الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /المقدمة
الأمر الأوّل: تعریف الاستصحاب
فیه جهتان:
الجهة الأولی: تعریف الاستصحاب لغةً
إنّ الاستصحاب في اللّغة([1]
) أخذ الشيء مصاحباً، و هو مرادف لما قاله فقهاؤنا([2]
) بأنّ استصحاب أجزاء ما لایؤكل لحمه موجب لبطلان الصلاة، و هذا التعریف اللّغوي هو مختار العلّامة الأنصاري في رسائله.([3]
)
إیراد صاحب الكفایة على هذا التعریف
قال صاحب الكفایة في تعلیقته على الرسائل: الظاهر أنّه بحسب اللغة أوسع دائرةً ممّا یوهمه ظاهر ذلك، لوضوح عدم صدق المصاحبة عرفاً في جمیع موارد صدق الاستصحاب كذلك، فالأولى أن یعبّر عنه بأنّه أخذ الشيء معه. ([4]
)
یلاحظ علیه
إنّ التعبیر بالمصاحبة لیس في الحقیقة تعریفاً لغویاً لكلمة الاستصحاب بجعل كلمة مرادفة له بدله، بل المصاحبة نفس مادّة الاستصحاب، و أمّا تعریفه بالمعیّة إنّما هو جعل كلمة مرادفة له بدله و لذا لایخلو الإیراد علیه بعدم صدق المصاحبة في جمیع موارد استعمال كلمة الاستصحاب عن المناقشة مع أنّ عدم كونه متعارفاً في بعض الاستعمالات لایضرّ بالمعنی اللّغوي لوضوح الفرق بین المعنی اللّغوي و المعنی العرفي فإنّ النسبة بینهما العموم و الخصوص من وجه.
و على أيّ حال، الأمر سهل، خصوصاً مع ملاحظة مرادفة المعیة و المصاحبة لغةً، و لذا ما أفاده صاحب الكفایة من التعریف اللّغوي أیضاً متین.
الجهة الثانیة: تعریف الاستصحاب اصطلاحاً
هنا مطلبان:
المطلب الأول: تعریفات ثمانیة للاستصحاب
إنّ القوم عرّفوا الاستصحاب بتعاریف مختلفة و منشأ اختلافهم في تعریفه اصطلاحاً یرجع غالباً إلى اختلافهم في حقیقة الاستصحاب و ماهیته، و لذا قبل البحث حول حقیقة الاستصحاب و ماهیته نشیر إلى بعض الأقوال المهمّة في تعریفه:([5]
)
التعریف الأول: ما أفاده صاحب المعالم
استصحاب الحال محلُّه أن یثبت حكم في وقت ثم یجيء وقت آخر و لایقوم دلیل على انتفاء ذلك الحكم، فهل یحكم ببقائه على ما كان و هو الاستصحاب ...([6]
)
التعریف الثاني: ما أفاده الشیخ البهائي
هو إثبات الحكم في الزمن الثاني تعویلاً على ثبوته في الأوّل.([7]
)
و إلى ذلك یرجع تعریف المحقّق الخونساري([8]
) حیث ذكر اصطلاح القوم في الاستصحاب.
التعریف الثالث: ما أفاده الفاضل التوني
قال الفاضل التوني وفاقاً لابن الحاجب صاحب المختصر: استصحاب حال الشرع ... هو التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حالٍ، على بقائه في ما بعد ذلك الوقت و في غیر تلك الحال([9]
)، فیقال: إنّ الأمر الفلاني قد كان و لمیعلم عدمه و كلّ ما هو كذلك فهو باق.([10]
)
التعریف الرابع: ما أفاده المحقّق القمي
قال: هو كون حكمٍ أو وصفٍ یقیني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللّاحق.([11]
)
إيراد العلّامة الأنصاري عليه
كون حكمٍ أو وصفٍ كذلك هو محقّق مورد الاستصحاب و محلّه لا نفسه.([12]
)
جواب المحقّق النائيني عن هذا الإيراد
الظاهر أنّ الاستصحاب إلى زمان والد الشیخ البهائي كان معدوداً من جملة الأمارات الكاشفة عن الواقع، و علیه فتعریفه بكون حكم أو وصف یقیني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللّاحق من أحسن التعاریف إذ ما هو موجب للظنّ بالبقاء و كاشف عنه هو ذلك، و لایرد علیه ما أورده شیخنا العلّامة الأنصاري من أنّه مورد للاستصحاب لا نفسه ضرورة أنّه بناء على أماریته لیس هناك ما یكون كاشفاً عن الواقع غیر ذلك. ([13]
)
التعریف الخامس: ما أفاده العلّامة الأنصاري
الاستصحاب ... عند الأصولیین عُرّف بتعاریف أسدّها و أخصرها «إبقاء ما كان»، و المراد بالإبقاء الحكم بالبقاء([14]
) و دخل الوصف في الموضوع مشعر بعلّیته للحكم، فعلّة الإبقاء هو أنّه كان، فیخرج إبقاء الحكم لأجل وجود علّته أو دلیله.([15]
)
التعریف السادس: ما أفاده صاحب الكفایة
هو الحكم ببقاء([16]
) حكم أو موضوع ذي حكم شكّ في بقائه([17]
)، إمّا من جهة بناء العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفیة مطلقاً أو في الجملة تعبّداً أو للظنّ به الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقاً، و إمّا من جهة دلالة النصّ أو دعوی الإجماع علیه كذلك. ([18]
)
التعریف السابع: ما أفاده المحقّق النائیني
قال: الأحسن تعریفه على المختار من أخذه من الأخبار بالحكم الشرعي ببقاء الإحراز السابق من حیث أثره و هو الجري العملي على طبقه.([19]
)
و سیأتي تعریفه في فوائد الأصول، إن شاء الله تعالى.
التعریف الثامن: ما أفاده المحقّق الخوئي
إنّ الاستصحاب هو حكم الشارع ببقاء الیقین في ظرف الشكّ من حیث الجري العملي.([20]
)
هذه إشارة إلى الأقوال و الآراء المهمّة في تعریف الاستصحاب.
المطلب الثاني: التحقیق في تعریف الاستصحاب
هنا مقدّمتان:
المقدمة الأولی: الاختلاف في كون الاستصحاب أمارة أو أصلاً عملیاً
بیان الشیخ الأنصاري
إنّ عدّ الاستصحاب من الأحكام الظاهریة الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم، نظیر أصل البراءة و قاعدة الاشتغال، مبنيّ على استفادته من الأخبار، و أمّا بناء على كونه من أحكام العقل فهو دلیل ظنّي اجتهادي نظیر القیاس و الاستقراء على القول بهما.
و حیث أنّ المختار عندنا هو الأوّل، ذكرناه في الأصول العملیة المقرّرة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم لكن ظاهر كلمات الأكثر كالشیخ و السیدین و الفاضلین والشهیدین و صاحب المعالم كونه حكماً عقلیاً، و لذا لمیتمسّك أحد هؤلاء فیه بخبر من الأخبار. ([21]
)
ثمّ أشار العلّامة الأنصاري([22]
) إلى أنّ الشیخ الطوسي استدلّ في عدة الأصول([23]
) على حجّیة الاستصحاب بخبر ضعیف([24]
) و أمّا ابن إدریس الحلّي فهو أوّل من استدلّ على حجّیته بصحیحة زرارة حیث استدلّ في السرائر([25]
) بنقض الیقین بالیقین، ثمّ والد الشیخ البهائي([26]
) فإنّه تمسّك بهذه الأخبار و تبعه صاحب الذخیرة المحقّق السبزواري([27]
) و شارح الدروس([28]
).
و أمّا أكثر الأعلام فقد اعتبروه من باب إفادته الظنّ و لذا جعلوه في عداد الأدلّة العقلیة من باب غیر المستقلات، باعتبار أنّه حكم عقلي یتوصّل به إلى حكم شرعي بواسطة خطاب الشارع.
ثم أفاد العلّامة الأنصاري في ترتیب قیاس الاستنباط -بناءً على كونه من الأمارات، كما ذهب إلىه هؤلاء الأعاظم- : إنّ الحكم الشرعي الفلاني ثبت سابقاً و لمیعلم ارتفاعه و كلّ ما كان كذلك فهو باقٍ فالصغری شرعیة و الكبری عقلیة ظنّیة.[29]
إیراد المحقّق الإصفهاني علیه
أوّلاً: إنّ الأصغر شرعي لا الصغری [لأنّ ثبوته السابق مع عدم العلم بارتفاعه لیس أمراً شرعیاً].
