45/08/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ القسم الأول من الروایات؛ الروایة السابعة
الرواية السابعة: صحیحة عبد الله بن سنان
محمّد بن الحسن بإسناده عن سعد [بن عبد الله الأشعري] عن أحمد بن محمّد [بن عیسی] عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان قال: «سَأَلَ أَبِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَ أَنَا حَاضِرٌ: أَنِّي أُعِيرُ الذِّمِّيَ ثَوْبِي وَ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَ يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ فَيَرُدُّ عَلَيَّ فَأَغْسِلُهُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: صَلِّ فِيهِ وَ لَاتَغْسِلْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ أَعَرْتَهُ إِيَّاهُ وَ هُوَ طَاهِرٌ وَ لَمْ تَسْتَيْقِنْ أَنَّهُ نَجَّسَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ نَجَّسَهُ».([1] )
و هذه الروایة صحیحة سنداً و دلالتها على حجّیة الاستصحاب تامّة، حیث قال الإمام: «فَإِنَّكَ أَعَرْتَهُ إِيَّاهُ وَ هُوَ طَاهِرٌ وَ لَمْ تَسْتَيْقِنْ أَنَّهُ نَجَّسَهُ»، فإنّ الإمام علّل طهارة الثوب بعد ردّه علیه بطهارته قبل إعارته إیاه و أشار إلى بقاء الحكم السابق إلى الیقین بالنجاسة، و دلالته على الاستصحاب تتوقّف على إلغاء خصوصیتین: الأولى: خصوصیة المقام من كون مورد السؤال هو خصوص الثوب المعار. و الثانیة: خصوصیة الطهارة التي تعلّق بها الیقین و الشك. و المحقّق النائیني التزم بإلغاء الخصوصیتین و لكن المحقّق الخوئي قال باختصاص حجّیة الاستصحاب في هذه الروایة بباب الطهارة، و هذا واضح الدفع و لا أقل من إلغاء الخصوصیة بقرینة سائر الروایات الدالّة على الاستصحاب فهذه الصحیحة أیضاً تدلّ على حجّيته.
القسم الثاني: روايات أصالتي الحلّ و الطهارة التي استفيد منها الاستصحاب
و هي طوائف ثلاث من الروایات:
الطائفة الأولی: روایات الحلّ ([2] )
منها صحیحة عبد الله بن سنان:
محمّد بن علي بن الحسین بإسناده([3] ) عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: «كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ أَبَداً حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ».([4] )
و منها موثقة مسعدة بن صدقة:
[محمّد بن یعقوب] عن عليّ بن إبراهیم عن هارون بن مسلم [إمامي جلیل] عن مسعدة بن صدقة([5] ) عن أبي عبد الله قال: سمعته یقول: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِك ...».([6] )
الطائفة الثانیة: ما دلّ على قاعدة الطهارة
و هي موثقة عمّار:
[محمّد بن الحسن] بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی [الأشعري ] عن أحمد بن الحسن [بن علي بن فضال] عن عمرو بن سعید [المدائني] عن مصدق بن صدقة عن عمّار بن موسی [الساباطي] عن أبي عبد الله في حدیث قال: «كُلُّ شَيْءٍ نَظِيفٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ، فَإِذَا عَلِمْتَ فَقَدْ قَذِرَ، وَ مَا لَمْ تَعْلَمْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ».([7] )
و أحمد بن الحسن بن علي بن فضال فطحي ثقة و كذا عمرو بن سعید المدائني و مصدق بن صدقة و عمّار بن موسی الساباطي إلّا أنّ الأخير منهم لانأخذ بما تفرّد به خصوصاً إذا تعارض مع روایة أخری، و روایاته قد تكون مضطربة.
الطائفة الثالثة: ما دلّ على طهارة الماء
«[محمّد بن الحسن] بإسناده عن سعد بن عبد الله [الأشعري القمي] عن محمّد بن الحسین بن أبي الخطّاب [ثقة جلیل القدر إمامي] عن أبي داود المُنْشِد [و هو سفیان بن سلیمان أبو داود المُنْشِد المُسْتَرِق من ثقات الإمامیة] عن جعفر بن محمّد [بن یونس الأحول من ثقات الإمامیة] عن یونس [و الظاهر أنّه یونس بن عبد الرحمن بقرینة روایته عن حماد بن عثمان و یونس بن عبدالرحمن] عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله قال: الْمَاءُ كُلُّهُ طَاهِرٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ».([8] )
بیان احتمالات سبعة في هذه الروایات
قبل الورود في البحث لابدّ من الكلام حول محتملات هذه الروایات، فإنّ المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي قالا: إنّ الاحتمالات المتصوّرة في كلّ واحدة من هذه الروایات سبعة:
الاحتمال الأوّل: اختصاصها بالحكم الواقعي.
الاحتمال الثاني: اختصاصها بالحكم الظاهري و هو مختار المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي، و المشهور على ما نقله المحقّق النائیني.([9] )
الاحتمال الثالث: اختصاصها بالاستصحاب.
الاحتمال الرابع: شمولها للطهارة الواقعیة و الظاهریة.
الاحتمال الخامس: شمولها للطهارة الواقعیة و الاستصحاب، و هذا مختار صاحب الكفایة في كفایة الأصول.
الاحتمال السادس: شمولها للطهارة الظاهریة و الاستصحاب، و هذا مختار صاحب الفصول.
