45/08/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الأول؛ مراد أعلام الاصولیین من المقتضی فی المقام
عدم إرادة هذه الوجوه الثلاثة من المقتضي في هذا التفصیل
قال المحقق الخوئي: ([1] ) إنّ مراد الشیخ الأنصاري من «المقتضي» في هذا التفصیل یختلف عن هذه المعاني المحتملة لقاعدة المقتضي و المانع.
أمّا المقتضي التكویني فلیس مراد الشیخ قطعاً، لأنّه قائل بجریان الاستصحاب في العدمیات، و العدم لا مقتضي له و هو قائل أیضاً بالاستصحاب في الأحكام الشرعیة و ليس لها مقتضٍ تكویني، فإنّ الأحكام عبارة عن اعتبارات وضعها و رفعها بید الشارع.
أمّا المقتضي الشرعي بمعنی الموضوع فلیس مراد الشیخ أیضاً ، لأنّه لابدّ في جریان الاستصحاب من إحراز الموضوع، و بعبارة أخری لابدّ من إحراز وحدة القضیة المتیقّنة و القضیة المشكوكة، فلا وجه للتفصیل بین الشك في المقتضي و الرافع، لأنّه إذا شك في المقتضي بمعنی وجود الموضوع فلاتتمّ أركان الاستصحاب، لأنّ من أركانه إحراز وحدة الموضوع بین القضیة المتیقّنة و المشكوكة.
أمّا المقتضي الملاكي فلیس مراد الشیخ أیضاً، لأنّه قائل بالاستصحاب في الموضوعات الخارجیة و لایتصوّر لها ملاك.
المراد من المقتضي في هذا التفصیل عند المحقّق النائیني
قال المحقّق النائیني: «إنّ متعلّق الیقین إذا كان مرسلاً في عمود الزمان لا مهملاً و لا مقیّداً، فلامحالة یكون مقتضی الیقین هو الجري العملي غیر محدودٍ في عمود الزمان بشيء، فالمقتضي للجري العملي موجود مستمرّاً، فلامحالة یكون رفع الید عنه للشك في وجود الرافع له من الأمور الزمانیة بحیث لولا الشك في وجوده لمیكن وجه لرفع الید عنه أصلاً.
و هذا بخلاف ما إذا كان متعلّق الیقین محدوداً أو مهملاً، فإنّه بنفسه لایقتضي الجري العملي أزید من المقدار المتیقّن و لو مع قطع النظر عن الشك في تحقّق أمر زماني ... .
إنّ المراد من إحراز المقتضي في المقام هو إحراز أنّ المتیقّن في نفسه قابل للبقاء في عمود الزمان مع قطع النظر عن حدوث أمر زماني.
فإنّ الأحكام الشرعیة كالموضوعات الخارجیة یختلف حالها من هذه الحیثیة: فقد یعلم كونها بحیث تكون قابلةً للبقاء في عمود الزمان مع قطع النظر عن حدوث (أمر) زماني، كالملكیة و الطهارة و نحوهما، و قد یعلم كونها بحیث تنعدم و ترتفع و لو لمیكن هناك حادث زماني كوجوب الصوم المحدود بوجود النهار. و قد یشك في ذلك، كما في الخیار المشكوك كونه فوریاً أو استمراریاً». ([2] )
و قال:«إن كان متعلّق الیقین غیر محدود في عمود الزمان بغایة، فلامحالة یكون تعلّق الیقین به مقتضیاً للجري العملي على طبقه على الإطلاق و لا موجب لرفع الید عنه حینئذٍ إلا الشك في الرافع فیصدق علیه نقض الیقین بالشك بحسب الجري العملي.
و أمّا إذا لمیكن كذلك بل احتمل كون المتیقّن مغیّی بغایة، فلامحالة یكون المقدار المتیقّن هو ما قبل الغایة المحتملة غائیته و بالنسبة إلى ما بعدها لا مقتضي للجري العملي من أوّل الأمر، فعدم الجري بعدها لیس مستنداً إلا إلى قصور المقتضي و انتقاض الیقین بنفسه بحیث لو فرضنا عدم الشك فعلاً لمیكن هناك مقتضٍ للجري ... .
و حاصل ما ذكرناه هو أنّ [المراد من المقتضي هو كون المتیقّن مرسلاً في عمود الزمان و] المراد من الشك في المقتضي هو الشك في مقدار عمر المتیقّن من حیث عمود الزمان الذی هو عبارة أخری عن الشك في كونه مرسلاً أو مغیّیً بغایة، و قد ذكرنا أنّه یلحق بذلك حكماً ما لو علم كونه مغیّی بغایة و شك في حصول الغایة من جهة الشبهة المفهومیة أو الحكمیة» .([3] )
الشكّ في استصحاب الملكیة في المعاطاة ليس من الشكّ في المقتضي
هنا مثال للشك في المقتضي نقلاً عن الشیخ الأنصاري؛ قال المحقّق الخوئي: «الشیخ یقول باستصحاب الملكیة في المعاطاة([4] ) بعد رجوع أحد المتعاملین و یصرّح بكون الشك فیه شكاً في الرافع، و ینكر الاستصحاب في بقاء الخیار([5] ) في خیار الغبن لكون الشك فیه شكاً في المقتضي». ([6] )
و السیّد الطباطبائي الیزدي استشكل استصحاب الملكیة في المعاطاة بأنّه من موارد الشك في المقتضي لعدم العلم ببقاء الملاك.([7] )
و قد ظهر من تحقیق معنی «المقتضي» عند الشیخ الأنصاري، بطلان إشكال السیّد الیزدي صاحب العروة على الشیخ في التمسّك بالاستصحاب في المعاطاة، لأنّ الشك في بقاء الملكیة في المعاطاة لیس من قبیل الشك في المقتضي بالمعنی الذي أراده الشیخ من المقتضي.
لحوق بعض موارد الشك في المقتضي بالشك في الرافع
قال المحقّق الخوئي: إنّ الأحكام على ثلاثة أقسام:
الأوّل: أن یكون الحكم معلوم الدّوام في نفسه لو لمیطرأ رافع له، فلا إشكال في جریان الاستصحاب مع الشك في بقاء هذا النوع من الحكم، كالشك في بقاء الملكیة لاحتمال زوالها بناقل.
الثاني: أن یكون الحكم مغیّیً بغایة.
الثالث: أن یكون الحكم مشكوكاً من هذه الجهة، كما إذا تحقّقت زوجیة بین رجل و امرأة و لمیعلم كونها دائمة أو منقطعة.
أمّا القسم الثالث فلا مجال لجریان الاستصحاب فیه على مسلك الشیخ لكون الشك فیه شكاً في المقتضي.
و أمّا القسم الثاني فمع الشك في البقاء قبل تحقّق الغایة لاحتمال وجود الرافع یجري الاستصحاب بلا إشكال و بعد تحقّق الغایة ینقضي بنفسه.
و أمّا إذا شك في تحقّق الغایة [فهنا ثلاث صور:]
فتارةً یكون الشك من جهة الشبهة الحكمیة، كما إذا شك في أنّ الغایة لوجوب صلاة المغرب و العشاء مع الغفلة، هي نصف اللیل أو طلوع الفجر و إن كان عدم جواز التأخیر عن نصف اللیل مع العمد و الالتفات مسلماً.
و أخری یكون الشك من جهة الشبهة المفهومیة، كما إذا شك في أنّ الغروب الذي جعل غایة لصلاة الظهرین هل هو استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقیة؟
و ثالثة یكون الشك من جهة الشبهة الموضوعیة، كما إذا شك في طلوع الشمس الذي جعل غایة لوجوب صلاة الصبح.
ففي الأوّلین [الشبهة الحكمیة و المفهومیة] یكون الشك من موارد الشك في المقتضي فلایجري الاستصحاب فیهما.
و الثالث و إن لمیكن من الشك في الرافع حقیقة، لأنّ الرافع لایكون نفس الزمان بل لابدّ من أن یكون زمانیاً و لیس في المقام إلا الزمان، لكنّه في حكم الشك في الرافع عرفاً فیجري فیه الاستصحاب. ([8] )