و ثانیاً: إنّ المهمّ عند القائلین بأنّه من الأدلّة العقلیة، إثبات الظنّ ببقائه، لا إثبات بقائه حتّی یجعل الظنّ جهة في الكبری [و یقال إنّ الكبری عقلیّة ظنیّة] فیراد أنّه باقٍ ظنّاً بل لابدّ من جعل الكبری كما جعلها العضدي من أنّه كلّما كان كذلك فهو مظنون البقاء فالكبری عقلیّة قطعیة، للقطع بالملازمة بین الثبوت [السابق] و الظنّ بالبقاء. ([30]
)
[2] و هذا الاستعمال تجده كثيراً في كلماتهم؛ أمّا المسألة ففي
العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج2، ص337..: «الرابع [من شرائط لباس المصلي]: أن لایكون من أجزاء ما لایؤكل لحمه و إن كان مذكًّی أو حیّاً جلداً كان أو غیره فلایجوز الصلاة في جلد غیر المأكول و لا شعره و صوفه و ریشه و وبره و لا في شيءٍ من فضلاته سواء كان ملبوساً أو مخلوطاً به أو محمولاً حتّی شعرة واقعة على لباسه بل حتّی عرقه و ریقه و إن كان طاهراً ما دام رطباً بل و یابساً إذا كان له عین، و لا فرق في الحیوان بین كونه ذا نفس أو لا كالسمك الحرام أكله»
[4] درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الآخوند الخراساني، ج1، ص289.و أورد عليه بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج1، ص11: «أولاً: بأنّ للاستصحاب هيئة و مادة، فالهيئة هي الاستفعال، و المادة هي الصحبة، و هي موجودة في جميع اشتقاقاته كفعل الماضي، و المضارع، و اسمي الفاعل و المفعول و غيرها، و تفسير الاستصحاب بأخذ الشيء معه إسقاط لمادة الصحبة، و لايعقل إسقاط مادة اللفظ في المعنى اللغوي.ثانياً: أن تفسير الاستصحاب بأخذ الشيء معه معناه أن الاتّخاذ مرادف للاستصحاب؛ لأن ذلك تفسير للاتّخاذ و هو غلط؛ لأنّ هيئة الاستصحاب هي الاستفعال و مادّته الصحبة، و هيئة الاتخاذ هي الافتعال و مادّته الأخذ، و لايعقل الترادف بين هيئتين متباينتين لمادّتين متباينتين، فإنّ لكل منهما مدلولاً مغايراً لمدلول الآخر، و هيئة الاستفعال تكشف عن نسبة خاصة غير النسبة التي تكشف عنها هيئة الافتعال.ثالثاً: استدلّ المحقق الخراساني
على عدم صحة تفسير الشيخ بأنّ المعنى العرفي أوسع من المعنى اللغوي؛ لإطلاقه على موارد لايصدق عليها أخذ الشيء مصاحباً، و فيه: أنّ النسبة بين المعنى اللغوي و المعنى العرفي هي العموم من وجه فيجتمعان في مورد و يفترق كلّ واحد منهما في ما يخصّه، و لهذا وقع البحث بين الأصوليين في تقديم أي المعنيين فيما لو تعارض العرف مع اللغة كأن يكون المعنى اللغوي شيئاً و ما ينسبق إلى ذهن العرف شيئاً آخر، و عليه فكلام المحقق الخراساني من أنّ المعنى العرفي أوسع من المعنى اللغوي لايصلح إشكالاً على الشيخ
.:أولاً: لمطالبة الشيخ له بإثبات كون المعنى العرفي أعم و لا مثبت له، فيكون الاستصحاب في اللغة و العرف بمعنى واحد و هو أخذ الشيء مصاحبة.و ثانياً: لأنّ الشيخ في مقام بيان المعنى اللغوي و لا ربط له بسعة المعنی العرفي و ضيقه.فظهر من ذلك أنّ الحق في المعنى اللغوي مع الشيخ»
[5] الشیخ الأنصاري
أشار إلى تعریفات سبعة في فرائده: ذكرناها في المتن إلّا السادس و هو تعریف شارح المختصر: «إنّ معنی استصحاب الحال أنّ الحكم الفلاني قد كان و لمیظنّ عدمه، و كلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء».و قال الشیخ
فيه في
فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص11.: «إن كان الحدّ هو خصوص الصغری انطبق على التعریف المذكور [أي تعریف المحقّق القمّي
] و إن جعل خصوص الكبری انطبق على تعاریف المشهور»، و بهذا قد أورد عليه بما أورد على تعريف المحقّق القمّي
و تعاريف المشهور.و في
نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص12.: استشكل كلام الشیخ فقال
: «و لایخفی علیك أنّ الاستصحاب عنده حیث أنّه الظنّ ببقاء الحكم مثلاً- و التفاوت بینه و بین كون الحكم مظنون البقاء اعتباریاً- فالقیاس المزبور استدلال على الاستصحاب بلحاظ نتیجة البرهان، لا أنّ الصغری أو الكبری استصحاب عنده حتّی یردّد الأمر بینهما فیقال- على الأوّل- بتوافقه مع تعریف المحقّق القمّي
بكون الشيء متیقّن الحصول مشكوك البقاء- و على الثاني- بمطابقته مع تعریف المشهور بإرادة الحكم بالبقاء ظنّاً من الإبقاء- الذي عرّف به الاستصحاب- في كلمات المشهور من الأصحاب.و لایمكن جعل الصغری حدّاً من باب مبدأ البرهان و جعل الكبری من باب نتیجة البرهان لأنّ مبدأ البرهان هو الحدّ الأوسط، و هو ثبوته الخاصّ، لا الصغری، و نتیجة البرهان محمول الكبری و هو الأكبر لا الكبری، فإنّ الكبری متضمّنة للملازمة بین الثبوت و كونه مظنوناً من حیث البقاء، لا أنّها- عین كونه مظنون البقاء، فلا الصغری توافق كلام المحقّق القمّي
و لا الكبری تطابق تعریف المشهور».ثمّ ذكر في ص13 كلام المحقّق الخراساني
في تعلیقته على الرسائل و استشكله أیضاً فقال: «و أمّا ما عن شیخنا الأستاذ
.: من أنّ الكبری هو الإذعان بأنّه مظنون البقاء، و الاستصحاب هو نفس الظنّ بالبقاء- و هو غیر الإیراد بأنّ الاستصحاب لیس كون الحكم مظنون البقاء، بل نفس الظنّ ببقاء الحكم، لكي یندفع بأنّ التفاوت بین الظنّ و المظنون اعتباري- ففیه مسامحة من وجهین: أحدهما: أنّ الكبری هي الملازمة بین الثبوت و كون الحكم مظنون البقاء، لا كون الحكم مظنون البقاء فإنّه الأكبر باعتبار، و نتیجة القیاس باعتبار آخر. ثانیهما: أنّ نتیجة البرهان، و إن كانت ممّا یذعن بها العقل، إلّا أنّ الحكم و الإذعان خارج عن مفاد القضیة- موضوعاً و محمولاً- و عن مفاد القیاس- صغری و كبری و نتیجة»
[8] مشارق الشموس، الخوانساري، حسين بن جمال الدين، ج1، ص76..: «لمّا كان أصل الاستصحاب كثیراً ما یستعمله الأصحاب في الأحكام الشرعیة و یبنون علیه المسائل و في تحقیق معناه و إثبات حجّیة بعض من الأبحاث كثیرة النفع في الترجیحات فلا بأس أن نذكر فیه نبذاً من القول على سبیل الإجمال و إن لمیكن هنا موضعه إذ هو في الأصول. إعلم أنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب إثبات حكم شرعي في زمان لوجوده في زمان سابق علیه...»
