اعتباري كما أنّ سببیة الجعل للمجعول أیضاً سببیة اعتباریة.
فما یفید في الفعلیة استصحاب عدم الحكم المجعول الإنشائي أو استصحاب عدم تحقّق الموضوع حیث أنّ كلاً منهما یوجب انتفاء أحد الأمرین المذكورین.
و أمّا استصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى إثبات عدم وجود الحكم المجعول الإنشائي فأصل مثبت فلایفید.
فالمناقشة الخامسة أیضاً واردة على هذه النظریة.
المناقشة السادسة في نظریة المحقّق النراقي
«إنّ استصحاب عدم الجعل معارض بمثله في رتبته، فإنّ استصحاب عدم جعل الحرمة في المثال المتقدّم [أي حرمة الوطي بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال] معارض باستصحاب عدم جعل الحلّیة، لوجود العلم الإجمالي بجعل أحدهما في الشریعة المقدّسة فیبقی استصحاب بقاء المجعول و هي الحرمة بلامعارض».([7] )
جواب المحقّق الخوئي عنها بوجوه ثلاثة
الوجه الأوّل
«إنّه لا مجال لاستصحاب عدم جعل الحلّیة، لأنّ الحلّیة و الرخصة كانت متیقّنة متحققة في صدر الإسلام، و الأحكام الإلزامیة قد شرّعت على التدریج، فجمیع الأشیاء كان على الإباحة بمعنی الترخیص و الإمضاء، كما یدلّ علیه قوله:«أُسْكُتُوا عَمَّا سَكَتَ اللَّه [عَنهُ]»([8] [9] [10] [11] ) و قوله: «مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عَنِ الْعِبَادِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُم.»([12] )
نعم بعض الأحكام الذي شرّع لحفظ النظام كحرمة قتل النفس و حرمة أكل أموال الناس و حرمة الزنا و غیرها من الأحكام النظامیة غیر مختصّ بشریعة دون شریعة، و قد ورد في بعض النصوص أنّ الخمر ممّا حرمت في جمیع الشرایع([13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] ).
و الحاصل أنّ وطي الحائض مثلاً كان قبل نزول الآیة الشریفة: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾[22] مرخّصاً فیه، فلا مجال لاستصحاب عدم جعل الحلّیة».([23] )