45/05/05
بسم الله الرحمن الرحیم
بیان ذلك: إنّ للقراءة مراتب مختلفة؛ المرتبة العالیة من القراءة هي القراءة الصحیحة من جمیع الجهات، و المرتبة الثانیة من القراءة هي القراءة التي لاتصحّ بالنسبة إلى أداء بعض مخارج الحروف.
و هنا قد ورد في بعض الروایات ترتّب المرتبة الثانیة من القراءة على تعذّر المرتبة الأولى منها و یستفاد ذلك ممّا ورد من أنّ «سِينَ بِلَالٍ عِنْدَ اللَّهِ شِينٌ»([1] ) و هذه الروایة تدلّ على عدم بدلیة الائتمام عن المرتبة العالیة و إلا لكان تنزیل سین بلال شیناً مترتّباً على تعذّر الائتمام أیضاً، فمن عدم التقیید في الروایة بتعذّر الائتمام یستكشف عدم ثبوت البدلیة عن المرتبة العالیة.
و الحاصل أنّ ما هو المسلّم عند الفقهاء من بدلیة الائتمام عن المرتبة و كونه أفضل فردي الواجب لایدلّ على أزید من البدلیة عن مجموع مراتب القراءة، و أمّا بدلیّته عن خصوص المرتبة العالیة فهي مشكوكة لو لمنقل بقیام الدلیل على خلافها.
إنّ الروایة ضعیفة بالإرسال فلایصح الاستدلال بها، فإنّ هذه الروایة مرویّة في عدّة الداعي بهذه العبارة عنهم(: «إِنَّ سِينَ بِلَالٍ عِنْدَ اللَّهِ شِينٌ» ([3] ).
إنّ ما یتحمّله الإمام عن المأموم هي القراءة و لیس فیها حرف الشین لیتعیّن الائتمام عند تعذر التلفّظ به على تقدیر كون الوجوب تخییریاً، فأمر بلال دائر بین ترك الصلاة رأساً و الاكتفاء بالسین بدلاً عن الشین في التشهد الذي لا فرق فیه بین الإتیان بالصلاة فرادی و جماعة، لعدم قدرته على التلفّظ بالشین، و التكلیف بغیر المقدور قبیح یستحیل صدوره عن الحكیم تعالى فقال النبي على تقدیر صحّة الروایة: إنّ تكلیفه الاكتفاء بالسین لا ترك الصلاة رأساً.
إن قلت: إنّ قوله یدلّ على أنّ التلفّظ بالحروف غلطاً یكفي عن التلفّظ بها صحیحاً عند التعذّر حتّی في القراءة فلایجب الائتمام فیستكشف منه عدم كونه عدلاً للقراءة.
قلت: إنّ هذا خروج عن مفاد النصّ، فإنّ مفاده الاكتفاء بالسین بدلاً عن الشین لا الاكتفاء بكلّ لفظ عن الآخر.
إنّ مقتضى التحقیق هو تمامیّة دلالة المرسلة لعدم احتمال خصوصیة في حرف «الشین» كما أنّه لا خصوصیة في شخص بلال.
و یدلّ علیه روایات أخر:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: «إِنَّ الرَّجُلَ الْأَعْجَمِيَّ مِنْ أُمَّتِي لَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِعَجَمِيَّةٍ [بِعُجْمَتِهِ] فَتَرْفَعُهُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ»([4] ).
محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن النضر (بن سوید الصیرفي و هو من الأجلاء) عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ مِنَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعَ وَ السُّجُودَ، أَ لَاتَرَى أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ لَايُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ أَجْزَأَ أَنْ يُكَبِّرَ وَ يُسَبِّحَ وَ يُصَلِّيَ»([5] [6] [7] ).
عبد الله بن جعفر (الحمیري جلیل القدر) في قرب الإسناد عن هارون بن مسلم (و هو أیضاً ثقة جلیل القدر) عن مسعدة بن صدقة([8] ) قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: «إِنَّكَ قَدْ تَرَى مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنَ الْعَجَم لَايُرَادُ مِنْهُ مَا يُرَادُ مِنَ الْعَالِمِ الْفَصِيحِ وَ كَذَلِكَ الْأَخْرَسُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَ التَّشَهُّدِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَجَمِ وَ الْمُحَرَّمِ لَايُرَادُ مِنْهُ مَا يُرَادُ مِنَ الْعَاقِلِ الْمُتَكَلِّمِ الْفَصِيح».([9] )
و في هامش الوسائل: جلد محرّم أي: لمتتمّ دباغته بعد، و ناقة محرّمة أي: لمیتمّ ریاضتها بعد.
إنّ التمثیل بمسألة القراءة و الائتمام للمقام غیر صحیح، لأنّ المكلّف مكلّف بطبیعي الصلاة، و له أن یوجده في ضمن أي فرد من أفراده، فهو مخیّر بین الإتیان بالصلاة فرادی، فتجب علیه القراءة، و الإتیان بها جماعة فیتحمّلها الإمام عنه.
فلیس هناك تردید و دوران بین التخییر و التعیین، بل التخییر بین هذین الفردین من الكلّي ثابت و معلوم، مع كون أحدهما أفضل من الآخر.
فلو تعذّر الإتیان بفرد فلا إشكال في وجوب الإتیان بفرد آخر، فیجب الإتیان بالصلاة جماعة على تقدیر تعذّر الإتیان بها فرادی، لعدم القدرة على القراءة. هذا ما تقتضیه القاعدة.
إلا أنّه وردت نصوص كثیرة تدلّ على جواز الاكتفاء بما یحسنه من القراءة عند التعذّر و لولا هذه النصوص لكان مقتضى القاعدة هو وجوب الائتمام على من لمیتمكن من القراءة الصحیحة.
هو أنّ ما أفاده المحقّق الخوئي في المناقشة الثالثة تامّ بلا إشكال حیث أنّ التخییر بین القراءة و الائتمام لیس تخییراً شرعیاً بل هو تخییر عقلي من باب التخییر في الطبیعة المأمور بها بین أفرادها.
ثم إنّ المحقّق النائیني أشار إلى أنّ التخییر بین صلاة الفرادی و صلاة الجماعة إن كان تخییراً شرعیاً فلایمكن العدول من كلّ منهما إلى الآخر و إن كان التخییر تخییراً عقلیاً فیمكن العدول من كلّ منهما إلى الآخر إلا أنّ العدول من الفرادی إلى الجماعة ممنوع للنص الوارد فیه و أمّا العدول من الجماعة إلى الفرادی فلا مانع منه و التخییر الشرعي بین صلاة الفرادی و صلاة الجماعة متوقّف على اختلافهما في الماهیة.
و التحقیق هو عدم اختلافهما في الماهیة فالتخییر بینهما تخییر عقلي و لعلّ منشأ المناقشة الثالثة هو نفس ما أفاده في هذا البیان.