45/05/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ التنبیه الثاني؛ الجهة الثانیة؛ القاعدة الثانویة؛ نسبة الطائفة الثانیة و الطائفة الثالثة
نسبة الطائفة الثانیة و الطائفة الثالثة
النسبة هي العموم و الخصوص المطلق، لأنّ الطائفة الثانیة مختصّة بالزیادة السهویة و لكن الطائفة الثالثة تعمّ الزیادة السهویة و النقیصة السهویة و أمّا الطائفة الثانیة فتحكم بالبطلان في الزیادة السهویة مطلقاً و للطائفة الثالثة دلالتان: الدلالة على البطلان بالنسبة إلى الزیادة السهویة في الأركان و النقیصة السهویة في الأركان و الدلالة على الصحة بالنسبة إلى الزیادة السهویة في غیر الأركان و النقیصة السهویة في غیر الأركان و مفاد الطائفتین بالنسبة إلى الحكم بالبطلان و إن كان عموماً من وجه كما ذهب إلیه المحقّق الخوئي([1] ) «لأنّ كلتا الطائفتین تدلان على بطلان العبادة بالزیادة السهویة في الأركان و الطائفة الثانیة تدلّ على بطلانها بالزیادة السهویة في غیر الأركان و الطائفة الثالثة تدلّ على بطلانها بالنقیصة السهویة في الأركان» إلا أنّ ملاحظة الدلیلین بهذا النحو غیر صحیح، لأنّ الطائفة الثالثة لیست ساكتة بالنسبة إلى حكم الزیادة السهویة في غیر الأركان بل تدلّ على صحّتها فالحكم في مورد اجتماع الطائفتین يختلف فیهما، فإنّ الطائفة الثانیة تحكم بالبطلان مطلقاً و الطائفة الثالثة تفصّل في مورد الطائفة الثانیة فتحكم بالبطلان في الزیادة السهویة في الأركان و بالصحّة في الزیادة السهویة في غیر الأركان.
و نتیجة ذلك هو تقدیم الطائفة الثالثة على الطائفة الأولى و الثانیة، لأنّهما تدلّان على البطلان في مورد الاجتماع مطلقاً و لكن الطائفة الثالثة تدلّ على التفصیل و تقیّد الحكم بالبطلان في الزیادة السهویة بما إذا كانت في الأركان.
هذا على ما في نسخة الكافي و التهذیب، و أمّا على نسخة الوسائل فهذه الروایة مختصّة بالزیادة في الركعة و المراد منه إمّا الركعة و إمّا الركوع و على أي حال فهي مختصّة بالزیادة في الأركان فتوافق حدیث لاتعاد.
بیان المحقّق الخوئي في تقدیم الطائفة الثالثة علی الطائفتین الأولیین
إنّ حدیث «لا تعاد» حاكم علیهما، بل على جمیع أدلّة الأجزاء و الشرائط و الموانع كلّها، لكونه ناظراً إلیها و شارحاً لها، إذ لیس مفاده انحصار الجزئیة و الشرطیة في هذه الخمس، بل مفاده أنّ الإخلال سهواً بالأجزاء و الشرائط التي ثبتت جزئیتها و شرطیتها لایوجب البطلان إلا الإخلال بهذه الخمس، فلسانه لسان الشرح و الحكومة، فیقدّم على أدلّة الأجزاء و الشرائط بلا لحاظ النسبة بینه و بینها، كما هو الحال في كلّ حاكم و محكوم.([2] )
فالمتحصّل أنّ هنا ستّ صور في باب الصلاة:
الأولى: إنّ الزیادة العمدیة في الصلاة توجب بطلانها بحكم الطائفة الأولى.
الثانیة: إنّ الزیادة السهویة في الأركان موجبة لبطلانها بحكم إطلاق الطائفة الأُولى و الثانیة و بنصّ الطائفة الثالثة.
الثالثة: إنّ الزیادة السهویة في غیر الأركان لاتوجب بطلانها بمقتضی حدیث لاتعاد و هذا الحدیث مقدّم على إطلاق الطائفة الأولى و الثانیة.
الرابعة: إنّ النقیصة العمدیة توجب بطلانها و ذلك بمقتضى الجزئیة و الشرطیة، فإنّ مقتضاهما بطلان الصلاة في ما إذا كانت فاقدة لهما.
الخامسة: إنّ النقیصة السهویة في الأركان توجب البطلان بمقتضى حدیث «لا تعاد».
السادسة: إنّ النقیصة السهویة في غیر الأركان لاتوجب بطلان الصلاة لدلالة حدیث «لا تعاد».([3] [4] )
ثم إنّ هنا أیضاً أربع صور في الطواف:
الأولى: إنّ الزیادة العمدیة في الطواف موجبة لبطلانه لما دلّ على أنّ الطواف بالبیت صلاة.
الثانیة: إنّ الزیادة السهویة لاتوجب البطلان بمقتضى النصوص الواردة في الطواف، فإنّ هذه الزیادة السهویة إن كانت أقلّ من الشوط فیتركها و إن كانت أكثر من ذلك فله أن یتمّ سبعة أشواط و لایلزم القران بین الشوطین، لأنّ بطلان الطواف بالقران إنّما هو في صورة العمد، لا الزیادة السهویة.
الثالثة: إنّ النقیصة العمدیة في الطواف موجبة لبطلانه للنصّ.