[9] في
نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص11..: «ظاهره جعل الثبوت في السابق حجّة و دلیلًا على ثبوته في اللّاحق، لا الإبقاء تعویلاً على ثبوته، فلایوافق التعریف المعروف من القوم، كما لایناسب مشتقّات الاستصحاب، كما أفاده الأستاذ، فإنّه إنّما یناسب ذلك إذا قیل: إنّه التمسّك بما ثبت، فإنّه بمعنی إبقائه و عدم الانفكاك عنه عملاً، لا التمسّك بثبوته، فإنّه بمعنی الاعتماد على ثبوته في إبقائه عملاً.و غایة ما یمكن أن یوجّه به التعریف المزبور أنّه من باب التعریف بالعلّة- المسمّی بمبدأ البرهان- في قبال التحدید بالمعلول- المسمّی بنتیجة البرهان- و التحدید بهما معاً- المسمّی بالحدّ التامّ الكامل- كتعریف الغضب بإرادة الانتقام على الأوّل، و بغلیان دم القلب على الثاني، و بغلیان دم القلب لإرادة الانتقام على الثالث»
[11] القوانين المحكمة في الأصول، القمّي، الميرزا أبو القاسم، ج3، ص122.و اختار هذا التعریف السید المحقّق الیزدي
؛ ففي حاشية
حاشية فرائد الأصول - تقريرات، اليزدي النجفي، السيد محمد إبراهيم، ج3، ص6.: «إنّما نتعرّض لبعض التعاريف الذي يختلف بحسبه معنى الاستصحاب في الاصطلاح ... و منها: أنّه عبارة عن نفس اليقين السابق كما احتمله في الضوابط، و لعلّه إليه يرجع تعريف المحقّق القمّي
. من أنّه كون حكم أو وصف يقيني الحصول إلى آخر ما نقله في المتن و جعله أزيف التعاريف، و هذا المعنى أنسب من حيث عدّهم للاستصحاب من الأدلّة كما أشار إليه في المتن، و ما أورد عليه غير وارد، لأنّ دليلية اليقين السابق إنّما يتصوّر على حدّ دليلية نظائره من الطرق الشرعية كالإجماع و الشهرة و مطلق الظنّ و نحوها فإنّها أدلّة للأحكام ينكشف بها واقعها علماً أو ظنّاً، و كذلك اليقين السابق ينكشف به الحكم ظنّاً نوعياً»
[12] .
فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص10.: «و أزیف التعاریف تعریفه بأنّه كون حكم أو وصف .. إذ لایخفی أنّ كون حكم أو وصف كذلك...».و في
نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص12. بعد المناقشة في تعریف الفاضل التوني: «و منه یُعلم أنّ تعريف الاستصحاب: (بإثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلًا على ثبوته في الزمان الأول) من القسم الثالث، و هو الحدّ التام و تعریفه بكون الشيء متیقّن الحصول في الزمان الأوّل من قبیل الأوّل [أي من باب التعریف بالعلّة المسمّی بمبدأ البرهان] لا أنّه بیان لمورد الاستصحاب، بل هو أولى- في دخوله في مبدأ البرهان- من تعریف الفاضل التوني
. لأنّه في الحقیقة لیس تعریفاً للاستصحاب بعلّته- و هو ثبوته في الزمان الأوّل- بل تعریف له بالاستدلال بعلّته، الراجع إلى معلولیة الإبقاء لثبوته»
[14] و للمحقق الإصفهاني
كلام في المقام و قد قال في
نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص5.: «توضیح المقام أنّ إبقاء ما كان: تارة- ینسب إلى المكلّف، فیراد منه الإبقاء العملي، كالتصدیق العملي في باب الخبر، و أخری- ینسب إلى الشارع- مثلاً- بأحد لحاظین: إمّا بجعل الحكم المماثل في الزمان الثاني بعنوان أنّه الحكم الموجود- في الزمان الأوّل- فهو إحداث لبّاً، و إبقاء عنواناً، و إمّا بالإلزام بالإبقاء العملي، فیكون إبقاء عملیّاً من الشارع تسبیباً».و قال في ص9: «و التحقیق أنّ الاستصحاب كما یناسب المشتقّات منه هو الإبقاء العملي».و في
عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، الفيروز آبادي، السيد مرتضى، ج5، ص8..: «أقول: و الإنصاف أنّ أسدّ التعاریف و أخصرها كما أفاد الشیخ أعلى الله مقامه هو إبقاء ما كان (و لكن) الظاهر أنّ المراد بالإبقاء هو الإبقاء عملاً فإن كان المستصحب حكماً قد أتي به و إن كان موضوعاً ذا حكم رتّب علیه أثره لا الحكم بالبقاء فإنّ مجرّد الحكم به ممّا لایكفي في صدق الاستصحاب ما لمیعمل على طبق الحالة السابقة و یتحرّك على وفقها»
