45/05/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ التنبیه الثاني؛ الجهة الثانیة: اعتبار قصد الجزئیة في تحقق الزیادة
الجهة الثانیة: اعتبار قصد الجزئیة في تحقّق الزیادة
هنا نظریتان مهمّتان:
قد اختلف الأعلام في اعتبار قصد الجزئیة في تحقّق الزیادة؛ فقال بعضهم بعدم اعتباره في تحقّق الزیادة([1] )، و قال بعض آخر باعتباره مطلقاً([2] )، و قال المحقّق النائیني بالتفصیل بین ما إذا كان الزائد من جنس المزید علیه فلایعتبر قصد الجزئیة في صدق الزیادة و ما إذا لمیكن الزائد من جنس المزید علیه فیعتبر قصد الجزئیة في صدقها و قال المحقّق الخوئي بالتفصیل بین الموارد غیر المنصوصة فیعتبر قصد الجزئیة في صدق الزیادة فیها و بین الموارد المنصوصة فلایعتبر قصد الجزئیة في صدقها.
النظریة الأولی: من المحقّق النائیني
إنّ المأتيّ به في أثناء العبادة إذا لمیكن من سنخ أجزاء العمل لا من الأقوال و لا من الأفعال، فلا ریب في عدم تحقّق الزیادة بمجرّد الإتیان به لا مع قصد الجزئیة لكونه أمراً مبایناً أجنبیاً عنها، فلا معنی لكونه زیادة فیها.
و كذلك الحال في ما إذا كان المأتي به من سنخ الأقوال، فإنّه مع قصد الجزئیة یكون مبطلاً للعبادة من جهة صدق الزیادة، فإنّ العبادة بالقیاس إلى بقیّة الأذكار مأخوذة لا بشرط.
و أمّا إذا كان المأتي به من سنخ الأفعال كالركوع و السجود، فلا فرق في صدق عنوان الزیادة بین قصد الجزئیة و عدمه، ضرورة أنّ الأفعال المعتبرة فیها إمّا یكون اعتبارها بشرط لا بالقیاس إلى الفرد الآخر، أو یكون العدد الخاص مأخوذاً فیها لامحالة و على كلّ حال لا ریب في صدق عنوان الزیادة بمجرّد وجودها ثانیاً، كما هو الظاهر.
نعم قصد الخلاف یوجب المباینة بینه و بین العبادة، المانعة عن صدق الزیادة، فلو أتی بسجدة في الصلاة شكراً مثلاً، فلایصدق علیها أنّها زیادة في المكتوبة.
و من هنا أفتی جماعة([3] ) بجواز الإتیان بصلاة الآیات في أثناء الفریضة الیومیة إذا ضاق وقتها، كما یجوز الإتیان بالفریضة الیومیة في أثناء صلاة الآیات عند الضیق بمقتضى النصّ الوارد فیه([4] )، نظراً إلى أنّ ورود النصّ لیس من جهة التعبّد الخاصّ حتّی یقتصر على مورده، بل من جهة عدم صدق الزیادة حینئذٍ، فیكون الحكم على القاعدة. ([5] )
هذا ما أفاده المحقّق النائیني ملخّصاً، و تظهر المناقشة فیه عند بیان نظریة المحقّق الخوئي.
النظریة الثانیة: من المحقّق الخوئي ([6] )
إنّ المحقّق الخوئي قال بالتفصیل بین الموارد المنصوصة فقال بعدم اعتبار قصد الجزئیة فیها و بین الموارد غیر المنصوصة فیعتبر قصد الجزئیة فیها.
و ما أفاده في الحقیقة یرجع إلى قاعدة كلّیة و هي «اعتبار قصد الجزئیة في تحقّق عنوان الزیادة» و قد استثنی منها الموارد المنصوصة فلایعتبر في تلك الموارد المنصوصة قصد الجزئیة.
أمّا بیان تلك القاعدة الكلّیة فهو أنّ المركب الاعتباري كالصلاة مثلاً مركب من أمور متباینة مختلفة وجوداً و ماهیةً، و الوحدة بینها متقوّمة بالقصد و الاعتبار، فلو أتی بشيء بقصد ذلك المركب كان جزءاً له و إلا فلا.
أمّا استثناء الموارد المنصوصة فبیانه أنّ تحقّق عنوان الزیادة فیها غیر متوقّف على القصد كالسجود، لما ورد من أنّ الإتیان بسجدة التلاوة في أثناء الصلاة زیادة فیها فبالتعبد الشرعي یجري علیه حكم الزیادة و إن لمیكن من الزیادة حقیقة، و یلحق بالسجدة الركوع بالأولویة القطعیة.
و یترتّب على ذلك عدم صحّة الإتیان بصلاة في أثناء صلاة أخری في غیر الموارد المنصوصة فإنّ الركوع و السجود المأتي بهما بعنوان الصلاة الثانیة محقّق للزیادة في الصلاة الأولى الموجبة لبطلانها، كما أفتی به جماعة من الفقهاء منهم المحقّق النائیني و المرحوم السیّد الإصفهاني ([7] )، هذا خلاصة نظریة المحقّق الخوئي.
فالمتحصّل هو أنّ القاعدة تقتضي عدم صدق الزیادة إلّا في ما إذا قصد الجزئیة إلّا أنّ الشارع قد یتعبّد بالنسبة إلى بعض الموارد بأنّ نفس إتیانها من دون قصد الجزئیة زیادة في الواجب فیحكم ببطلانه مثل السجود و الركوع كما أنّه قد یحكم بوجوب أمر في ضمن الصلاة مع أنّه لیس منها و لایعدّ زیادة فیها مثل جواب السلام و من قبیل ذلك الصلاة عند ذكر النبي الأكرم و أهل البیت( فإنّها إمّا واجبة أو مستحبة و إن كانت في أثناء الصلاة بل في أثناء قراءة الحمد و السورة، فإنّ الصلاة في أثناء الحمد مثلاً لیست جزءاً للصلاة و لمیقصد جزئیتها بل هي واجب أو مستحب مستقل و إن كانت في أثنائها، و من هذا القبیل أیضاً الشهادة بالولایة عند الشهادة بالرسالة فإنّها مستحبة و إن كانت أثناء التشهد، من غیر أن یقصد جزئیتها للتشهد أو للصلاة.
التحقیق في المقام
إذا عرفت ذلك فنقول: لابدّ من التكلّم أوّلاً في ما تقتضیه القاعدة الأولیة و ثانیاً في ما تقتضیه القاعدة الثانویة و هي مقتضى الروایات، فإنّها و إن كانت ثانویة في ترتیب البحث إلا أنّها تتقدّم على القاعدة الأولیة.
القاعدة الأولیة
قال المحقّق النائیني[8] و أیضاً المحقّق الخوئي:([9] ) إنّ مرجع الشك في بطلان العبادة من جهة الزیادة العمدیة أو السهویة إلى الشك في اعتبار عدم تلك الزیادة في العبادة جزءً أو شرطاً.
و بعبارة أخری: نشك في أنّ العبادة بالنسبة إلى هذه الزیادة، بشرط لا أو لابشرط و مقتضى الأصل عند الشك في اعتبار عدم الزیادة هو عدم الاعتبار.
و بعبارة أوضح إذا شككنا في أنّ العبادة بالنسبة إلى هذه الزیادة اعتبرت لا بشرط أو بشرط لا فالأصل یقتضي كونها لابشرط، لأنّ كونه بشرط لا تضییق و لابدّ من وجود بیان علیه أمّا اعتبار لابشرط فلیس فیه تضییق و لایحتاج إلى البیان و حیث لمیصل إلینا بیان فنحكم بأنّ العبادة بالنسبة إلیه لابشرط و تجري البراءة عن اعتبار كونها بشرط لا.([10] )
القاعدة الثانویة
هنا روایات لابدّ من ملاحظة مدلولاتها و نسبة بعضها إلى بعض.
في المقام ثلاث طوائف من الروایات
الطائفة الأولى: ما دلّ على بطلان العبادة بالزیادة في الأركان و غیر الأركان عمداً كان أم سهواً.
صحیحة أبي بصیر:
الكلیني عن الحسین بن محمّد [بن عامر الثقة الإمامي] عن عبدالله بن عامر [الأشعري الثقة الإمامي الجلیل القدر] عن علي بن مهزیار [الجلیل القدر] عن فضالة بن أیوب [الذي هو من أصحاب الإجماع] عن أبان بن عثمان عن أبي بصیر الأسدي قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْدِ الله: «مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ».([11] )
و رواها الشیخ الطوسي بإسناده عن علي بن مهزیار أیضاً. ([12] )
الطائفة الثانیة: ما دلّ على بطلان العبادة بالزیادة السهویة في الأركان و غیر الأركان.
صحیحة زُرَارَةَ وَ بُكَيْرٍ ابْنَيْ أَعْيَنَ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ وَ بُكَيْرٍ ابْنَيْ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ (رَكْعَةً) لَمْيَعْتَدَّ بِهَا (فَاسْتَقْبَلَ) صَلَاتَهُ اسْتِقْبَالًا إِذَا كَانَ قَدِ اسْتَيْقَنَ يَقِيناً».([13] )
الطائفة الثالثة: ما دلّ على بطلان العبادة بالزیادة أو النقیصة في الأركان دون غیرها.
صحیحة زرارة:
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَاتُعَادُ الصَّلَاةُ إِلَّا مِنْ خَمْسَةٍ: الطَّهُورِ وَ الْوَقْتِ وَ الْقِبْلَةِ وَ الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ؛ ثُمَّ قَالَ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ وَ التَّشَهُّدُ سُنَّةٌ فَلَا تَنْقُضُ السُّنَّةُ الْفَرِيضَةَ».([14] )
فلابدّ من ملاحظة هذه الطوائف و مقتضى الجمع بینها.
نسبة الطائفة الأولی و الطائفة الثالثة
النسبة بينهما هي العموم و الخصوص من وجه و ذلك لأنّ الطائفة الأولى تشمل صورة العمد و لاتشملها الطائفة الثالثة، و الطائفة الثالثة تشمل صورة النقیصة و لاتشملها الطائفة الأولى ، و كلّ منهما تشمل صورة الزیادة السهویة و لكن الحكم بالنسبة إلى مورد اجتماعهما مختلف حیث أنّ الطائفة الأولى تحكم ببطلان العبادة في صورة الاجتماع مطلقاً و لكن الطائفة الثالثة تحكم ببطلانها في صورة الاجتماع و هي الزیادة السهویة في ما إذا كانت ركناً أمّا الزیادة السهویة في غیر الأركان فلاتوجب بطلان العبادة على ما دلّت علیه الطائفة الثالثة.