45/07/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ الوجه الثانی لالغاء الخصوصیة من الروایة الإولی من القسم الأول
الوجه الثاني: من جهة كلمة الیقین
قد تقدّم هذا الوجه و هو أنّ الیقین و الشك من الصفات ذات الإضافة، فلابدّ من ذكر المتعلّق عند ذكرهما، فالتقیید بالوضوء في الصحیحة من جهة الموردیة لا من جهة مقوّمیة الخصوصیة.([1] )
یلاحظ علیه
أوّلاً: إنّ هذا الوجه لایثبت عدم دخل الخصوصیة بل یدلّ على عدم إثبات دخل الخصوصیة، و إلغاء الخصوصیة متوقّف على إثبات عدم دخل الخصوصیة، و أمّا مع عدم إثبات دخل الخصوصیة فلابدّ من الرجوع إلى مقتضى القاعدة فهذا الوجه بنفسه لایتمّ، إلا أن یدلّ مقتضى القاعدة عند التردید بین الموردیة و المقوّمیة على إلغاء الخصوصیة، و سیجيء الكلام حوله إن شاء الله تعالى([2] ).
ثانیاً: إنّ الیقین و إن كان من الصفات ذات الإضافة إلا أنّ احتیاجها إلى المتعلّق هو عند تحقّقها الخارجي لا تحقّقها المفهومي. و بعبارة أخری ما یحتاج إلى المتعلّق هو الیقین بالحمل الشائع لا الیقین بالحمل الأوّلي، و لذلك نری كثیراً استعمال الیقین و الشك من دون ذكر متعلّقهما، و من تلك الموارد هو استعمال الیقین و الشك في بعض الروایات مثل روایة الخصال([3] ) و أیضاً مثل استعمالها عند ذكر القاعدة الكلّیة حیث نقول قاعدة لاتنقض الیقین بالشك.
الوجه الثالث: من جهة كلمة «النقض»
و قد تقدّم هذا الوجه و هو أنّ كلمة النقض تستعمل فیما كان متعلّقه أمراً مبرماً مستحكماً، فإنّ الیقین أمر مبرم و الشك أمر غیر مبرم، و لایجوز نقض الأمر المبرم مثل الیقین بالأمر غیر المبرم مثل الشك، و هذه كقاعدة كلّیة لاتختصّ بباب الوضوء.
یلاحظ علیه
إنّ ذلك لایتمّ إلا مع القطع بكشف الملاك و المناط، بأن یقال إنّا نقطع بأنّ المناط في نهي الشارع عن نقض الیقین هو أنّ الیقین أمر مستحكم و مبرم فلایمكن نقضه بأمر غیر مبرم و لكن تنقیح هذا المناط و القطع به مجرّد استحسان ذوقي و لا سبیل لحصول القطع به. غایة الأمر جعله مؤیّداً للمطلوب لا دلیلاً علیه.
مضافاً إلى أنّ الواقع خلاف ذلك لأنّ الیقین و إن كان أمراً مبرماً مستحكماً إلا أنّه صفة نفسانیة قد انتقضت خارجاً بالشك الذي هو أمر غیر مبرم، و عدم انتقاضه تعبّداً غیر عدم انتقاضه واقعاً.
الوجه الرابع: من جهة كلمة «أبداً»
إنّ كلمة «أبداً» تشير إلى أنّ عدم نقض اليقين بالشك قاعدة كلّیة، لابدّ من رعایتها في جمیع الموارد بل ادّعی بعض الأعلام كالمحقّق الخوئي ارتكازیة هذه القاعدة من غیر التزامه بأنّ حجّیتها من باب السیرة العقلائیة خلافاً للمحقّق النائیني حیث قال بارتكازیّتها و التزم بالسیرة العقلائیة كما سیأتي إن شاء الله تعالى بیانه.([4] )
یلاحظ علیه
إنّه لایمكن الاستدلال على إلغاء الخصوصیة بهذا الوجه مستقلاً، لأنّ كلمة «أَبَداً» تُشعر و تشیر إلى أنّ عدم نقض اليقين بالشك قاعدة كلّیة في باب الوضوء. و أمّا أنّها عامّة لجمیع الأبواب فلایستفاد منها وحدها و لذا اضطرّ المحقّق الخوئي هنا إلى تتمیم هذا الوجه بارتكازیة تلك القاعدة، مع أنّه وجه آخر.