[16] في
نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص5.: «و لایخفی علیك أنّ المراد من الحكم بالبقاء إذا كان هو الإلزام به- كما صرّح به شیخنا العلّامة
في تعلیقته على الرسائل و كما استظهره بعض الأجلّة من كلام شیخه العلّامة الأنصاري
قدسسرهم- فالمناسب التعبیر بالحكم بالإبقاء، فإنّ الإبقاء و البقاء، و إن كانا متحدّین بالذات إلّا أنّ الذي هو عنوان فعل المكلّف- الذي هو مورد الإلزام- أو فعل تولیدي منه هو الإبقاء بلحاظ حیثیة صدوره من المكلّف، لا البقاء الذي هو من حیثیات الحكم و شؤونه».و في ص8: «و یمكن أن یراد من الحكم في قوله
و في كلام الشیخ الأعظم
في الرسائل: (إنّ الاستصحاب هو الحكم ببقاء الحكم...) ما هو المرسوم في التعبیرات من الحكم بقیام زید، و هو كونه الرابط، فیرجع إلى أنّ الاستصحاب كون الحكم باقیاً في نظر الشارع أو عند العقلاء أو في نظر العقل ظنّاً- لظنّه ببقائه - و هو المستند للحكم بالإبقاء من الشارع، و للإبقاء العملي من العقلاء، فیندفع محذور الجامع و محذور الدلیلیة، و لایأبی كلامه
. عن ذلك حیث قال: (أمّا من جهة بناء العقلاء على ذلك) أي على كونه لا على الإلزام به.و فیه: أنّ كونه باقیاً في نظر الشارع لیس إلّا منتزعاً من الإلزام بإبقائه، فهو باقٍ بحسب حكمه، لا بلحاظ أمر آخر، كما أنّ كونه باقیاً- في نظر العقلاء- لیس إلّا كونه باقیاً بحسب عملهم لإبقائهم له عملاً، و لیس له بقاء عندهم مع قطع النظر عن إبقائهم له عملاً، و منه یظهر أنّ تفسیر الحكم بالبقاء باعتبار بقائه عملاً شرعاً، أو من باب بناء العقلاء، و اعتبار بقائه ظنّاً من باب العقل و إن صحّ جامعاً بإبقاء قید العمل في الأوّلین و قید الظنّ في الأخیر إلّا أنّ البقاء عملاً لیس إلّا البقاء العملي، و هو غیر صالح للتوصیف بالدلیلیة و الحجّیة»
[17] في
موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج48، ص3.: «أقول: أمّا ما ذكره صاحب الكفایة
من التعریف، فهو شرحٌ لما ذكره الشیخ
لا غیره» و في
عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، الفيروز آبادي، السيد مرتضى، ج5، ص8. بعد ذكر تعریف صاحب الكفایة «و قد أخذ هذا المعنی من الشیخ أعلى الله مقامه.»و قال السید السیستاني باتّحاد روح تعریف الشیخ و تعریف صاحب الكفایة
و اختاره:ففي الاستصحاب، تقریر السید محمد علي الربّاني، ص7: «إنّ المستفاد من كلمات الشیخ
و صاحب الكفایة
هو الحكم ببقاء الشيء على ما كان اعتماداً على الیقین بالحالة السابقة فقد قال الشیخ
... و قال صاحب الكفایة
. ... و روح الكلامین كما تری واحدٌ» ثمّ ذكر مناقشات في هذا التعریف و أجاب عنها
[20] . هذا التعریف من المحقق الخوئي هو للاستصحاب بناء على كونه أصلاً عملیاً. و في
مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص6.: « ... و أمّا على القول بكونه من الأصول فلابدّ من تعریفه بالحكم كما وقع في كلام الشیخ و صاحب الكفایة
.، لكن لا بما ذكراه من أنّه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم، فإنّ الاستصحاب على هذا التقدیر مأخوذ من الأخبار و عمدتها صحاح زرارة، و لیس فیها ما یدلّ على الحكم ببقاء حكم أو موضوعٍ ذي حكم، بل المستفاد منها حرمة نقض الیقین بالشكّ من حیث العمل، و الحكم ببقاء الیقین من حیث العمل في ظرف الشكّ فالصحيح في تعریفه على هذا المسلك أن یقال: إنّ الاستصحاب هو حكم الشارع ببقاء الیقین في ظرف الشكّ من حیث الجري العملي»