الرابعة: إنّ النقیصة السهویة لاتوجب البطلان، بل لابدّ من تداركها؛ فإن تذكر قبل فوات المحلّ فیتداركها، فإن كان بعد الدخول إلى السعي بین الصفا و المروة، فیجب علیه حینئذٍ إتمام الطواف و تداركه ثم إتمام ما بقي من السعي و إن كان بعد الفراغ عن السعي یتداركه ثم یعید السعي، و إن تذكر بعد فوت المحلّ كما إذا نسي طواف عمرة التمتّع و تذكره یوم عرفة بحیث لایتمكن من الوقوف الركني و الطواف معاً أو نسي طواف الحجّ و تذكر بعد ذيالحجة فیجب علیه قضاء الطواف و أیضاً إعادة الأعمال المترتبة علیه من الصلاة و السعي عند بعضهم و صحّ حجّه.
و إن تذكر في وقت لایمكن له القضاء مثل ما إذا رجع إلى بلده و لایتمكن من الرجوع إلى مكة حتّی یأتي بالطواف بنفسه، فحینئذٍ یجب علیه الاستنابة للطواف و احتاط بعض الأعلام بلزوم الاستنابة للأعمال المترتبة على الطواف من صلاة الطواف و السعي أیضاً كلّ هذا بمقتضى النص الوارد في كتاب الحجّ، و بیان الخصوصیات موكول إلى محلّه.([5] )
التنبیه الثالث: قاعدة المیسور
إذا تعذّر الإتیان ببعض أجزاء الواجب و شرائطه فهل تقتضي القاعدة سقوط الواجب رأساً أو تقتضي بقاء التكلیف بسائر أجزائه و شرائطه ممّا كان المكلّف متمكناً من إتیانه.
أمّا الكلام حول مقتضى نفس أدلّة الأجزاء و الشرائط فقد تقدّم عند البحث في التنبیه الأوّل و قلنا: إنّ تلك الأدلّة لو كانت مطلقة بحیث تشمل صورة السهو و النسیان و التذكر فیلزم من تعذّر الجزء أو الشرط سقوط الواجب رأساً، بخلاف ما إذا لمتكن مطلقة فلایفید الكلام حول ذلك.
البحث هنا یقع في جهتین: ([6] )
الأولى: مقتضى الاستصحاب عند تعذّر الجزء أو الشرط.
و الثانیة: مقتضى الأدلّة الخارجیة و الروایات الواردة في خصوص ذلك.
الجهة الأولی: مقتضی الاستصحاب
هنا وجوه ستّة لتقریر الاستصحاب:
الوجه الأوّل: ما يستفاد من كلمات الشيخ الأنصاري ([7] )
استصحاب وجوب سائر الأجزاء و الشرائط یقتضي وجوب الإتیان بها، و هذا الوجوب المستصحب أعم من كونه وجوباً ضمنیاً أو استقلالیاً، فإنّ سائر الأجزاء و الشرائط كانت واجباً ضمنیاً قبل عروض التعذّر بالنسبة إلى بعض الأجزاء و الشرائط و بعد عروض التعذّر نشك في سقوط وجوب سائر الأجزاء و الشرائط فنستصحب وجوبها.([8] )
إیراد المحقّق الخوئي علی الوجه الأول
إنّه مبني على جریان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي و لانقول به، فإنّ الفرد المعلوم تحقّقه و هو الوجوب الضمني قد ارتفع یقیناً و الفرد الآخر و هو الوجوب الاستقلالي مشكوك الحدوث، فلیس هنا وجود واحد متیقّن الحدوث مشكوك البقاء لیحكم ببقائه للاستصحاب.([9] )
الوجه الثاني: ما أفاده الشیخ الأنصاري
و هو استصحاب وجوب الأجزاء المتمكن منها، للعلم بتعلّق الطلب بتلك الأجزاء، فلمیختلّ ركن الاستصحاب من الیقین السابق و الشك اللاحق، غایته أنّ المستصحب إنّما یكون هو القدر المشترك بین الوجوب النفسي و الوجوب المقدّمي، لأنّ وجوب الأجزاء المتمكن منها كان قبل تعذّر البعض مقدّمیاً، فإنّ الوجوب النفسي إنّما كان متعلّقاً بالكلّ، فیكون كلّ جزء واجباً بالوجوب المقدّمي و بعد تعذّر البعض یكون وجوبها نفسیاً فإنّه على تقدیر كون الأجزاء المتمكن منها واجبة واقعاً فوجوبها إنّما یكون نفسیاً و لكن تغیر صفة الوجوب لایمنع عن استصحاب القدر المشترك بین النفسي و المقدّمي.([10] )
إیراد المحقّق النائیني علی الوجه الثاني([11] )
أوّلاً: إنّ وجوب الجزء لایكون مقدّمیاً، بل الجزء إنّما یجب بعین الوجوب النفسي المتعلّق بالكلّ و لایمكن أن یتعلّق الوجوب المقدّمي بالجزء، بل نفس الطلب النفسي المتعلّق بالكلّ ینبسط على الأجزاء، نظیر انبساط البیاض على الجسم فیكون لكلّ جزء حظّ من الوجوب النفسي.
ثانیاً: إنّ استصحاب القدر المشترك بین الوجوب النفسي و الغیري یرجع إلى استصحاب القسم الثالث من الكلّي، فإنّ المتیقن هو الوجوب الكلي من نوع الوجوب الغیري على حسب فرض القائل و هذا الوجوب الكلي منتف قطعاً لانتفاء وجوب الكلّ المركب أمّا الوجوب الكلّي من نوع الوجوب النفسي لسائر الأجزاء و الشرائط فهو مشكوك الحدوث، و المفروض من كلام الشیخ هو أنّ الوجوب النفسي مغایر للوجوب المقدّمي سنخاً و حقیقةً.
و أمّا على القول بأنّ النفسیة و المقدمیة یكونان من مراتب الوجوب كالشدّة و الضعف فلایجري استصحاب القدر المشترك بینهما أیضاً لتباینهما عرفاً.