45/05/27
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ التنبیه الثالث؛ الجهة الأولی؛ تتمة
نظریة المحقق النائیني
قال المحقّق النائیني بأنّ المستصحب هنا الحكم الكلّي لا الحكم الشخصي و الفرق بینهما هو أنّ استصحاب الحكم الشخصي هو استصحاب الحكم الجزئي الفعلي الذي یجري في الموارد الجزئیة و یشترك في إعماله المقلّد و المجتهد، فیكون الیقین و الشك من كلّ مكلّف موضوعاً له و الإشكال في أنّه یعتبر في جریانه فعلیة الخطاب و تحقّق الشرائط خارجاً.
و أمّا استصحاب الحكم الكلّي فهو الذي یكون من وظیفة المجتهد إعماله و لا حظّ للمقلّد فیه و هو و إن لمیتوقّف على فعلیة الخطاب و تحقّق الشرائط خارجاً، إلا أنّه لابدّ من فرض تحقّق الشرائط خارجاً و اختلال بعضها لیمكن فرض حصول الشك في بقاء الحكم الكلّي، فلابدّ من فرض فعلیة التكلیف بتقدیر وجود الموضوع بما له من الشرائط خارجاً لیجري استصحاب بقاء التكلیف على هذا التقدیر و لكن فرض وجود الموضوع لایتوقّف على فرض تمكن المكلّف من الجزء في أوّل الوقت و طروّ العجز بعد انقضاء مقدار من الوقت، فإنّ المفروض أنّ التمكن من الجزء المتعذّر لیس من مقوّمات الموضوع و إلا لمیجر الاستصحاب رأساً فالذي یحتاج إلیه في المقام هو فرض دخول الوقت مع كون المكلّف واجداً لشرائط التكلیف فیستصحب وجوب بقیّة الأجزاء عند تعذّر البعض و لو في أوّل الوقت.
مناقشة المحقّق الخوئي في نظریة المحقّق النائیني([1] )
إنّ جریان الاستصحاب و إن لمیكن متوقّفاً على تحقّق الموضوع في الخارج، إلا أنّه متوقف على فرض تحقق الموضوع في الخارج، فإنّ الفقیه یفرض امرأة حائضاً ثبتت حرمة وطئها و شك في ارتفاعها بانقطاع الدم، فیتمسك بالاستصحاب و یحكم بحرمة وطئها على نحو القضیّة الحقیقیة، و لایعقل أن یفرض امرأة في أیام طهرها و یحكم بحرمة وطئها للاستصحاب، باعتبار أنّه لایعتبر في جریان الاستصحاب تحقّق الموضوع خارجاً، إذ لا یقین بحرمة وطئها و لو على حسب الفرض لیحكم ببقائها للاستصحاب و المقام من هذا القبیل.
فإنّ الفقیه إذا فرض مكلّفاً تعذّر علیه الإتیان ببعض أجزاء المركب مقارناً لأوّل الوقت، لا یقین له بثبوت التكلیف علیه و لو بالفرض و التقدیر، إذ التكلیف بغیر المتعذّر من الأجزاء و الشرائط مشكوك الحدوث من أوّل الأمر، فكیف یحكم بوجوب غیر المتعذّر تمسكاً بالاستصحاب؟
ملاحظات ثلاث علی هذه المناقشة
الملاحظة الأولی: بالنقض
إنّ التعذّر إذا كان حادثاً بعد دخول الوقت لایوجب تفاوتاً في ذلك، بل یقال: إنّ التكلیف النفسي بغیر المتعذّر مشكوك الحدوث من أوّل الأمر و المتیقّن هو التكلیف الاستقلالي و النفسي المتعلّق بمجموع الأجزاء و الشرائط و المتعلّق غیر مقدور لتعذّر بعض أجزائه و تعلّق التكلیف الاستقلالي و النفسي بغیر المتعذّر من سائر الأجزاء و الشرائط فهو مشكوك الحدوث بلاتفاوت بین حدوث التعذّر قبل دخول الوقت و حدوثه بعده. [2]
الملاحظة الثانیة
إنّ المحقّق النائیني قد صرّح بلزوم فرض فعلیة التكلیف بتقدیر وجود الموضوع بما له من الشرائط خارجاً لیجري استصحاب بقاء التكلیف على هذا التقدیر، و على هذا لا وجه لما أفاده المحقّق الخوئي من أنّه تفرض امرأة في أیام طهرها و یحكم بحرمة وطئها للاستصحاب فإنّ المرأة في أیام طهرها لیست موضوعاً فرضیاً لحرمة الوطء بل فرض الموضوع یتحقّق بفرض المرأة الحائض التي ثبتت حرمة وطئها و شك في ارتفاع الحرمة بانقطاع الدم قبل الاغتسال و المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي كلاهما یصرّحان بأنّ جریان الاستصحاب لایتوقّف على تحقّق الموضوع خارجاً بل یكفي فیه فرض تحقّق الموضوع في الخارج.