الوجه الخامس: ارتكازیة قاعدة لاتنقض الیقین بالشك
و هي قرینة خارجیة على إلغاء الخصوصیة، توضیحه:
إنّ المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي التزما بأنّ هذه، قاعدة كلّیة ارتكازیة عند العقلاء، و قال المحقّق الخوئي: إنّ ذلك لاینافي ما تقدّم من عدم تحقّق السیرة العقلائیة على العمل بالاستصحاب.
و إلیك نصّ عبارته:
إنّ قاعدة عدم جواز نقض الیقین بالشك قاعدة ارتكازیة مسلّمة، فإنّ الیقین و الشك بمنزلة طریقین یكون أحدهما مأموناً من الضرر و الآخر محتمل الضرر، فإذا دار الأمر بینهما لا إشكال في أنّ المرتكز هو اختیار الطریق المأمون.
و ما أنكرناه سابقاً إنّما هو تطبیق هذه الكبری الكلّیة على الاستصحاب، لعدم صدق نقض الیقین بالشك عرفاً، لأنّ الیقین متعلّق بالحدوث فقط و الشك متعلّق بالبقاء فلمیتعلّق الیقین بما تعلّق به الشك، حتّی لایجوز نقض الیقین بالشك، فلایصدق نقض الیقین بالشك عرفاً.
فتطبیق هذه الكبری الارتكازیة على الاستصحاب إنّما هو بالتعبّد الشرعي لأجل هذه الصحیحة و غیرها من الروایات الآتیة، و لا مانع من كون الكبری مسلّمةً ارتكازیة، مع كون بعض الصغریات غیر واضحة. ([5] )
یلاحظ علیه
أمّا ارتكازیة بناء العقلاء على طبق الحالة السابقة فقد تقدّم([6] ) الإشكال علیه، عند استدلال المحقّق النائیني على حجّیة الاستصحاب بالسیرة العقلائیة فلانعیده.
أمّا ارتكازیة قاعدة «عدم جواز نقض الیقین بالشك»، فإن كان المراد منها ما یرجع إلى قاعدة الیقین بمعنی تعلّق الیقین بنفس ما تعلّق به الشك ذاتاً و زماناً، فلانسلّم ارتكازیته.
و إن كان المراد منها هو أنّ الأمر قد یتردّد بین حصول الیقین بالشيء و حصول الشك به فحینئذٍ لایجوز اختیار الشك بل لابدّ من اختیار الیقین حتّی یكون طریقاً قطعیاً مأموناً عن الضرر، فلانسلّم حینئذٍ تسمیة هذه القاعدة الارتكازیة بعدم جواز نقض الیقین بالشك، فإنّ هنا لایصدق النقض و لا معنی له.
مضافاً إلى أنّ تطبیق هذه القاعدة الكلّیة الارتكازیة على الاستصحاب إنّما هو بالتعبّد الشرعي كما أفاده، و لابدّ في هذا التعبّد من دلالة الدلیل، فإذا دلّ الدلیل على التعبّد المذكور في خصوص باب الوضوء فلایجوز التعدّي منه إلى سائر أبواب الفقه، فهذا الوجه لایدلّ على لزوم إلغاء الخصوصیة عن الوضوء، لأنّ المقام لیس من صغریات هذه القاعدة الارتكازیة.
الوجه السادس: عموم حكم العقل
و هذا أیضاً قرینة خارجیة على إلغاء الخصوصیة.
توضیحه: إنّ القائلین بحجّیة الاستصحاب من باب إفادة الظنّ ذهبوا إلى أنّ ملاحظة الحالة السابقة توجب إفادة الظنّ، و قد تقدّم أنّ لهم منهجین لإثبات إفادة الظنّ: إمّا بنفسه و إمّا من باب إلحاق المورد بالأغلب، و حیث أنّهم ذهبوا إلى حجّیة الظنّ المذكور، كما صرّح بعضهم بذلك من باب الانسداد، فینتج لهم حجّیة الاستصحاب، و هذا البیان لایختصّ بباب الوضوء بل یجري في جمیع الأبواب فالقائلون بحجّیة الاستصحاب من باب حكم العقل، لایرون لتقیید الیقین بالوضوء خصوصیة، فیجب عندهم إلغاء الخصوصیة.
