45/07/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ الروایة الثانیة: الصحیحة الثانیة لزرارة
الرواية الثانية: الصحیحة الثانیة لزرارة
الشيخ محمد بن الحسن الطوسي بإسناده([1] ) عن الحسین بن سعید عن حماد [بن عیسی] عن حَریز [بن عبد الله السجستاني] عن زرارة قال:
«[السؤال الأوّل:] قُلْتُ: أَصَابَ ثَوْبِي دَمُ رُعَافٍ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مَنِيٍّ فَعَلَّمْتُ أَثَرَهُ إِلَى أَنْ أُصِيبَ لَهُ مِنَ الْمَاءِ فَأَصَبْتُ وَ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَ نَسِيتُ أَنَّ بِثَوْبِي شَيْئاً وَ صَلَّيْتُ ثُمَّ إِنِّي ذَكَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: تُعِيدُ الصَّلَاةَ وَ تَغْسِلُهُ.
[السؤال الثاني:] قُلْتُ: فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ مَوْضِعَهُ وَ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُ فَطَلَبْتُهُ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَمَّا صَلَّيْتُ وَجَدْتُهُ، قَالَ: تَغْسِلُهُ وَ تُعِيدُ.
[السؤال الثالث:] قُلْتُ: فَإِنْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُ وَ لَمْ أَتَيَقَّنْ ذَلِكَ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئاً ثُمَّ صَلَّيْتُ فَرَأَيْتُ فِيهِ؟ قَالَ: تَغْسِلُهُ وَ لَاتُعِيدُ الصَّلَاةَ.
قُلْتُ: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ ثُمَّ شَكَكْتَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَداً.
[السؤال الرابع:] قُلْتُ: فَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُ وَ لَمْ أَدْرِ أَيْنَ هُوَ فَأَغْسِلَهُ؟ قَالَ: تَغْسِلُ مِنْ ثَوْبِكَ النَّاحِيَةَ الَّتِي تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهَا حَتَّى تَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ.
[السؤال الخامس:] قُلْتُ: فَهَلْ عَلَيَّ إِنْ شَكَكْتُ فِي أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٌ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ؟ قَالَ: لَا، وَ لَكِنَّكَ إِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تُذْهِبَ الشَّكَّ الَّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِكَ.
[السؤال السادس:] قُلْتُ: إِنْ رَأَيْتُهُ فِي ثَوْبِي وَ أَنَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: تَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَ تُعِيدُ إِذَا شَكَكْتَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْتَهُ وَ إِنْ لَمْ تَشُكَّ ثُمَّ رَأَيْتَهُ رَطْباً قَطَعْتَ الصَّلَاةَ وَ غَسَلْتَهُ ثُمَّ بَنَيْتَ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّكَ لَاتَدْرِي لَعَلَّهُ شَيْءٌ أُوقِعَ عَلَيْكَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ».([2] )
الأمر الأول: محتوی الأسئلة الستة في الصحيحة
قد اشتملت الصحيحة على أحكام شرعیة متعدّدة ضمن الأسئلة الستّة:
أمّا السؤال الأوّل فهو عن حكم الصلاة إذا وقعت في الثوب المتنجّس مع النسیان و أجاب الإمام بوجوب الإعادة و الغسل.
أمّا السؤال الثاني فهو عن حكم الصلاة إذا وقعت في الثوب المعلوم إجمالاً نجاسته و لو مع عدم معلومیة محلّ النجاسة تفصیلاً فأجاب الإمام بوجوب الغَسل و الإعادة.
أمّا السؤال الثالث فهو عن حكم الصلاة إذا وقعت في الثوب الذي یظنّ نجاسته مع الفحص عنها و عدم العثور عليها و العثور عليها بعد الصلاة، فأجاب الإمام بوجوب الغَسل و صحّة الصلاة، و زرارة قد سأل عن وجه صحّة الصلاة فعلّله الإمام بكفایة إحراز الطهارة قبل الصلاة في صحّتها فقال: «لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ ثُمَّ شَكَكْتَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَداً» و هذه الجملة هي العبارة الأولى التي نستدلّ بها على حجّیة الاستصحاب و عدم جواز نقض الیقین بالشك بناءً على توسعة الشك و شموله للظنّ كما في المقام.
أمّا السؤال الرابع فهو عن الغَسل فیما علم إجمالاً بإصابة النجاسة مع عدم العلم التفصیلي بمحلّها، فأجاب الإمام بوجوب غسل الناحية التي علم إجمالاً بنجاستها حتّی یحصل العلم التفصیلي بغسل موضع النجاسة و یكون على یقین بالطهارة، فلایكفي الغَسل بمقدار ارتفاع العلم الإجمالي بالنجاسة.
و هذه الجملة أیضاً تُشیر إلى حجّیة الاستصحاب، حیث أنّ الحالة السابقة هي نجاسة الثوب فلابدّ من ارتفاعها یقیناً و لایكفي الشك في ارتفاعها بغسل بعض المقدار.
أمّا السؤال الخامس فهو عن وجوب الفحص و النظر عند الشبهة الموضوعیة لتحقّق النجاسة، فأجاب الإمام بعدم وجوب الفحص و النظر، و لكنّه یجوز إذا أراد ارتفاع الشك الذي وقع في نفسه و لعلّه من جهة أنّه قد یحصل العلم بالنجاسة بعد ملاقاة موضعه لسائر الأشیاء و الثیاب، فیقع في المشقّة من جهة تطهير ملاقي النجاسة.