الملاحظة الثالثة
منشأ الخلاف هنا هو الخلط بین الاستصحاب الشخصي و الاستصحاب الكلّي، فإنّ ما أفاده المحقّق الخوئي «من أنّه إذا فرض الفقیه مكلّفاً تعذر علیه الإتیان ببعض أجزاء المركب مقارناً لأوّل الوقت (أو قل: قبل دخول الوقت) لا یقین له بثبوت التكلیف علیه و لو بالفرض و التقدیر إذ التكلیف بغیر المتعذّر من الأجزاء و الشرائط مشكوك الحدوث من أوّل الأمر» إنّما یصحّ في الاستصحاب الشخصي، حیث أنّ كلامه في الحكم الجزئي الفعلي لخصوص المكلف الذي صار معذوراً في إتیان بعض أجزاء المركب المأمور به مقارناً لأوّل الوقت و لكن كلام المحقّق النائیني في الاستصحاب الكلّي.[3]
فتحصّل إلى هنا أنّ الاستصحاب على تقریره في الوجه الخامس و السادس یجري في بقیّة الأجزاء و الشرائط على ما تقدّم.
الجهة الثانیة: مقتضی الروایات
هنا ثلاث روایات نبحث عن سندها و دلالتها:
إنّ الأعلام استندوا في مدرك قاعدة المیسور إلى ثلاث روایات:
الأولى: الروایة المرسلة عن النبي: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعوهُ (فَاجْتَنِبُوهُ)».([4] )
الثانیة: الروایة المرسلة عن النبي: «لَايُتْرَكُ الْمَيْسُورُ بِالْمَعْسُور»([5] ).
الثالثة: الروایة المرسلة أیضاً عن النبي: «مَا لَايُدْرَكُ كُلُّهُ، لَايُتْرَكُ كُلُّه».([6] )
و قيل: ([7] ) أسند صاحب العوالي الأخيران إلى أمير المؤمنين.
أما البحث السندي
فهذه الروایات الثلاث بأجمعها نقلت في كتاب عوالي اللآلي، و المشهور بین الأعلام هو عدم الوثوق بهذا الكتاب و لذا نری بعض الأخباریین أیضاً مثل صاحب الحدائق قدحوا فیه([8] ) و قالوا بعدم اعتباره و مع ذلك قال بعض أجلاء الأصولیین بانجبار ضعف هذه الروایات، منهم الشيخ الأنصاري و المحقّق النائیني.
نظریة الشيخ الأنصاري و المحقق النائیني: انجبار ضعف هذه الروایات
قال المحقق النائيني: «اشتهار هذه الروایات بین الأصحاب([9] ) یغني عن التكلّم في سندها»([10] ) و على هذا ینجبر ضعف سندها و إرسالها بالشهرة العملیة بین الأصحاب.
