45/05/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ التنبیه الأول؛ الموضع الثاني: مقتضی الأصل العملي
الموضع الثاني: مقتضی الأصل العملي
إنّ الأعلام اختلفوا في مقتضى الأصل العملي؛ فقال بعضهم مثل المحقّق النائیني([1] ) بأنّ مقتضى الأصل العملي وجوب الإعادة و القضاء عند نسیان بعض القیود المعتبرة في الواجب إذا احتمل قیدیّتها المطلقة غیر المختصّة بحال التذكر، و قال بعضهم مثل المحقّق الخوئي بالتفصیل و هو المختار.
تفصیل المحقّق الخوئي([2] ) (المختار)
تحقیق الكلام هنا یقتضي البحث في موردین:
المورد الأوّل
و هو ما إذا لمیتمكن المكلّف من الإتیان بالعمل مستجمعاً لجمیع الأجزاء و الشرائط بعد نسیان جزء أو شرط منه، و الشك في الجزئیة أو الشرطیة المطلقة فیه ملازم للشك في وجوب غیر المنسي من الأجزاء و الشرائط، فإنّه إذا أمر المولى عبده بالوقوف في یوم معین من طلوع الشمس إلى الزوال مثلاً، و نسي المكلّف فلمیقف ساعة من أوّل النهار، و شك في أنّ جزئیة الوقوف في هذه الساعة مطلقة لیترتّب علیها سقوط الأمر بالوقوف في الساعات المتأخرة أو أنّها مقیّدة بحال الذكر لیكون الأمر متعلّقاً بالوقوف في الساعات المتأخرة، فلا محالة یكون الشك في الإطلاق و التقیید شكاً في التكلیف بغیر المنسي من الأجزاء و الشرائط فیكون المرجع هو البراءة و یحكم بعدم وجوب الإتیان بغیر المنسيّ من الأجزاء و الشرائط.
(و بعبارة أخری: إنّ الوقوف في كلّ الوقت و هو من الطلوع إلى الزوال حسب الفرض غیر ممكن لعدم الوقوف في الساعة الأولى بعد الطلوع نسیاناً و الوقوف في بقیة الوقت هو مشكوك الوجوب فهذا المثال یرجع إلى الشك في التكلیف فلاتصل النوبة إلى إعمال قاعدة الأقلّ و الأكثر).
المورد الثاني
و هو ما إذا تمكّن المكلّف من الإتیان بالعمل مستجمعاً لجمیع الأجزاء و الشرائط بعد نسیان جزء أو شرط منه و حینئذٍ یكون الشك في إطلاق الجزئیة أو الشرطیة أو تقییدهما بحال الذكر في هذا المورد شكاً في جواز الاكتفاء بما أتی به من الأجزاء و الشرائط و عدمه، فإنّه إذا نسي المكلّف جزءاً من الصلاة و تذكر بعد تجاوز محلّه؛ فإن كانت الجزئیة مطلقة لزمه إعادتها و الإتیان بها مستجمعة لجمیع الأجزاء و الشرائط، و إن كانت الجزئیة مقیّدة بحال الذكر اكتفی بما أتی به و لا تجب علیه الإعادة، لأنّ العمل المأتي به حینئذٍ لمیكن فاقداً لشيء من الأجزاء و الشرائط.
و المحقّق الخوئي یری أنّ هذا المورد الثاني هو بعینه من صغریات الأقلّ و الأكثر الارتباطیین في الأجزاء التحلیلیة، فهو مجری أصالة البراءة.
بیانه: إنّ جزئیة هذا الشيء أو شرطیة ذاك الشيء للصلاة في حال الذكر معلومة و أمّا الجزئیة أو الشرطیة في حال النسیان فهي مشكوك فیها فتجري البراءة عن الجزئیة أو الشرطیة.
