45/08/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الأول؛ استدلال الشیخ الأنصاري لهذا التفصیل
استدلال الشیخ الأنصاري لهذا التفصیل
إنّ الظاهر من كلام الشیخ الأنصاري أنّه أراد من الیقین «نفس المتیقّن» كما قال: «لایتوهّم الاحتیاج حینئذٍ إلى تصرّف في الیقین بإرادة المتیقّن منه، لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال، فإنّ النقض الاختیاري القابل لورود النهي علیه لایتعلّق بنفس الیقین على كلّ تقدیر، بل المراد نقض ما كان على یقین منه و هو الطهارة السابقة أو أحكام الیقین».([1] )
و لذا أُسنِد([2] ) إلى الشیخ أنّه یقول: إذا كان المتیقّن ممّا له دوام في نفسه یكون أمراً مبرماً مستحكماً و یصحّ إسناد النقض إلیه، و إذا لمیكن المتیقّن كذلك لایصحّ إسناد النقض إلیه، لأنّ النقض حلّ شيء مبرم مستحكم.
و تطبیق ذلك هو أنّ الشيء إذا شك في وجود المقتضي له لایكون مبرماً مستحكماً فلایصدق فیه «نقض الیقین بالشك».
إیرادات ستّة على استدلال الشیخ
الإیراد الأول: من صاحب الكفایة ([3] )
«لایخفی حسن إسناد النقض -و هو ضدّ الإبرام([4] )- إلى الیقین و لو كان [الیقین] متعلّقاً بما لیس فیه اقتضاء للبقاء و الاستمرار، لما یتخیّل فیه [أي في الیقین] من الاستحكام، بخلاف الظنّ فإنّه یظنّ أنّه لیس فیه إبرام و استحكام [فلایصحّ إسناد مادة النقض إلى الظن لعدم ثباته و عدم استحكامه] و إن كان [الظن] متعلّقاً بما فیه اقتضاء ذلك [أي اقتضاء البقاء و الاستمرار] ... و بالجملة لایكاد یشك في أنّ الیقین كالبیعة و العهد إنّما یكون حسن إسناد النقض إلیه بملاحظته لا بملاحظة متعلّقه [فإنّ إسناد النقض إلى البیعة و العهد إنّما یكون بملاحظة استحكام نفس العهد و البیعة؛ سواء كان متعلّق العهد و البیعة أمراً مبرماً أو لمیكن مبرماً، و مثال ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ ([5] )] ... .
فإن قلت: نعم و لكنّه حیث لا انتقاض للیقین في باب الاستصحاب حقیقةً، فلو لمیكن هناك اقتضاء البقاء في المتیقّن لما صحّ إسناد الانتقاض إلیه بوجه و لو مجازاً، بخلاف ما إذا كان هناك [أي كان في المتیقّن اقتضاء البقاء] فإنّه و إن لمیكن معه أیضاً انتقاض حقیقةً [حیث أنّه إذا كان في المتیقّن اقتضاء البقاء فالیقین السابق المتعلّق بالمتیقّن باقٍ بحاله و لمینتقض حقیقة] إلا أنّه صحّ إسناده [أي إسناد النقض] إلیه [أي إلى الیقین] مجازاً، فإنّ الیقین معه كأنّه تعلّق بأمر مستمرّ مستحكم قد انحلّ و انفصم بسبب الشك فیه من جهة الشك في رافعه.
قلت: الظاهر أنّ وجه الإسناد هو لحاظ اتّحاد متعلّقي الیقین و الشك ذاتاً و عدم ملاحظة تعدّدهما زماناً و هو كافٍ عرفاً في صحّة إسناد النقض إلیه [أي إلى الیقین] و استعارته له، بلا تفاوت في ذلك أصلاً في نظر أهل العرف بین ما كان هناك اقتضاء البقاء و ما لمیكن».
الإیراد الثاني ([6] )
«إنّ دلیل الاستصحاب غیر منحصر في الأخبار المشتملة على لفظ النقض حتّی یختصّ بالشك في الرافع، بل هناك خبران آخران لایشتملان على لفظ النقض، فیعمّان موارد الشك في المقتضي أیضاً:
الأوّل: روایة عبد الله بن سنان الواردة في من یعیر ثوبه الذمّي و هو یعلم أنّه یشرب الخمر و یأكل لحم الخنزیر قال: فهل عليّ أن أغسله؟ فقال: «لَا تَغْسِلْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَإِنَّك أَعَرْتَهُ إِيَّاهُ وَ هُوَ طَاهِرٌ وَ لَمْ تَسْتَيْقِنْ أَنَّهُ نَجَّسَهُ »([7] ).
الثاني: خبر محمّد بن مسلم عن الصادق: «مَنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ فَأَصَابَهُ شَكٌّ فَلْيَمْضِ عَلَى يَقِينِهِ فَإِنَّ الْيَقِينَ لَا يُدْفَعُ بِالشَّك»([8] ).
جواب المحقّق الخوئي عن هذا الإیراد
«أمّا الأوّل [أي صحیح عبد الله بن سنان] فمورده هو الشك في الرافع، لأنّ الطهارة ممّا له دوام في نفسه لولا الرافع، فلا وجه للتعدّي عنه إلى الشك في المقتضي. و أمّا التعدي عن خصوصیة الثوب إلى غیره و عن خصوصیة الذمي إلى نجاسة أخری و عن خصوصیة الطهارة المتیقّنة إلى غیرها، فإنّما هو للقطع بعدم دخل هذه الخصوصیات في الحكم، و لكن التعدي عن الشك في الرافع إلى الشك في المقتضي یكون بلا دلیل.
و أمّا الثاني ففیه الأمر بالإمضاء و هو مساوق للنهي عن النقض، لأنّ الإمضاء هو الجري في ما له ثبات و دوام، و یشهد له ما في ذیل الخبر من أنّ الیقین لایدفع بالشك، لأنّ الدفع إنّما یكون في شيء یكون له الاقتضاء».([9] )
یلاحظ علیه
إنّ ما أفاده بالنسبة إلى صحیحة عبد الله بن سنان و إن كان تامّاً بلا إشكال و لكن ما أجاب به عن صحیحة محمّد بن مسلم و أبي بصیر فلایمكن المساعدة علیه، و الوجه في ذلك:
أوّلاً: إطلاق مادّة المضيّ فإنّها لاتختص بما له اقتضاء البقاء بل تستعمل فیما ینقضي مثل الزمان كقولهم: مضى الیوم و مضى الساعة، فما أفاده من أن الإمضاء هو الجري فیما له ثبات و دوام مخدوش.
و ثانیاً: لو سلّمنا ذلك و قلنا بأنّ الإمضاء هو الجري في خصوص ما له ثبات و دوام فلایدلّ ذلك على اختصاص هذه الصحیحة بالموارد التي فیها اقتضاء البقاء و الدوام بل الإمضاء هنا تعلّق بنفس مادّة الیقین حیث قال الإمام: «فَلْيَمْضِ عَلَى يَقِينِهِ» و الیقین هو ما له اقتضاء البقاء و الدوام، سواء كان المتیقّن ممّا له اقتضاء الدوام أو لمیكن، و هذه الملاحظة الثانیة في الحقیقة ترجع إلى الإیراد الذي أفاده صاحب الكفایة على نظریة الشیخ الأنصاري.