45/06/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /خاتمة في شرائط أصالة الاحتیاط
في شرائط أصالة الاحتیاط
إنّ المشهور بین الأعلام هو عدم اعتبار شيء في حسن الاحتیاط إلا تحقّق موضوعه و عنوانه و هو إحراز الواقع([1] )، فإنّ الاحتیاط قد یكون حقیقیاً محرزاً للواقع على ما هو علیه، و قد یكون إضافیاً محرزاً لما هو الأقرب إلى الواقع أو محرزاً لما هو الوظیفة الفعلیة للمكلّف مثل الأخذ بأحوط القولین أو أحوط الأقوال بین آراء فقهاء العصر في ما إذا كانوا متساوین في العلم أو اشتبه الأعلم بینهم.
إلا أنّه اعتبر في الاحتیاط في باب المعاملات و العبادات شروط، فلنتكلم عنها في موضعين:([2] )
الموضع الأول: الاحتياط في باب المعاملات
و أما ما يعتبر في جریان الاحتیاط في المعاملات فشرطان:
الشرط الأوّل: عدم لزوم اختلال النظام
إنّ جریان الاحتیاط إذا كان مؤدّیاً إلى اختلال النظام كان مبغوضاً للشارع فلا حسن فیه و هذا ممّا لا كلام فیه.([3] )
الشرط الثاني: عدم لزوم مخالفته للاحتیاط من جهة أُخری
إنّ جریان الاحتیاط في ما إذا استلزم مخالفة احتیاط آخر، لیس محرزاً للواقع على ما هو علیه مثل موارد اختلاف المتعاملین فإنّ الاحتیاط في رعایة حقّ أحدهما ینافي الاحتیاط في رعایة حقّ الآخر و هذا الأمر الثاني أیضاً معتبر بلا إشكال.
الموضع الثاني: الاحتياط في باب العبادات
و أما ما يعتبر في جریان الاحتیاط في باب العبادات أيضاً فشرطان:
الشرط الأوّل: الفحص
قیل بلزوم جریان الاحتیاط بعد الفحص في موردین:
المورد الأوّل: ما إذا كان المكلّف متمكناً من تحصیل العلم التفصیلي بالحكم الشرعي حتّی یكون امتثاله امتثالاً تفصیلیاً بالعلم و العلمي، لا امتثالاً إجمالیاً فاقداً لقصد الوجه و التمییز.
المورد الثاني: ما إذا كان الواقع منجّزاً علیه، مثل الشبهات الحكمیة قبل الفحص، فإنّ المكلّف یحتمل في هذه الشبهات حصول دلیل معتبر لدیه بالفحص عنه، و على فرض حصول الدلیل المعتبر یحصل له العلم التعبّدي بالحكم و یكون امتثاله امتثالاً تفصیلیاً بالعلمي، لا امتثالاً إجمالیاً فاقداً لقصد الوجه و التمییز.
و أمّا القول بجریان الاحتیاط قبل الفحص فلا إشكال فیه في بعض الموارد و لذلك أیضاً موردان:
المورد الأوّل: ما إذا لمیتمكّن المكلّف من تحصیل العلم التفصیلي بالحكم الشرعي.
المورد الثاني: ما إذا لمیكن الواقع منجّزاً علیه، مثل موارد الشبهات الموضوعیة إذا كانت بدویة فيجري فیها الاحتیاط كما يجري في موارد الشبهات الحكمیة بعد الفحص و عدم الظفر بالعلم و العلمي.
و بعضهم قیّد القول بلزوم جریان الاحتیاط بعد الفحص بما إذا كان الاحتیاط مستلزماً للتكرار، و أمّا إذا لمیكن مستلزماً للتكرار فلا محذور في جریان الاحتیاط قبل الفحص و ذلك لأنّ محذور فقدان قصد الوجه و التمییز یتوجّه في ما إذا كان الاحتیاط مستلزماً للتكرار.
و التحقیق جواز جریان الاحتیاط قبل الفحص و الدلیل علیه هو ما أفاده المحقّق الخوئي([4] ).
قال: إنّ المعتبر في تحقّق العبادة أمران: تحقّق العمل في الخارج و كونه مضافاً و منسوباً إلى المولى و كلاهما متحقّق في الاحتیاط، و أمّا اعتبار نیّة الوجه و التمییز و غیرهما ممّا ذكروه وجهاً لعدم جواز الاحتیاط فلا دلیل على اعتباره.([5] )
الشرط الثاني: أن لا توجد حجة على خلاف مؤدی الاحتیاط
هذا ممّا أفاده المحقّق النائیني، قال: یعتبر في حسن الاحتیاط إذا كان على خلافه حجّة شرعیّة أن یعمل المكلّف أوّلاً بمؤدّی الحجّة ثم یعقبه بالعمل على خلاف ما اقتضته الحجّة إحرازاً للواقع و لیس للمكلّف العمل بما یخالف الحجّة أوّلاً ثم العمل بمؤدّی الحجّة إلا إذا لمیستلزم رعایة احتمال مخالفة الحجّة للواقع استیناف جملة العمل و تكراره كما إذا كان مفاد الحجّة عدم وجوب السورة في الصلاة فإنّ رعاية احتمال مخالفتها للواقع يحصل بالصلاة مع السورة و لايتوقّف على تكرار الصلاة و إن كان یحصل بالتكرار أیضاً.
و هذا بخلاف ما إذا كان مفاد الحجّة وجوب خصوص صلاة الجمعة مع احتمال أن یكون الواجب هو خصوص صلاة الظهر، فإنّ رعایة احتمال مخالفة الحجّة للواقع لاتحصل إلا بتكرار العمل و في هذا القسم لایحسن الاحتیاط إلا بعد العمل بما یوافق الحجّة و لایجوز العكس. ([6] )
استدلّ المحقّق النائیني علی الشرط الثاني بوجهین
الوجه الأوّل
إنّ معنی اعتبار الطریق إلغاء احتمال مخالفته للواقع عملاً و عدم الاعتناء به و العمل أوّلاً برعایة احتمال مخالفة الطریق للواقع ینافي إلغاء احتمال الخلاف، فإنّ ذلك عین الاعتناء باحتمال الخلاف.
مناقشة بعض الأعلام في الوجه الأوّل
ناقش فیه بعض الأعلام([7] ) بأنّ معنی إلغاء احتمال الخلاف إلغاؤه في مقام التعبد بالعمل، لا في مقام تحصیل الواقع رجاء. ([8] )
الوجه الثاني
إنّه یعتبر في حسن الطاعة الاحتمالیة عدم التمكّن من الطاعة التفصیلیة و بعد قیام الطریق المعتبر على وجوب صلاة الجمعة یكون المكلّف متمكناً من الطاعة و الامتثال التفصیلي لمؤدی الطریق، فلایحسن منه الامتثال الاحتمالي بإتیان صلاة الظهر.
مناقشة المحقق العراقي في الوجه الثاني([9] )
إنّ اعتبار الامتثال التفصیلي إنّما هو في صورة التمكن منه في العمل الذي یأتي به بداعي الاحتمال، و أمّا العمل الذي لایمكن أن یأتي به إلا بداعي الاحتمال، فلاینبغي الإشكال في حسن الإتیان به بداعي الاحتمال و في المثال بعد قیام الطریق على وجوب صلاة الجمعة لایمكن فعل الظهر إلا بداعي الاحتمال، قدّمها على صلاة الجمعة أم أخّرها، و تمكّنه من الامتثال التفصیلي في صلاة الجمعة لایوجب التمكّن من ذلك في صلاة الظهر، فالمقام أجنبي عن مسألة اعتبار الامتثال التفصیلي و تقدّم رتبته على الامتثال الاحتمالي. ([10] )
و المتحصّل هو أنّ جریان الاحتیاط في المعاملات مشروط بعدم اختلال النظام و عدم مخالفته لاحتیاط آخر، و أمّا جریانه في العبادات فلیس مشروطاً بالفحص كما أنّ العمل بالاحتیاط أوّلاً في ما إذا كان على خلافه حجّة شرعیة قبل العمل بمؤدی الحجّة لا محذور فیه أصلاً.