إیرادان من المحقق الخوئي علی هذه النظرية ([11] )
الأوّل: لایثبت استناد الأصحاب إلیها في مقام العمل، و مجرد موافقة فتوی الأصحاب لخبر ضعیف لایوجب الانجبار ما لمیثبت استنادهم إلیه، و لمیعلم من الأصحاب العمل بقاعدة المیسور إلا في الصلاة و فیها دلیل خاصّ دلّ على عدم جواز تركها بحال فلمیعلم استنادهم إلى الروایة المذكورة.
الثاني: إنّ مجرد عمل الأصحاب لایوجب الانجبار بعد كون الخبر في نفسه ضعیفاً غیر داخل في موضوع الحجّیة.
یلاحظ علیهما
إنّ ما أفاده في الإیراد الأوّل و هو الإیراد الصغروي و إن كان تامّاً بالنسبة إلى الروایة الأولى، إلا أنّ تمامیّته بالنسبة إلى الروایة الثانیة «المَیسُورُ لَایَسقُط بِالمَعسُور» بل الروایة الثالثة «مَا لَايُدْرَكُ كُلُّهُ، لَايُتْرَكُ كُلُّه» ممنوع، حیث أنّ الروایة الثالثة قد اشتهرت حتّی في العرفیات و استندوا إلیها، بحیث صارت مثلاً عند الناس و أمّا ما أفاده في الإیراد الثاني و هو الإیراد الكبروي فقد تقدّم الإشكال فیه، حیث قلنا في باب حجّیة الخبر باعتبار خبر الثقة و الخبر الموثوق به.
هذا تمام الكلام من حیث الاعتبار السندي.
أما البحث الدلالي
فلابدّ من ملاحظة كلّ من الروایات و البحث حول دلالتها:
دلالة الروایة الأولى
هي ما رواه أبو هریره: خَطَبَنَا رَسُولُ الله، فَقَالَ: «أیُّهَا النَّاس قَد فَرَضَ الله عَلیكُم الحَجَّ فَحُجُّوا» فَقَالَ رَجُلٌ: أَ كُلَّ عَامٍ یَا رَسُولَ الله؟ فَسَكَتَ حَتَّی قَالَهَا ثَلاثاً، فَقَالَ رَسُولُ الله: «لَو قُلتُ نَعَم لَوَجَبَ، وَ لَما استَطَعتُم» ثُمَّ قَال: «ذَرُونِي مَا تَركتُكُم، فَإنَّما هَلَكَ مَن كَانَ قَبلكم بِكَثرَةِ سُؤَالِهِم وَ اختِلَافِهِم عَلَی أنبِیَائِهِم، فَإِذَا أَمَرتُكُم بِشَيءٍ فَأتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم، وَ إِذَا نَهیتُكُم عَن شَيءٍ فَدَعُوهُ».
لابدّ من ملاحظة محتملات الروایة من حیث المعنی و تعیین ما هو المراد منها، فنقول: إنّ في الروایة الأولى احتمالات أربعة:
الاحتمال الأوّل
هو أن یكون «ما» في قوله: «مَا استَطَعتُم» موصولة([12] ) و «من» في قوله: «فَأتُوا مِنهُ» تبعیضیة بمعنی التبیعض من الأجزاء.
و على هذا مفاد الروایة هو وجوب الإتیان بالأجزاء الممكنة من المركب و معنی كلامه هو أنّه «إذا أمرتكم بشيء فأتوا ما یمكنكم إتیانه من أجزاء هذا الشيء».
ناقش المحقّق النائیني في هذا الاحتمال بوجهین ([13] )
الوجه الأوّل: إنّ ذلك لایناسب جهة السؤال (ما سُئل عنه). توضیحه: إنّ السؤال في الروایة هو عن وجوب الحجّ في كلّ سنة، و لایناسبه الجواب بلزوم الإتیان بالأجزاء الممكنة من المركب.
الوجه الثاني: إنّ ذلك لایناسب مورد السؤال، فإنّ مورد السؤال هو الحجّ، و المكلّف إذا لمیقدر على الطواف أو بعض الأعمال الآخر من مناسك الحجّ، لایجب علیه الإتیان ببقیّة الأعمال لاتفاقّ العلماء على ذلك.