یلاحظ علیه
إنّه قد تقدّم([7] ) بطلان هذه المقالة، أمّا من حیث الصغری فقلنا إنّ ملاحظة الحالة السابقة لاتوجب بنفسها إفادة الظنّ. نعم إنّها قد تفید الظنّ من باب إلحاقه بالأغلب، و أمّا من حیث الكبری فقلنا بعدم حجّیة الظنّ المذكور إلا عند القائلین بانسداد باب العلم و لكنّا لانلتزم بذلك.
فتحصّل أنّه لایمكن لنا إلغاء الخصوصیة بهذا الوجه.
و بالنتیجة: إنّ الوجه في إلغاء الخصوصیة عن تقیید الیقین بالوضوء هو الوجه الأوّل، أمّا سائر الوجوه فلاتتمّ عندنا.
المطلب الثاني: مقتضی القاعدة عند الشك في مقوّمیة الخصوصیة
إنّه لو شككنا في مدخلیة التقیید بالوضوء في الیقین، فما هو مقتضی القاعدة؟
نظریة المحقّق الإصفهاني
إذا لمیمكن إثبات الخصوصیة و لا إلغاؤها، و تردّد أمرها بین الموردیة و المقوّمیّة فإن قلنا بأنّ القدر المتیقن في مقام التخاطب یمنع عن انعقاد الإطلاق فلایمكن إثبات الاستغراق في الجنس [فیختصّ الیقین بباب الوضوء]، و إن لمنقل بذلك فمع تمامیة مقدمات الحكمة یمكن إثبات الإطلاق و الاستغراق [و نتیجة الإطلاق و الاستغراق في الجنس هي عمومیة الیقین و عدم اختصاصه بباب الوضوء].
و ممّا ذكرنا تبیّن أنّ إثبات كون اللام للإشارة إلى الجنس لا معنی له مع استظهار الخصوصیة كما هو الأصل في ذكر القید، لما عرفت من تبعیة الكلّیة للجملة الشرطیة.
كما أنّ كون اللام للعهد لایضرّ مع إلغاء الخصوصیة، فإنّ المعهود حینئذٍ نفس الیقین بما هو یقین، لا بما هو یقین بالوضوء.
نعم بناء على الإجمال و عدم مانعیة القدر المتیقّن في مقام التخاطب، یفید كون اللام للاشارة إلى الجنس، فإنّه حینئذٍ یثبث الاستغراق بضمیمة الحكمة. ([8] )
إیراد على نظریة المحقق الإصفهاني
یمكن أن یتوهّم هنا عدم تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهاني من جهة أنّ الأصل في القیود استظهار الخصوصیة، كما أشار إلیه أیضاً في خلال نظریته، و لازم ذلك هو أنّ التقیید بالوضوء إنّما هو للاحتراز عن البناء على العمل على طبق الحالة السابقة في غیر باب الوضوء. نعم إنّ ما أفاده یتمّ بالنسبة إلى سبب الشك فإنّه في خصوص المورد هو الشك في تحقّق النوم الناقض و إذا شككنا في موردیته أو مقوّمیته، فالقاعدة عند القول بعدم مانعیة القدر المتیقّن في مقام التخاطب عن الإطلاق هي إلغاء الخصوصیة عن سبب الشك و عدم اختصاصه بباب النوم.
جواب عن هذا الإیراد
إنّ الكلام قد یقع فیما لمیرد ما یحتمل قرینیته لعدم الخصوصیة و حینئذٍ إنّ الأصل هو استظهار الخصوصیة، و أمّا إذا ورد في المقام أو في نفس الروایة ما یحتمل قرینیته لعدم خصوصیة القید، فحینئذٍ یكون الكلام مجملاً مردّداً بین موردیة القید و مقوّمیته فإذا قلنا بعدم مانعیة القدر المتیقّن في مقام التخاطب عن الإطلاق، فینتج استغراق جنس الیقین و عدم خصوصیة الوضوء.([9] )