45/05/06
بسم الله الرحمن الرحیم
و هي أن یعلم وجوب الفعل الأوّل، و احتمل أیضاً وجوب الفعل الثاني بأن یكون عدلاً له حتّی یكون وجوبهما وجوباً تخییریاً، كما أنّه احتمل أن یكون الفعل الثاني مسقطاً لوجوب الفعل الأوّل بأن یكون عدم الإتیان بالفعل الثاني شرطاً لوجوب الفعل الأوّل تعییناً، و اختلف الأعلام؛ فقال صاحب الكفایة و المحقّق النائیني بالتعیین، و قال المحقّق الخوئي بالتخییر.
إنّ حدیث الرفع یشمل ما شك في شرطیته في ما إذا دار الأمر بین المشروط و غیر المشروط في الأقلّ و الأكثر الارتباطیین مثل دوران الأمر في العتق بین أن یكون العبد مسلماً و أن یكون مؤمناً فإنّ شرطیة الإیمان أمر وضعي و قابل للجعل و لذا یمكن رفعه بجریان البراءة الشرعیة فدلّ على عدم شرطیة ما شك في شرطیته.
و أمّا إذا كان الدوران بین الأقلّ و الأكثر من جهة احتمال شرطیة خصوصیة مقوّمة ذاتیة فهنا یشكل الأمر، لأنّ الخصوصیة الذاتیة إنّما تكون منتزعة عن نفس الخاصّ و لیست تلك الخصوصیة قابلة للجعل حتّی تكون قابلة للوضع، و حینئذٍ إذا شككنا في أنّ المولى أمر بذبح حیوان مطلقاً سواء كان شاة أم بقرة أم جزوراً أو أمر بذبح خصوص الشاة فلایمكن جریان حدیث الرفع بالنسبة إلى الخصوصیة الذاتیة للشاة و ما أفاده من صغریات مسألة الدوران بین التعیین و التخییر لأنّا نشك في وجوب ذبح خصوص الشاة أو وجوب ذبح الشاة مخیّراً بینه و بین ذبح البقرة و غیرها فالقاعدة هي الاشتغال.
إنّ الخصوصیة و إن كانت منتزعة من نفس الخاص و غیر قابلة للوضع و الرفع، إلا أنّ اعتبارها في المأمور به قابل للوضع و الرفع فإذا شك في ذلك كان المرجع هو البراءة.
إذا علم وجوب شيء في الجملة و دار الأمر بین تعیینیّته و تخییریته، فلا مناص فیه من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال و الحكم بالتعیینیة عملاً، إذ الواجب التعییني غیر محتاج في عالم الثبوت إلا إلى قید عدمي بأن لایكون له عدل في مرحلة الطلب، كما أنّه في عالم الإثبات كذلك، بل إثبات التعیینیة في عالم الإثبات بعدم التقیید بمثل العطف بكلمة «أو» إنّما هو لكشفه عن العدم في عالم الثبوت، فإذا كان أصل الوجوب معلوماً و شك في تخییریته من جهة احتمال تقیده بوجود العدل له، فلا محالة یحكم بالتعیینیة بمقتضی ضمّ الوجدان إلى الأصل، لعدم ثبوت التقیید، مع حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكلیف الثابت تعییناً.
إنّا لانسلم أن الوجوب التخییري بحسب مقام الثبوت یحتاج إلى مؤونة زائدة بنحو الإطلاق، بل لابدّ من التفصیل بین التخییر العقلي و التخییر الشرعي، فإنّ التخییر العقلي لایحتاج إلى مؤونة زائدة و لكن التخییر الشرعي هو محتاج إلى مؤونة زائدة.
أمّا التخیر العقلي فهو یحتاج إلى لحاظ الجامع فقط، كما أنّ الوجوب التعییني یحتاج إلى لحاظ الواجب الخاص فقط، فلیس هناك مؤونة زائدة في الوجوب التخییري، و أمّا التخییر الشرعي فهو یحتاج إلى مؤونة زائدة، لأنّ الجامع في التخییر الشرعي هو عنوان أحد الشیئین و من الواضح أنّ لحاظ أحد الشیئین یحتاج إلى لحاظ نفس الشیئین فیكون الوجوب التخییري محتاجاً إلى مؤونة زائدة بالنسبة إلى الوجوب التعییني.
إنّ ما أفاده في التخییر العقلي من أنّه لایحتاج إلى مؤونة زائدة متین كما أنّ ما أفاده في التخییر الشرعي من أنّه یحتاج إلى مؤونة زائدة أیضاً تامّ، إلا أنّ الكلام في وجه ذلك فإنّ ما أفاده المحقّق الخوئي هنا مبتن على ما سلكه في حقیقة الوجوب التخییري فإنّه قال بأنّ الواجب في الوجوب التخییري الشرعي هو عنوان أحدهما أو أحدها الذي هو جامع انتزاعي؛ فالمتعلّق في الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقي، و في الواجبات التخیيریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنواني.
و ما أفاده و اختاره في حقیقة الوجوب التخییري الشرعي مخالف لظواهر الأدلّة لأنّ الوجوب متعلّق بنفس الصوم و العتق و الإطعام إلا أنّ بعضها معطوف على الآخر بحرف «أو» و الأدلّة غیر مشتملة على عنوان أحدهما أو أحدها، كما ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه: «يُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِيقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ كِسْوَتُهُمْ لِكُلِ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَ هُوَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ صَنَعَ» ([5] )
كما أنّ ما أفاده المحقّق النائیني([6] ) في التخییر الشرعي أیضاً ممّا لایمكن الالتزام به حیث قال بأنّ الواجب هو الفرد المردّد و استحالة التردّد في متعلّق الإرادة یختص بالإرادة التكوینیة و أمّا الإرادة التشریعیة فتتعلّق بالأمر المردد و المبهم.
و قد تقدّم([7] ) إیراد المحقّق الإصفهاني على هذه النظریة بأنّ تعلّق التكلیف بالمردّد محال، لأنّ المردّد لا ثبوت له ذاتاً و لا وجوداً فلایتعلّق به أیّة صفة كانت حقیقیة أم اعتباریة.
و التحقیق في الوجوب التخييري الشرعي أن یقال بمقالة المحقّق الإصفهاني ملخصه:([8] )
إنّ هنا فرضین متصورین في الوجوب التخییري الشرعي:
و أمّا كونه محتاجاً إلى مؤونة زائدة على الوجوب التعییني في مقام الثبوت فلأنّ جواز ترك كلّ منهما إلى البدل له مؤونة زائدة، كما أنّ ثبوت مصلحة الإرفاق و التسهیل في الفرض الأوّل أیضاً له مؤونة زائدة و أمّا كونه محتاجاً إلى مؤونة زائدة في مقام الإثبات فلأنّ التخییریة متوقّفة على العطف بحرف «أو» حتّی یكون الإثبات كاشفاً عن مقام الثبوت و هذا مؤونة زائدة على إثبات الوجوب التعییني.
فإذا دار الأمر بین التعیین و التخییر الشرعي فهنا وجهان لإثبات القول بالتعیین: