45/07/05
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب / الفصل الأول؛ الدلیل الرابع: الاخبار المستفیضة؛ الامر الثانی فی دلالة هذه الصحیحة
الأمر الثاني: في دلالة هذه الصحیحة
هنا ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: سؤالان تشتمل علیهما الصحیحة
إنّ هذه الروایة الصحیحة تشتمل على سؤالین عن الإمام، كلّ منهما یرتبط بالآخر:
السؤال الأوّل: هل يبطل الوضوء بالخفقة أو الخفقتان؟
و هو عن الشبهة الحكمیة، و قد احتملوا فیه وجهین:
الأوّل: أن یكون منشأ السؤال هو الشبهة المفهومیة، و معنی ذلك هو أنّ زرارة لایعلم أنّ الخفقة و الخفقتین من النوم مفهوماً، حتّی یكون مبطلاً.
الثاني: أن یكون منشأ السؤال هو عدم علمه بالمرتبة المشخّصة من النوم التي هي موضوع للحكم ببطلان الوضوء، و معناه هو أنّ زرارة یعلم أنّ النوم مبطل للصلاة إجمالاً و لكن لایعلم أي مرتبة من مراتب النوم ناقض للوضوء.
و هذا الوجه الثاني هو الاحتمال الصحیح، لأنّ الظاهر من الروایة هو أنّ المفروض في السؤال تحقّق النوم و لذا قال زرارة: «الرجل ینام»، كما أنّ المفروض هو أنّ زرارة یعلم مبطلیة النوم للصلاة و هذا أیضاً لایمكن النقاش فیه. و لكن السؤال هو أنّ الخفقة و الخفقتین هل هما من مراتب النوم التي توجب بطلان الصلاة، و لذا نری أنّ الإمام أجاب عن ذلك ببیان تفصیل مراتب النوم من نوم العین فقط و نوم العین و الأذن و القلب.
بیان المحقّق الإصفهاني في وجه السؤال الأوّل
قال: لیس وجه السؤال كونهما [أي الخفقة و الخفقتین] من النواقض مستقلاً، مع القطع بعدم كونهما من النوم الناقض، و إلا لما كان لقوله "یَنام" و لتفصیل الإمام بین مراتب النوم، وجهٌ.
و كذا لیس الوجه صدق مفهوم النوم علیهما حقیقة، فإنّ السؤال عنه من الإمام المعدّ لتبلیغ الأحكام بعید جدّاً ... .
بل وجه السؤال الشك في اندراجهما في النوم الناقض، فالشبهة مفهومیة حكمیة، من حیث سعة الموضوع الكلّي للحكم و ضیقه. ([1] )
السؤال الثاني: هل تحريك شيء بجنبه و هو لايدري يكون نوماً؟
و هو عن الشبهة الموضوعیة، فإنّه بعد تبیین دائرة موضوع النوم الناقض و أنّه نوم العین و الأذن و القلب، قد تحصل للشخص حالة لایدري أنّها من مصادیق نوم الأذن و القلب أم لا، و في هذه الحالة قد یتحرّك في جنب الإنسان شيء و هو لایلتفت إلیه و لایحصل له العلم به و حینئذٍ یشك في تحقّق النوم الناقض.
و هنا أجاب الإمام بأنّه لایجب علیه الوضوء في هذه الحالة التي یشك فیها في تحقّق النوم الناقض حتّی یستیقن أنّه قد نام، حتّی یجيء من ذلك أمرٌ بیّن ثمّ قال الإمام: «وَ إِلّا [أي إن لمیستیقن أنّه قد نام] فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ، وَ لَايَنْقُضُ الْيَقِينَ أَبَداً بِالشَّكِّ.» ([2] )
الموضع الثاني: احتمالات أربعة في قوله «و إلا فإنّه على یقین من وضوئه»
قد اختلف الأعلام في تفسیر هذه الجملة، و المحتملات فیها أربعة:
الاحتمال الأوّل: أن یكون الجزاء محذوفاً و یكون قوله: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» علّة للجزاء المحذوف قامت مقامه.
و هذا مختار العلامة الأنصاري و صاحب الكفایة و المحقّق الخوئي.
الاحتمال الثاني: أن یكون «الجزاء هو نفس قوله: "فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ" بتأویل الجملة الخبریة إلى الجملة الإنشائیة، فمعنی قوله:"فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ" هو أنّه یجب البناء و العمل على طبق الیقین بالوضوء»([3] ) و هذا الاحتمال هو مختار المحقّق النائیني.
الاحتمال الثالث: أن تكون جملة: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ»تمهیداً و توطئةً للجزاء، و أمّا الجزاء فهو قوله: «وَ لَايَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ».
الاحتمال الرابع: أن تكون جملة: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» نفس الجزاء مع بقائها على معنی الخبریة.
فلابدّ من الكلام حول هذه الوجوه و المحتملات:
الاحتمال الأوّل
بیان الشیخ الأنصاري
قال الشیخ: إنّ جواب الشرط في قوله: "وَ إلّا فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ" محذوف [و الجزاء المحذوف هو "لایجب علیه الوضوء"] قامت العلّة مقامه لدلالتها علیه، و جعلها نفس الجزاء یحتاج إلى تكلّف و إقامة العلّة مقام الجزاء لاتحصى كثرةً في القرآن و غیره، مثل قوله تعالى: ﴿وَ إِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفَى﴾([4] ) و [قوله تعالى:] ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ﴾([5] ) [و الجزاء المحذوف: لاتضرّوا الله تعالى شیئاً] و [قوله تعالى:] ﴿مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾([6] ) [و الجزاء المحذوف: لایضرّ الله شیئاً] و [قوله تعالى:] ﴿مَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾([7] ) و [قوله تعالى:] ﴿فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾([8] ) و [قوله تعالى:] ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾([9] ) [و الجزاء المحذوف: فهو غیر مستبعد أو فلا عجب فیه] و [قوله تعالى:] ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ﴾([10] ) [و لعلّ الجزاء المحذوف: فلاتحزن] إلى غیر ذلك.
فمعنی الروایة: إن لمیستیقن أنّه قد نام، فلایجب علیه الوضوء، لأنّه على یقین من وضوئه في السابق، و بعد إهمال تقیید الیقین بالوضوء و جعل العلّة نفس الیقین، یكون قوله: «لَايَنْقُضُ الْيَقِينَ» بمنزلة كبری كلّیة للصغری المزبورة.([11] )
مناقشة المحقّق النائیني في الاحتمال الأوّل
قال: إنّه على هذا یلزم التكرار في الجواب و بیان حكم المسؤول عنه مرّتین بلا فائدة، فإنّ معنی قوله: «لَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ» عقیب قول السائل: «فَإِنْ حُرِّكَ إِلَى جَنْبِهِ شَيْءٌ» هو أنّه لایجب علیه الوضوء، فلو قدر جزاء قوله: «وَ إِلّا» بمثل «فلایجب علیه الوضوء» یلزم التكرار في الجواب، من دون أن یتكرّر السؤال، و هو لایخلو عن حزازة فاحتمال أن یكون الجزاء محذوفاً ضعیف غایته. ([12] )