45/07/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ الروایة الثانیة؛ الأمر الثاني: دلالة هذه الصحیحة علی حجیة الاستصحاب
الأمر الثاني: دلالة هذه الصحیحة على حجّیة الاستصحاب
قد تقدّم أنّ في الصحیحة فقرات تدلّ على حجّیة الاستصحاب و هي ما أجیب فیها عن السؤال الثالث و الرابع و السادس، إلا أنّ الجواب في السؤال الثالث و السادس مشتمل على نفس قاعدة لاتنقض الیقین بالشك و الجواب في السؤال الرابع مبني علیه.
و دلالة هذه الصحیحة على حجّیة الاستصحاب أظهر من الصحیحة الأولى، لصراحتها في التعلیل حیث قال الإمام: «لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ ...» و لأنّ قوله: «فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ» یُشیر إلى أنّ ذلك قاعدة كلّیة تلزم رعایتها و تطبیقها على صغریاتها و لاینبغي إهمالها.
الموضع الأول: دلالة الفقرة الثالثة على حجّیة الاستصحاب
بیان صاحب الكفایة ([1] )
إنّ دلالة هذه الفقرة الثالثة على حجّیة الاستصحاب مبتنیة على أن یكون المراد من «الیقین» في قوله: «لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ» هو الیقین بالطهارة قبل ظنّ الإصابة، لا الیقین الحاصل بالنظر و الفحص بعده.
توضیح ذلك: إنّ الیقین في هذه الفقرة یحتمل وجهین:
الوجه الأوّل: أن یكون المراد من الیقین هو الیقین بالطهارة قبل حصول الظنّ بالإصابة فإنّ الراوي یفرض أنّه بعد حصول ذلك الظنّ نظر إلى الثوب حتّی یری النجاسة و لمیجدها و لذلك قال: «فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئاً»، و معنی ذلك هو أنّه بعد النظر لمیحصل له العلم بالإصابة، فقوله:«لم أرَ» إشارة إلى عدم العلم بالإصابة و عدم العلم هو الشك، و هذا هو المراد من الیقین و الشك في هذه الصحیحة.
و على أيّ حال فالمراد من الیقین هنا هو الیقین الحاصل قبل ظنّ الإصابة و الإمام نهى عن نقضه بالشك الحاصل بالظنّ بالإصابة، و هذا البیان ینطبق على الاستصحاب، فإنّ الیقین و الشك متعلّقان بالطهارة مع سبق زمان المتیقّن على زمان المشكوك.
الوجه الثاني: أن یكون المراد من الیقین هو الیقین الحاصل بعد حصول الظنّ بالنجاسة و النظر في الثوب و عدم وجدان النجاسة حیث قال:«فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئاً» كفایةً عن حصول العلم بعدم النجاسة.
والفرق بین الاحتمالین هو أنّه في الاحتمال الأوّل قد افتتح الصلاة مع الشك في نجاسة ثوبه المسبوقة بطهارته و في الاحتمال الثاني قد افتتحها مع العلم بعدم نجاسته المسبوقة بالظنّ فیها مع أنّ هذا الظنّ أیضاً مسبوق بالعلم بالطهارة.
و حینئذٍ إذا رأی النجاسة بعد إتمام الصلاة یكون رؤیتها موجباً لتخطئة الیقین الذي كان حاصلاً بعد الظنّ بالإصابة و النظر أو الفحص عن النجاسة، و هذا شأن قاعدة الیقین و ذلك لأنّ الیقین بالطهارة في قاعدة الاستصحاب لیس منتقَضاً بمعنی كونه خاطئاً و لو بالنسبة إلى الزمان السابق، بل الیقین بالطهارة السابقة في الاستصحاب صادق و لیس كاذباً بخلاف الیقین بالطهارة في قاعدة الیقین فإنّه منتقَض بمعنی أنّه كان كاذباً.
و الحاصل أنّ صاحب الكفایة یقول لو استظهرنا الاحتمال الأوّل فهذه الفقرة تدلّ على حجّیة الاستصحاب و لكن لو استظهرنا الاحتمال الثاني فهذه الفقرة تدلّ على حجّیة قاعدة الیقین.
و لكن صاحب الكفایة ذهب إلى أنّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل و لذلك قال بدلالة هذه الفقرة على حجّیة الاستصحاب.
مناقشة المحقّق الخوئي في بیان صاحب الكفایة
إنّ قاعدة الیقین قوامها بأمرین: الأوّل: الیقین السابق، و الثاني: الشك الساري بمعنی سریان الشك إلى ظرف المتیقّن، كما إذا علمنا یوم الجمعة بعدالة زید یوم الخمیس ثم شككنا في عدالته یوم الخمیس لاحتمال كون علمنا السابق جهلاً مركّباً، و كلا الأمرین مفقود في المقام.