و بعبارة أخری أمر الجزئیة و الشرطیة مردّد بین الأقلّ و الأكثر، فالأقلّ معلوم تفصیلاً فتجري البراءة عن الجزئیة أو الشرطیة بالنسبة إلى الأكثر.([3] )
التنبیه الثاني: الزیادة العمدیة و السهویة في أجزاء الواجب
لابدّ من تنقیح مفهوم الزیادة من جهتین:
الأولى: من جهة أنّ الزیادة هل تتحقّق في الأجزاء أو لا؟
الثانیة: من جهة أنّ الزیادة على فرض تصویرها و إمكانها في الواجبات المركبة، هل یتوقّف صدقها على قصد الجزئیة أو قصد الزیادة أو لا؟
الجهة الأولی: إمكان الزیادة في أجزاء الواجب
إنّه قد یقال باستحالة تحقّق الزیادة في أجزاء المركبات الاعتباریة و لكن مختار المشهور هو إمكان تحقّقها، فلابدّ حینئذٍ من إثبات الإمكان.
الدلیل علی استحالة تحقّق الزیادة
إنّ الجزء الذي اعتبر دخله في الواجب لایخلو من اعتبارین: اعتبار اللابشرط القسمي و اعتبار بشرط لا بالنسبة إلى الزیادة فعلى تقدیر اعتباره بنحو اللابشرط القسمي (أي الإطلاق) یتّصف كلّ ما أُتي به في الخارج من تلك الطبیعة بالجزئیة سواء كان المأتي به فرداً واحداً أم متعدّداً مثل تكرار ذكر الركوع و ذكر السجدة، فما اعتبر أنّه زائد لیس في الحقیقة زائداً بل هو من مصادیق المأمور به.
و على تقدیر اعتباره بشرط عدم انضمام فرد آخر إلیه، یكون انضمامه إلیه موجباً لانتفاء الجزء الذي اعتبر دخله في الواجب، و معنی ذلك هو نقصان المركب و عدم اشتماله على الجزء المعتبر فیه، لأنّ المعتبر فیه هو الجزء بشرط لا و مع انضمام أمر آخر إلیه ینتفي ذلك و لایصدق حینئذٍ الزیادة، فإنّ ما أُتي به لیس جزء الواجب و ما هو جزء الواجب لمیؤت به.([4] )
مناقشات ثلاث من المحقّق الخوئي([5] ) في هذا الدلیل
المناقشة الأولی
إنّه یمكن أن تؤخذ طبیعة السورة مثلاً بنحو صرف الوجود جزءً للواجب بحیث یكون الفرد الأوّل الناقض للعدم هو المتّصف بالجزئیة لا غیر، فیكون الوجود الثاني زائداً علیه لامحالة.
قال المحقّق الخوئي في توضیح ذلك:([6] )
إنّ أخذ شيء جزءً للمأمور به على نحو لابشرط یتصور على نحوین:
الأوّل: أن یكون الطبیعي مأخوذاً في المركب من دون نظر إلى الوحدة و التعدّد و في هذا لایمكن تحقّق الزیادة كما ذكر.
و الثاني: أن یكون مأخوذاً بنحو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات ففي مثل ذلك انضمام الوجود الثاني و عدمُه و إن كانا على حدّ سواء في عدم الدخل في جزئیة الوجود الأوّل -فإنّ هذا معنی أخذ لابشرط- إلا أنّه لایقتضي كون الوجود الثاني أیضاً مصداقاً للمأمور به و حینئذٍ تتحقّق الزیادة بتكرّر الجزء لامحالة.([7] )
المناقشة الثانیة
إنّ الجزء المأخوذ في الواجب إذا أُخذ فیه العدد الخاص كالركوع و السجود مع عدم أخذه بشرط لا بالإضافة إلى انضمام فرد آخر إلیه، فلا ریب في صدق الزیادة حینئذٍ إذا أُضیف إلیه ذلك، ضرورة أنّ الموجود في الخارج حینئذٍ یكون زائداً على العدد المأخوذ لامحالة.([8] )
ملاحظة علیها
إنّ العدد المخصوص مثل الواحد أیضاً اعتبر فیه قید بشرط لا عن الانضمام فما تصوّره من اعتبار عدد خاصّ مع أخذ هذا العدد بشرط لا ممنوع.
المناقشة الثالثة
إنّ أخذ الطبیعة بشرط لا و إن كان موجباً للنقصان مع الضمیمة عقلاً كما ذكره القائل بالاستحالة إلا أنّه لا ریب في صدق الزیادة عرفاً و إن لمیكن كذلك عقلاً بالدقّة الفلسفیة.([9] )