الاحتمال السابع: شمولها للطهارة الواقعیة و الظاهریة و الاستصحاب (و هذا مختار صاحب الكفایة في تعليقته على الرسائل.([10] )
التحقیق في هذه الاحتمالات
أمّا الاحتمالات الأوّل و الثالث([11] ) و الرابع فلمنجد لها قائلاً كما صرّح بذلك المحقّق النائیني.
الاحتمالان الرابع و السابع ([12]
)
إشكالات ثلاثة في شمول الروایات للطهارة الواقعیة و الظاهریة
أمّا الجمع بین الطهارة الواقعیة و الظاهریة (كما هو صریح الاحتمال الرابع و السابع) فقد أشكل عليه المحقّق النائیني بإشكالات ثلاثة:
الإشكال الأوّل
إنّ الشيء الذي حكم علیه بالحلّیة (و الطهارة) - سواء أرید منه الموضوعات الخارجیة كما في قوله:«كُلُّ شَيءٍ طَاهِر» أو الأفعال الخارجیة حتّی لایكون الحكم مختصّاً بالأفعال التي لها تعلّق بالموضوعات الخارجیة بل یكون ثابتاً لها و لغیرها- إمّا یراد منه الشيء بما هو أي بعنوانه الأولي الذاتي أو بعنوانه الثانوي الطارئ علیه من كونه مشكوك الحكم.
و على الأوّل فلا ریب في أنّ الحكم الثابت له یكون حكماً واقعیاً یشترك فیه الجاهل و العالم و یكون حینئذٍ من العمومات المخصّصة بما ثبت فیه الحرمة أو النجاسة.
و على الثاني یكون الحكم الثابت له حكماً ظاهریاً لوحظ موضوعه مشكوك الحكم بما هو كذلك.
و بالجملة الشيء بما هو من دون لحاظ كونه مشكوك الحكم لایمكن فیه إلا الحكم بطهارته أو حلّیته الواقعیتین، كما أنّه بما هو مشكوك الحكم -الذي هو فرع ثبوت حكم یشك فیه- لایمكن فیه إلا الحكم بالطهارة الظاهریة أو الحلّیة كذلك، فموضوع الحكم الواقعي و نفسه متقدّم رتبة على كلّ من موضوع الحكم الظاهري و نفسه [أي نفس الحكم الواقعي أیضاً متقدّم رتبة على نفس الحكم الظاهري بمرتبتین، المرتبة الأولى هي مرتبة الحكم الواقعي و المرتبة الثانیة مرتبة الشك في الحكم الواقعي و المرتبة الثالثة مرتبة الحكم الظاهري، فالحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتین، و هكذا موضوع الحكم الظاهري أیضاً متأخر عن موضوع الحكم الواقعي بمرتبتین إذ المرتبة الأولى مرتبة موضوع الحكم الواقعي و المرتبة الثانیة مرتبة نفس الحكم الواقعي و المرتبة الثالثة مرتبة الشك في الحكم الواقعي الذي هو موضوع الحكم الظاهري].
و مع ذلك كیف یمكن أن یكون المراد من "الشَيء" هو الشيء بعنوانه الأولي و بعنوانه الثانوي معاً و [كیف یمكن أن یكون المراد] من الحكم الثابت له هو الحكم الواقعي و الظاهري كذلك؟ ...
ثم إنّه ... كیف یمكن أن یكون قوله "طَاهِر" أو "حَلال" متكفّلاً للحكم الظاهري و الواقعي معاً؟ فإنّ الحكم الواقعي لتأخّر الحكم الظاهري عنه بمرتبتین لابدّ و أن یكون مفروض الوجود في ظرف ثبوت الحكم الظاهري، فكیف یمكن إنشاؤهما معاً في زمان واحد؟([13] )
جواب المحقّق الخوئي عن هذا الإشكال
هذا الإشكال لا دافع له على مسلك صاحب الكفایة و المحقّق النائیني و من وافقهما في أنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ، فإنّه لایمكن إیجاد شيئین یكون أحدهما في طول الآخر بجعل واحد و إنشاء فارد.
و أمّا على ما سلكناه من أنّ الإنشاء لیس بمعنی إیجاد المعنی باللفظ، إذ لیس اللفظ، إلا وجوداً لنفسه، و المعنی اعتبار نفساني، لایكون اللفظ موجداً له بل هو مبرز له، و لا فرق بین الخبر و الإنشاء من هذه الجهة، فكما أنّ الخبر مبرز لأمر نفساني، فكذا الإنشاء، إنّما الفرق بینهما في المبرَز (بالفتح) فإنّ المبرَز في الإنشاء مجرّد اعتبار نفساني و لیس وراءه شيء لیتّصف بالصدق و الكذب و هذا بخلاف الجملة الخبریة، فإنّ المبرَز بها هو قصد الحكایة عن شيء في الخارج فهنا شيء وراء القصد و هو المحكي عنه و باعتباره یكون الخبر محتملاً للصدق و الكذب ... فلا مانع من أن یبرز حكمین [في الجملة الإنشائیة] یكون أحدهما في طول الآخر بلفظ واحد بأن یعتبر أوّلاً الحكم الواقعي لموضوعه ثم یفرض الشك فیه فیعتبر الحكم الظاهري و بعد هذین الاعتبارین یبرز كلیهما بلفظ واحد و لایلزم منه محذور. ([14] )
جواب آخر عن هذا الإشكال
إنّ الروایات المذكورة هنا في مقام الإخبار عن الأحكام الشرعیة، لا إنشائها و لا محذور في الإخبار عن الحكم الواقعي و الحكم الظاهري بجملة واحدة، خصوصاً مع ما تقدّم في مبادي علم الأصول من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد.