45/06/27
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الأول؛ جواب الثالث عن المناقشة في حجیة السیرة
الجواب الثالث
ما أفاده المحقّق الخراساني في المقام من أنّ الآیات الناهیة عن العمل بما وراء العلم تصلح لكونها رادعة عن السیرة العقلائیة فیما نحن فیه، ینافي ما تقدّم منه في حجّیة الخبر الواحد من أنّ تلك الآیات لایمكن أن تكون رادعة عن الطریقة العقلائیة. ([1] )
توضیح ذلك:
إن ما أفاده المحقق الخراساني في مبحث حجّیة خبر الواحد یرجع إلى ثلاثة وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ هذه الآیات الناهیة وردت إرشاداً إلى عدم كفایة الظنّ في أصول الدین.([2] )
الوجه الثاني: إنّ الظنّ المنهي عنه في تلك الآیات الرادعة منصرف إلى خصوص الظنّ الذي لمیقم على اعتباره حجّة، فلاتعمّ الآیات الرادعة، السیرةَ العقلائیة التي هي حجّة عند العقلاء.
ففيه: إنّ السیرة العقلائیة لاتكون حجّة إلا إذا كانت ممضاة و لو بعدم الردع و المراد من الحجّیة هنا الحجّیة عند الشارع لا الحجّیة عند العقلاء.
الوجه الثالث: إنّ رادعیة الآیات عن السیرة العقلائیة لاتكاد تكون إلا على وجه دائر، لأنّ رادعیة عموم الآیات بالنسبة إلى السیرة العقلائیة موقوفة على حجّیة عموم الآیات، إذ لو لمیكن عموم الآیات حجّة لمیكن رادعاً و حجّیة هذا العموم موقوفة على عدم كون السیرة العقلائیة (و هي أخصّ من العموم) مخصّصة له، لأنّه إن كانت السیرة مخصّصة لعموم الآیات، لمیبق للآیات عموم حتّی تكون الآیات رادعة عن السیرة. و لكن عدم مخصّصیة السیرة العقلائیة لعموم الآیات الرادعة موقوف على عمومها، و عمومها موقوف على عدم مخصّصیة السیرة العقلائیة لعموم الآیات.
و خلاصة الكلام أنّ رادعیة الآیات متوقّفة على عمومها، و عمومها متوقّف على عدم مخصّصیة السیرة العقلائیة، و عدم مخصّصیة السیرة العقلائیة موقوف على عموم الآیات، و عموم الآیات متوقّف على رادعیتها للسیرة العقلائیة.
فعلى هذا رادعیة الآیات متوقّفة على رادعیة الآیات و هذا دور باطل.([3] )
الجواب الرابع: من المحقّق الخوئي
إنّ الآیات الناهیة إرشادیة إلى عدم العمل بالظنّ لاحتمال مخالفة الواقع و الابتلاء بالعقاب كما في حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل فلاتشمل الظنّ الذي یكون حجّة ببناء العقلاء للقطع بالأمن من العقاب حینئذٍ، و العقل لایحكم بأزید ممّا یحصل معه الأمن من العقاب ([4] )». ([5] )
یلاحظ علیه
إنّ العقل لایحكم بحجّیة بناء العقلاء و الأمن من العقاب عند العمل على طبقه مع عدم ردع الشارع.
فحجّیة بناء العقلاء و إیجابه للأمن من العقاب متوقّف على إمضاء الشارع له و لو بعدم ردعه عنه، فلابدّ من تتمیم هذا الجواب بأن یقال: إنّ الآیات لاتكون رادعة عن هذه السیرة لكونها إرشادیة و مع عدم وجود رادع آخر عنها یحكم العقل بإمضاء الشارع لها و ارتضائه بها فتكون السیرة حینئذٍ حجّة و موجبة للأمن من العقاب، فتخرج هذه السیرة عن نطاق الآیات الإرشادیة المذكورة.
الجواب الخامس
إنّ الرادع الثاني - و هو ما دلّ على أصالة البراءة أو أصالة الاحتیاط- لایصلح لأن یكون رادعاً عن السیرة العقلائیة، و ذلك لأنّ لسان تلك الأدلّة هو بیان وظیفة المكلّف عند تحقّق موضوعها و هو «عدم العلم»، فحدیث الرفع -مثلاً- یدلّ على رفع الحكم و نفیه و لايدلّ على ثبوت الموضوع له، فإذا شككنا في إمضاء الشارع السیرة العقلائیة القائمة على أمر لتكون حجّة شرعیة و ینتفي موضوع «عدم العلم» أو عدم إمضائه إيّاها لتخرج عن الحجّية و يثبت موضوع «عدم العلم» فلایصحّ الاستدلال بأدلّة البراءة مثل حدیث الرفع لإحراز موضوع «عدم العلم» بالنسبة إلى هذا المورد الذي قامت علیه السیرة العقلائیة، لأنّ لسان أدلّة البراءة و الاحتیاط ساكت عن إثبات الموضوع لهما أو نفیه، و على هذا لایكون [أي الرادع الثاني] رادعاً عن السیرة العقلائیة، فما أفاده صاحب الكفایة لایمكن المساعدة علیه.
نتیجة ذلك كلّه عدم تمامیة الاستدلال على حجّیة الاستصحاب بالسیرة العقلائیة لعدم تحقّق هذه السیرة. أمّا لو فرضنا تحقّقها فهذه السیرة حجّة لعدم ثبوت ردع الشارع عنها و عدم ثبوت الردع كافٍ لإثبات إمضاء الشارع إیّاها، و ما أفاده صاحب الكفایة بعنوان الرادع من الآیات و الروایات الناهیة عن العمل بالظنّ و ما دلّ على البراءة و الاحتیاط كلاهما مخدوشان و لاتصلحان للرادعیة.([6] )
الدلیل الثاني: الدلیل العقلي
الدلیل العقلي
و هذا الدلیل من الملازمات غیر المستقلّة، و تقریره هو أنّ الحكم الشرعي أو موضوعه كان ثابتاً سابقاً و لمیعلم ارتفاعه و كلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء.
و قد تقدّم أنّ العلامة الأنصاري قرّر الكبری بهذا النحو: «كلّ ما كان كذلك فهو باقٍ» و لذا قال: الكبری عقلیة ظنّیة([7] )، و لكن المحقّق الإصفهاني جعل الكبری عقلیة قطعیة و لذا جعل الملازمة بین كونه سابقاً من دون أن یعلم ارتفاعه و بین كونه مظنون البقاء.
ثمّ إنّه بعد تمامیة الملازمة لابدّ من البحث حول كبری حجّیة الظنّ بالبقاء.
تقریبان لهذا الدلیل العقلي أشار إلیهما المحقّق الإصفهاني
التقریب الأوّل ([8] )
إنّ ما كان ثابتاً سابقاً و لمیعلم ارتفاعه، بنفسه یوجب الظنّ بالبقاء. فالملازمة بین نفس الثبوت السابق و الظنّ بالبقاء.
و هذا «بملاحظة أنّ ارتكاز الثبوت في الذهن یرجّح جانب الوجود على العدم في الزمان اللاحق، فإنّ الخروج من حاقّ الوسط بین الوجود و العدم یكفي في رجحانه أدنی خصوصیة مفقودة في الطرف الآخر.
و لیس رجحان البقاء ظنّاً معلولاً لنفس الثبوت، لعدم السنخیة بین الثبوت الخارج عن أفق النفس مع الظنّ الواقع في أفق النفس، بل معلول لارتكاز الثبوت [في الذهن] المسانخ للظنّ بالبقاء».([9] )
و هذا التقریب لو تمّ لكان دلیلاً على أماریة الاستصحاب، لأنّ الظنّ بالبقاء كاشف و طریق ناقص و جعل الحجّیة له هو بمعنی تتمیم كشفه و اعتبار طریقیته، و هذا شأن الأمارات لا الأصول العملیة.([10] )