45/08/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الأول؛ الإیراد الثاني لاستدلال الشیخ الأنصاري
الإیراد الثالث: من المحقّق الخوئي ([1] )
و هو النقض باستصحاب عدم النسخ في الحكم الشرعي، فإنّ الشیخ قال بجریان استصحاب عدم النسخ و ادّعى علیه الإجماع([2] ) حتّی من المنكرین لحجّیة الاستصحاب بل المحقّق الأسترآبادي جعله من ضروریات الدین([3] ) مع أنّ الشك فیه من قبیل الشك في المقتضي لأنّه لمیحرز فیه من الأوّل جعل الحكم مستمراً أو محدوداً إلى غایة فإنّ النسخ في الحقیقة انتهاء أمد الحكم.
و یشهد لهذا النقض الذي أفاده المحقّق الخوئي نفس عبارة الشیخ الأنصاري حیث قال:
«إنّ المستصحب هو الحكم الكلّي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فیه، إذ لو فرض وجود اللاحقین في السابق عمّهم الحكم قطعاً، [فإنّ الشریعة اللاحقة لاتحدث عند انقراض أهل الشریعة الأولى]. غایة الأمر احتمال مدخلیة بعض أوصافهم المعتبرة في موضوع الحكم، و مثل هذا لو أثّر في الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات بل في جمیع موارد الشك من غیر جهة الرافع». ([4] )
و كلامه الأخیر یدلّ على أنّه لایقول بعدم حجّیة الاستصحاب في جمیع موارد الشك من غیر جهة الرافع.
یلاحظ علیه
یمكن الجواب من قبل القائلین بالتفصیل المذكور بأنّ الوجه في جریان أصالة عدم النسخ هو الإجماع و الأخبار الدالّة على اشتراك الأحكام بین الحاضرین أو الموجودین و الغائبین أو المعدومین، و لیس الوجه في ذلك هو الاستصحاب، و هذا الجواب یستفاد من كلام صاحب الفصول([5] ) على ما نقله عنه الشیخ الأنصاري.([6] [7] )
الإیراد الرابع: من المحقق الخوئي أیضاً
و هو النقض بالاستصحاب في الموضوعات قال:
الثاني: الاستصحاب في الموضوعات، فإنّه [أي الشیخ] قائل به مفصّلاً بین الشك في المقتضي و الشك في الرافع .. و مثّل للشك في الرافع بالشك في كون الحدث أكبر أو أصغر، فتوضّأ فیكون الشك شكاً في الرافع فیجري استصحاب الحدث و مثّل للشك في المقتضي بالشك في كون حیوان من جنس الحیوان الفلاني الذي یعیش خمسین سنة أو من جنس الحیوان الفلاني الذي یموت بعد ثلاثة أیام مثلاً مع أنّه یلزم من تفصیله عدم حجّیة الاستصحاب في الموضوعات كحیاة زید و عدالة عمرو مثلاً فإنّ إحراز استعداد أفراد الموضوعات الخارجیة ممّا لا سبیل لنا إلیه، و إن أُخذ مقدار استعداد الموضوع المشكوك بقاؤه من استعداد الجنس البعید أو القریب، فتكون أنواعه مختلفة الاستعداد و كیف یمكن إحراز مقدار استعداد الإنسان من استعداد الجسم المطلق أو الحیوان مثلاً؟ و إن أُخذ من الصنف فأفراده مختلفة باعتبار الأمزجة و الأمكنة و سائر جهات الاختلاف، فیلزم الهرج و المرج.
و هذا هو الإشكال الذي أورده على المحقّق القمي بعینه و حاصله عدم جریان الاستصحاب في الموضوعات لكون الشك فیها شكاً في المقتضي لعدم إحراز الاستعداد فیها». ([8] )
یلاحظ علیه
إنّ ما أفاده الشیخ الأنصاري عند إیراده على المحقّق القمي یرجع إلى أمرین:
الأوّل: إنّ كلام المحقّق القمي مستلزم لاختصاص اعتبار الاستصحاب بالشك في الرافع.
الثاني: إنّ بیان المحقّق القمي موجب لعدم انضباط الاستصحاب.
و إلیك نصّ عبارة الشیخ الأنصاري:
«أقول: إنّ ملاحظة استعداد المستصحب و اعتباره في الاستصحاب. مع أنّه مستلزم لاختصاص اعتبار الاستصحاب بالشك في الرافع موجب لعدم انضباط الاستصحاب، لعدم استقامة إرادة استعداده من حیث تشخّصه و لا أبعد الأجناس و لا أقرب الأصناف، و لا ضابط لتعیین المتوسط، و الإحالة على الظنّ الشخصي قد عرفتَ ما فیه سابقاً» .([9] )
و الظاهر من كلام الشیخ الأنصاري هو أنّه یری وجود الضابط لكلّ نوع من أنواع الحیوانات بحیاله كما أنّ المحقّق الخوئي أیضاً نقل عنه أنّه قال: إنّ الحیوان الفلاني یعیش إلى خمسین سنة.
و أمّا ما أفاده من استلزام عدم انضباط الاستصحاب فإنّما هو بالنسبة إلى الفرد المشكوك بین الأنواع المتعدّدة حیث قال المحقّق القمي:
«إنّا إذا علمنا أنّ في هذه القریة حیواناً، و لكن لانعلم أي نوع من الطیور أو البهائم أو الحشار و الدیدان، ثم غبنا عنها مدّة، فلایمكن لنا الحكم ببقائه في مدّة یعیش فیها أطول الحیوان عمراً ... فإذا احتمل عندنا كون الحیوان الذی في بیت خاصّ إمّا عصفوراً أو فأرة أو دودة قزّ، فكیف یحكم بسبب العلم بحصول القدر المشترك باستصحابها إلى زمان ظنّ بقاء أطولها أعماراً».([10] )
فما أفاده المحقّق الخوئي و نسب ذلك إلى الشیخ الأنصاري ردّاً على المحقّق القمي من أنّ أفراد الصنف مختلفة باعتبار الأمزجة و الأمكنة و سائر جهات الاختلاف فیلزم الهرج و المرج، فلایمكن المساعدة علیه و لانسلّم نسبته إلى الشیخ الأنصاري أیضاً بل إنّ كلام الشیخ ناظر إلى الأفراد المشكوكة بین الأنواع المختلفة لا الفرد المعلوم كونه من نوع معیّن.