ثم إنّ السؤال عن وجوب النظر بخصوصه دون الفحص، لأنّ الفحص یحتاج إلى مؤونة زائدة عن النظر و لكن عدم وجوب النظر ملازم لعدم وجوب الفحص، و عدم وجوب النظر یدلّ على عدم وجوب الفحص.
أمّا السؤال السادس فهو عن رؤیة النجاسة في الثوب في حال الصلاة فأجاب الإمام بالتفصیل بین صورتین و هناك صورة ثالثة غیر مذكورة في الروایة:
الصور الثلاث في السؤال السادس
الصورة الأولى: و قد عبّر عنها بالشك في موضع منه ثم رؤیته، و معنی ذلك بقرینة تقیید الشك بموضع منه و بقرینة مناسبة الحكم و الموضوع هو أنّه علم إجمالاً بوقوع النجاسة في الثوب و لكنّه شك في موضع إصابة النجاسة، فصلّى و رأی النجاسة في أثنائها، فلابدّ من تصویر العلم الإجمالي بوقوع النجاسة و إلا لو لمنقل بحصول العلم الإجمالي بالنجاسة فترجع هذه الصورة إلى السؤال الثالث مع تفاوت و هو حصول العلم بالنجاسة في الأثناء هنا و بعد الصلاة هناك و قد حكم الإمام في جوابه بوجوب الغسل و عدم وجوب الإعادة، مع أنّ الإمام حكم في الصورة الأولى من السؤال السادس بوجوب نقض الصلاة و الغَسل و الإعادة، و الشك البدوي یناسبه التفصیل بین عدم وجوب الإعادة كما في الصورة الثانیة و وجوب الإعادة كما في الصورة الثالثة، و على أيّ حال حمل هذه الصورة على الشك البدوي كما ذهب إلیه السیّد الصدر ([3] )خلاف الظاهر.
الصورة الثانیة: و هي أن لایشك في موضع النجاسة بل یشك في أصلها قبل الصلاة أم لمیلتفت إلیها قبل الصلاة ثم رآها في الثوب رطبة أثناء الصلاة بمعنی أنّه یحتمل عروضها أثناء الصلاة كما یحتمل عروضها قبل الصلاة، و الإمام حكم في هذه الصورة بعدم وجوب الإعادة بل الواجب هو غسل الثوب بكیفیة خاصّة بحیث لایلزم ما یوجب بطلان الصلاة مثل الاستدبار، و بعد الغسل و التطهير یبني على صلاته و علّله الإمام بقوله: «لِأَنَّكَ لَاتَدْرِي لَعَلَّهُ شَيْءٌ أُوقِعَ عَلَيْكَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ».
و هذه العبارة أیضاً ممّا نستدلّ به على حجّیة الاستصحاب، كما سیأتي إن شاء الله تعالى.
الصورة الثالثة: و هي أیضاً أن لایشك في موضع النجاسة حتّی یقال لازمه «حصول العلم الإجمالي بأصل النجاسة و الشك في موضع إصابة النجاسة» بل یشك في أصل تحقّق نجاسة الثوب قبل الصلاة و لكنّه بعد الشروع في الصلاة رأی النجاسة في أثنائها و علم بوقوع النجاسة في ثوبه قبل الصلاة أو لمیلتفت إلى النجاسة و لكنّه بعد الشروع في الصلاة رأی النجاسة في أثنائها و علم بوقوع النجاسة في ثوبه قبل الصلاة و الأمارة على وقوعها في الثوب قبل الصلاة هي كونها مثلاً یابسة.
استدلال المحقّق الخوئي على وجوب الإعادة في الصورة الثالثة
قال: التحقیق أنّ الصورة المذكورة [أي الثالثة] و إن كانت غیر مذكورة في صریح الروایة، إلا أنّها [أي الروایة] تدلّ على حكمها و هو وجوب الإعادة دلالة قویة، لأنّ الإمام علّل عدم وجوب الإعادة في الصورة الثانیة و هي صورة رؤیة النجاسة في الأثناء مع الشك في كونها قبل الصلاة، باحتمال عروض النجاسة في الأثناء، و قال: «لَعَلَّهُ شَيْءٌ أُوقِعَ عَلَيْكَ» فیدلّ على وجوب الإعادة مع العلم بكونها قبل الصلاة، و كذا قوله بعد التعلیل المذكور: «فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» فإنّ ظاهره أنّ عدم وجوب الإعادة إنّما هو للشك في كونها قبل الصلاة، فیدلّ على وجوب الإعادة مع العلم بكونها قبل الصلاة. ([4] )
و الظاهر تمامیة ما أفاده، و ما قیل من: «أنّ الحكم هنا عدم وجوب الإعادة، معلّلاً بعدم الفرق فیما كانت النجاسة قبل الصلاة بین حصول العلم بها بعد الصلاة و في أثنائها، فكما یحكم بعدم وجوب الإعادة فیما حصل العلم بها بعد إتمام الصلاة یحكم بعدم الإعادة فیما حصل العلم بها في الأثناء»([5] ) فلایمكن المساعدة علیه. هذا تمام الكلام بالنسبة إلى هذه الأسئلة.