[21] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص13..و السيّد المرتضى في الذريعة، ج2، ص829 – 832؛ و الشيخ الطوسي في العدّة، ج2، ص758؛ و السيّد ابن زهرة في الغنية، ج2، ص420؛ المحقّق في المعارج، ص206- 208؛ و المعتبر، ج1، ص32؛ و العلّامة في مبادئ الوصول، ص250 و 251، و تهذيب الوصول، ص293؛ و نهاية الوصول، ج4، ص363؛ الشهيد الأوّل في الذكرى، ج1، ص53؛ و القواعد و الفوائد، ج1، ص132؛ و الشهيد الثاني في تمهيد القواعد، ص271؛ و في المعالم، ص233- 234
[22] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص14.: «نعم ذكر في العدة انتصاراً للقائل بحجّيته ما روي عن النبي
. من: "أنّ الشيطان ينفخ بين أليتي المصلي فلاينصرفنّ أحدكم إلّا بعد أن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" و من العجب أنّه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختصّ بمورد خاصّ و لميتمسّك بالأخبار الصحيحة العامّة المعدودة في حديث الأربعمائة من أبواب العلوم.و أوّل من تمسّك بهذه الأخبار فيما وجدته والد الشيخ البهائي فيما حكي عنه في العقد الطهماسبي و تبعه صاحب الذخيرة و شارح الدروس و شاع بين من تأخّر عنهم. نعم ربما يظهر من الحلّي في السرائر الاعتماد على هذه الأخبار حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه بنقض اليقين باليقين، و هذه العبارة ظاهر أنّها مأخوذة من الأخبار»
[23] العدة في أصول الفقه، الشيخ الطوسي، ج2، ص757.: «و استدلّ من نصر استصحاب الحال بما روي عن النّبي صلّى الله عليه و آله أنّه قال: «إنّ الشّيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول: أحدثت أحدثت؛ فلاينصرفنّ حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً»، فبقاه على الحال الأولى».و الظاهر الشيخ الطوسي
. لميستدل به بل نسب الانتصار للبعض و الظاهر هم من العامة
[24] الحديث هو في مصادر العامة ففي المعجم الكبير، ج9، ص250، ح9233: «حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفُخُ فِي دُبُرِ الرَّجُلِ، إِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلَايَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».و الرواية موجودة في مصادرنا ففي
الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص36.: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفُخُ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ فَلَايَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا رِيحٌ تَسْمَعُهَا أَوْ تَجِدُ رِيحَهَا». و في
تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج1، ص347. عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار، و السندان كما ترى صحيحان.قال المحقّق الهمداني في
فوائد الرضوية، الهمداني، آقا رضا، ج2، ص73..: «أقول: لو صحّ سند هذه الرواية، لكانت أتمّ إفادة من الأخبار العامة الآتية لإثبات اعتبار الاستصحاب من باب بناء العقلاء، إذ لايكاد يشكّ في أنّ صدر الرواية مسوق لبيان إبداء الاحتمال، و قوله عليه السّلام: «فلاينصرفنّ ... إلخ» ينادي بأعلى صوته إنّه تفريع على ما تقدّم، و إنّه ليس قاعدة تعبّدية، بل هو أمر مغروس في أذهان العقلاء من أنّه لايرفع اليد عن الموجود السابق إلّا بعد تحقّق رافعه. و أمّا الأخبار الآتية فسيأتي إمكان المناقشة فيها، و إن كانت في غير محلّها»
[25] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج1، ص62..: «و الطريق إلى تطهيره [الكر المتغير بعض أوصافه بالنجس] أن يطرأ عليه من المياه الطاهرة المطلقة ما يرفع ذلك التغيّر عنه، فحينئذ يجوز استعماله. و إن ارتفع التغيّر عنه من قبل نفسه، أو بتراب يحصل فيه، أو بالرياح التي تصفقها، أو بجسم طاهر يحصل فيه، أو بطروّ أقلّ من الكرّ من المياه المطهرة لميحكم بطهارته، لأنّه لا دليل على ذلك، و نجاستها معلومة بيقين، فلايرجع عن اليقين إلا بيقين مثله»
[30] نهایة الدرایة، ج5، ص15؛ ذكر المحقّق الإصفهاني
. هذا المطلب عند تحقیق تعریف شارح المختصر