45/08/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ القسم الثاني من الروایات
الثالثة: یمكن أن یجاب عن هذا الإشكال على مبنی جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد، بأن یقال: الغایة المذكورة تفید المعنیین، فإنّها تكون قیداً للموضوع فتدلّ الروایة على الطهارة الظاهریة و تكون أیضاً مسوقة لبیان بقاء الحكم الاستصحابي بمعنی آخر من غیر أن تكون قیداً للموضوع و لا للمحمول، و حینئذٍ نفس قضیة كلّ شيء نظیف تدلّ على الطهارة الواقعیة و هذه الغایة تدلّ على حجّیة الاستصحاب.
ثمّ إنّه إذا كان للقضیة ظهور في المعنیین و كان أحدهما أظهر من الآخر فحینئذٍ یؤخذ بكلا الظهورین، و أمّا إذا كان أحد المعنیین هو الظاهر و المعنی الآخر كان على خلاف الظاهر فلایمكن الأخذ بكلیهما و لو على مسلك القائلین بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد، و حینئذٍ نرجع إلى ما نحن فیه و نقول: إنّ شمول الروایة لكلا المعنیین لیس على خلاف الظاهر بل الأخذ بهما مطابق للظهور الاستغراقي لقوله: «كلّ شيء»، فإنّ قوله: «كلّ شيء» یشمل الشيء بما هو شيء و الشيء بما هو مشكوك في نفسه مع عدم لحاظ ما تقدّم من أنّ الحكم علیه بالطهارة یكون حكماً على الشيء بما هو شيء لأنّ الكلام هنا في الظهور الاستغراقي لنفس الموضوع.
الرابعة: إنّ ما أفاده المحقّق النائیني من أنّ قوله: «كُلُّ شَيءٍ طَاهِر» لایشمل الطهارة الظاهریة، لأنّ موضوعها الشيء بما هو مشكوك مما لایمكن المساعدة علیه، بل غایته أنّ الحكم بالطهارة الظاهریة للشيء المشكوك إنّما هو لخصوصیة شيئیته لا لخصوصیة كونه مشكوكاً و إلا لزم أن نقول في مثال «أكرم كلّ عالم» بعدم وجوب إكرام بعض أصنافه، مثلاً إذا كان العالم عادلاً یجب إكرامه و لكن الحیثیة التعلیلیة التي أوجبت ذلك هي كونه عالماً لا كونه عادلاً، هذا مقتضى ما أفاده من المثال، أمّا النتیجة التي أخذها من ذلك من عدم شمول الحكم للشيء بما هو مشكوك فلیس على ما ینبغي، بل لازمه هو القول بعدم وجوب إكرام العالم العادل.
هذا تمام الكلام حول الاحتمال الرابع و السابع.
الاحتمالان الأوّل و الخامس
إنّ كلا الاحتمالین يشتركان في دلالة الروایة على الطهارة الواقعیة و يفترقان في أنّ الاحتمال الخامس هو الجمع بین الطهارة الواقعیة و الاستصحاب و الاحتمال الأوّل متمحّض في الدلالة على الطهارة الواقعیة.
تقریر الاحتمال الأوّل
«إنّ العلم في الروایة أُخذ غایة بما أنّه طریق إلى الواقع، و تكون النجاسة أو الحرمة اللتان تعلّق بهما العلم كنایةً عن وجود سببهما، فمعنی قوله: "كُلُّ شَيءٍ طَاهِرٌ [نظیف] حَتَّی تَعلَم أَنَّهُ قَذِرٌ" بعد تخصیصه بغیر الأعیان النجسة، إنّ كلّ شيء غیر تلك الأعیان محكوم بالطهارة حتّی تعرضه النجاسة بسبب ملاقاة النجاسة أو الغلیان مثلاً، و حینئذٍ یكون المراد من الطهارة أو الحلّیة هي الطهارة أو الحلّیة الواقعیتان و تكون الغایة لهما هو حدوث ما یرفعهما».([1] )
مناقشة المحقّق النائیني في الاحتمال الأول
«لایخفی ما في حمل الروایة على ذلك من مخالفة الظهور بمرتبة كاد أن یلحق بالمستحیل».([2] )
یلاحظ علیها
إنّ ما ادّعاه من كونه خلافاً للظاهر إنّما هو في ناحیة حمل العلم على العلم الطریقي، و أمّا دلالة قوله: «كُلُّ شَيءٍ طَاهِر» على الطهارة الواقعیة فلیست مخالفة للظاهر بل قد تقدّم كلام المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي من أنّ هذا القول ظاهر في الطهارة الواقعیة بمقتضى أنّ ما یظهر منه في نفسه هو أنّ موضوع الحكم بالطهارة هو الشيء بما هو شيء و الطهارة التي تكون حكماً له هو الطهارة الواقعیة لا الطهارة الظاهریة، لأنّ موضوع الطهارة الظاهریة هو الشيء بما هو مشكوك.
فما یلزم في هذا الاحتمال من خلاف الظاهر لیس على مرتبة بحیث كاد أن یلحق بالمستحیل كما ادّعاه المحقّق النائیني كما أنّ الاحتمال الخامس -و هو الجمع بین الحكم الواقعي و الاستصحاب- لایقتضي حمل العلم على العلم الطریقي، و سیجيء البحث عنه إن شاء الله تعالى .