أمّا الشك ففقدانه واضح، لأنّ المفروض هو العلم بوقوع الصلاة مع النجاسة فلیس هناك شك.
و أمّا الیقین فإن كان المراد منه الیقین بطهارة الثوب قبل عروض الظنّ بالنجاسة فهو باقٍ بحاله و لمیتبدّل بالشك، فإنّ المكلّف في فرض السؤال یعلم بطهارة ثوبه قبل عروض هذا الظنّ.
و إن كان المراد هو الیقین بعد الظنّ المذكور بأن كان قد ظنّ بالنجاسة فنظر و لمیجدها فتیقّن بالطهارة، فهذا الیقین غیر مذكور في الحدیث الشریف، و مجرد النظر و عدم الوجدان لایدلّ على أنّه تیقّن بالطهارة، فالصحیحة أجنبیة عن قاعدة الیقین و ظاهرة في الاستصحاب. ([2] )
مناقشة شارح الوافیة في تطبیق الاستصحاب على المورد
إنّ السیّد الصدر شارح الوافیة ناقش([3] ) في تطبیق قاعدة «لاتنقض الیقین بالشك» على مورد الروایة، بیانه:
إنّ الظاهر من الروایة هو تعلیل عدم وجوب الإعادة بحرمة نقض الیقین بالشك و لازم ذلك هو أن یكون الإعادة مصداقاً لنقض الیقین بالشك، مع أنّ الإعادة لیست نقضاً للیقین بالشك حتّی یحكم الشارع بحرمته بل هي من مصادیق نقض الیقین بالیقین، لأنّ المكلّف قد حصل له العلم بالنجاسة و بوقوع صلاته في الثوب المتنجّس، فالإعادة نقض للیقین بالطهارة بالیقین بالنجاسة، فالتعلیل المذكور في الروایة لاینطبق على مورد الروایة لأنّ التعلیل لابدّ و أن یكون كبری كلّیة ینطبق علیه مورد الروایة، و لو صحّ انطباق التعلیل هنا لابدّ أن یقال: «الإعادة نقض للیقین بالطهارة بالشك فیها» و «نقض الیقین بالشك منهي عنه» فانضمام هذه الكبری إلى الصغری ینتج «إنّ الإعادة منهي عنها»، و معنی النهي عن الإعادة هو عدم لزومها. و لكنّا نری عدم تمامیة الصغری، فهذا القیاس مخدوش في المقام لعدم انطباق الكبری و هو التعلیل في الروایة على الصغری.
نعم، یصحّ أن یكون التعلیل المذكور في الروایة، علّة لجواز الدخول في الصلاة و ذلك لأنّ زرارة كان متیقّناً بالطهارة و بعد ذلك فقد شك فیها فهو عند افتتاح الصلاة ینطبق علیه التعلیل، فإنّ عدم جواز الدخول في الصلاة بالنسبة إلى زرارة إنّما هو من باب نقض یقینه بالشك و الشارع نهاه عن ذلك و قال: «لَاتَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» و معنی ذلك هو جواز دخوله في الصلاة.
أجوبة ثلاثة عن مناقشة شارح الوافیة
الجواب الأوّل من صاحب الكفایة
لایكاد یمكن التفصّي عن هذا الاشكال إلا بأن یقال: إنّ الشرط في الصلاة فعلاً حین الالتفات إلى الطهارة [الخبثیة] هو إحرازها و لو بأصل أو قاعدة، لا نفسها [أي الطهارة حتّی تبطل الصلاة بفقدانها، كما تبطل الصلاة بفقدان الطهارة الحدثیة]. ([4] )
و بعبارة أخری إنّ الطهارة الخبثیة لیست شرطاً واقعیاً للصلاة كالطهارة الحدثیة بل هي شرط علمي، فالصلاة كانت واجدة لشرطها، لأنّه قد افتتح الصلاة و أتمّها مع إحراز الطهارة عن الخبث.([5] )
الجواب الثاني من شریف العلماء
إنّ شریف العلماء على ما نسب إلیه قد وجّه التعلیل المذكور في الصحیحة بأنّ ذلك التعلیل یستقیم بملاحظة «قاعدة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء»، فالصحیحة بتعلیلها تدلّ على اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء، لأنّه على أساس إجزاء الأمر الظاهري في المقام تكون الطهارة الظاهریة المحرزة بالاستصحاب مجزیاً عن الطهارة الواقعیة.([6] )
لایخفی أنّه في مصباح الأصول قد اشتبه الأمر عليه فأسند هذا الجواب إلى الشیخ الأعظم الأنصاري مع أنّ الشیخ لمیرض بهذا الجواب و لذا أشكل عليه.