45/04/27
بسم الله الرحمن الرحیم
تحقیق الجواب عن هذا الإشكال یتوقّف على بیان مقدّمات:
المقدّمة الأولى: إنّ ما لایمكن تعلّق الإرادة التكوینیة به لایمكن تعلّق الإرادة التشریعیة به و الوجه فیه ظاهر، فإنّ الإرادة التشریعیة إنّما هي لتحریك عضلات العبد و إرادته نحو شيء، فإذا فرضنا استحالة ذلك في الخارج، فیستحیل تعلّق الإرادة التشریعیة به أیضاً.
المقدّمة الثانیة: إنّ ما تعلّقت به الإرادة الأصلیة (الداعیة) و ما هو المطلوب بالذات قد یكون مقدوراً اختیاریاً فلا محالة تتعلّق به الإرادة الفاعلیة أیضاً و قد یكون غیر مقدور و غیر اختیاري «نظیر كون الزرع سنبلاً» إلا أنّ بعض مقدّماته و علله الإعدادیة یكون مقدوراً و اختیاریاً فلا محالة تتعلّق الإرادة الفاعلیة بهذه المقدّمات.
المقدّمة الثالثة: إنّ الفعل الاختیاري إمّا علّة تامّة للآثار المرتبة علیه أو جزء أخیر للعلّة التامّة بحیث یترتّب علیه الأثر بلافصل و بلا واسطة أمر آخر و إمّا لیس كذلك، بل لایترتّب علیه الأثر بلافصل لأنّ الفعل الاختیاري هو علّة إعدادیة لهذا الأثر.
أمّا القسم الأوّل فیمكن فیه تعلّق الإرادة الفاعلیة بالأثر لأنّه مقدور للمكلّف و لذا یمكن تعلّق الإرادة الأمریة أیضاً به و أمّا القسم الثاني فلایمكن فیه تعلّق الإرادة الفاعلیة بالأثر لأنّ الأثر غیر مقدور للمكلّف و لذا لایمكن تعلّق الإرادة الأمریة بهذا الأثر.
و نتیجة هذه المقدّمات هو أنّه إن علمنا أنّ الفعل المأمور به علّة تامّة لحصول الغرض فیكون الغرض مقدوراً للمكلّف فیجب الاحتیاط بإتیان الأكثر حتّی یحصل الغرض و إن علمنا أنّ الفعل المأمور به علّة إعدادیة لحصول الغرض فلایكون الغرض مقدوراً للمكلّف فلایجب على المكلّف تحصیله لعدم إمكان تحصیله، لأنّ حصوله متوقّف على مقدّمات خارجة عن اختیار المكلّف و حینئذٍ لایجب على المكلّف إلا الإتیان بالفعل المأمور به و حیث أنّ وجوب الأقلّ قد تمّ فیه البیان من الشارع فیجب الإتیان به، و أمّا وجوب الأجزاء الزائدة علیه فیكون مجری أصالة البراءة هذا بحسب مقام الثبوت.
أمّا بحسب مقام الإثبات فلو شككنا في أنّ تأثیر الفعل المأمور به في الغرض هل هو بنحو العلّیة التامّة أو بنحو العلّیة الإعدادیة؟ فحینئذٍ لابدّ من ملاحظة الدلیل الشرعي في مقام الإثبات، فإن كان الأمر متعلّقاً بالغرض و الأثر مثل الأمر بالطهارة في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾([2] ) یستكشف منه أنّ تحصیل الغرض مقدور للمكلّف، و إلا لمیأمر الشارع به، و حینئذٍ یجب الاحتیاط عند دوران الأمر بین الأقلّ و الأكثر.
و إن كان الأمر متعلّقاً بالفعل المأمور به، كالأمر بنفس الصلاة المركبة من الأجزاء الذي هو مقدّمة لحصول الغرض فبتبعیة مقام الإثبات لمقام الثبوت یستكشف أنّ الأثر و الغرض خارج عن تحت القدرة و الاختیار و إلا لكان البعث نحو مقدّمته على خلاف الحكمة حیث أنّ المقصود الأولي هو حصول الغرض.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ الأحكام الشرعیة و إن كانت تابعةً للملاكات التي في متعلّقاتها إلا أنّه من جهة عدم كونها ممّا تنالها ید العرف لعدم معرفتهم بها بالضرورة یكون الشارع هو المتكفّل بإیقاع أمره على نحو یفي بغرضه، و حیث أنّ المفروض عدم تعلّق الأمر الشرعي إلا بنفس الأفعال، یستكشف منه عدم قابلیة الأغراض لتعلّق الأمر بها لا بنحو الاستقلال و لا بنحو التقیّد، فالعقل یستقلّ بعدم لزوم تحصیلها على المكلّف، فإنّ الواجب علیه هو تحصیل ما تعلّقت به إرادته التشریعیة، فكلّ ما تعلّقت به إرادته یجب تحصیله علیه، و غیره لایجب علیه تحصیله و إن كان له دخل في الغرض واقعاً، فإنّ الشارع في مثل الفرض هو الذي أخلّ بغرضه بعدم أخذه في متعلّق أمره دون المكلّف، فعند احتمال دخل شيء في الغرض الداعي على أمره مع عدم أخذه في متعلّق الأمر لایكون الشك راجعاً على الشك في الامتثال حتّی یكون مجری أصالة الاحتیاط، بل تجري أصالة البراءة العقلیة و قاعدة قبح العقاب بلابیان.
إنّ المترتّب على المأمور به غرضان:
أحدهما الغرض الأقصی الذي نسبته إلى المأمور به نسبة المعلول إلى العلل الإعدادیة، فلیس مقدوراً للمكلّف و لا متعلّقاً للتكلیف.
ثانیهما الغرض الإعدادي الذي نسبته إلى الفعل المأمور به نسبة المعلول إلى علّته التامّة، و قد یعبر عنه في كلام بعض الأساطین([3] ) بسدّ باب العدم من ناحیة المقدّمة.
فعلى القول بوجوب تحصیل الغرض یجب الإتیان بالأكثر تحصیلاً للعلم بهذا الغرض الذي تكون نسبته إلى المأمور به نسبة المعلول إلى علّته التامّة، فكون الغرض الأقصى خارجاً عن قدرة المكلّف لایفید في دفع الإشكال، بعد الالتزام بوجوب الاحتیاط في ما إذا كان الغرض مترتّباً على المأمور به ترتّب المعلول على العلّة التامّة، لأنّ الغرض الإعدادي الذي نشك في حصوله بإتیان الأقلّ یكفي لوجوب الاحتیاط و الإتیان بالأكثر.
إن كان الغرض بنفسه متعلّقاً للتكلیف فیجب على المكلّف إحراز حصوله و الإتیان بما یكون محصّلاً له یقیناً.
و إن كان التكلیف متعلّقاً بالفعل المأمور به، فلایجب على العبد إلا الإتیان بما أمر به المولى ، فعلیه أن یأمر العبد بما یفي بغرضه، فلو فرض عدم تمامیة البیان من قبل المولى لایكون تفویت الغرض مستنداً إلى العبد فلایكون العبد مستحقّاً للعقاب.
و بالجملة لایزید الغرض على أصل التكلیف، فكما أنّ التكلیف الذي لمیقم علیه بیان من المولى مورد لقاعدة قبح العقاب بلابیان، كذلك الغرض الذي لمیقم علیه بیان من المولى مورد لقاعدة قبح العقاب بلابیان.
فإنّ الغرض المشكوك ترتّبه على الأقلّ أو الأكثر، إن كان مترتّباً على الأقلّ كانت الحجّة علیه تامّة و صحّ العقاب على تفویته بترك الأقلّ و إن كان مترتّباً على الأكثر لمتقم علیه الحجّة من قبل المولى و كان العقاب على تفویته بترك الأكثر عقاباً بلابیان.
و تقریره عین ما تقدّم([5] ) في البراءة العقلیة، لأنّ العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر ینحلّ بالعلم التفصیلي بوجوب الأقلّ و الشك البدوي في وجوب الجزء الزائد علیه، و حیث أنّ وجوب الزائد غیر معلوم فتجري فیه قاعدة «رفع ما لایعلمون».
و بتعبیر آخر: إنّ الأقلّ واجب قطعاً بنحو القضیّة المطلقة لا المهملة و أمّا اعتباره بشرط الشيء فهو مشكوك بدواً و حیث أنّ هذا الاعتبار یشتمل على تكلیف زائد على وجوب الأقلّ تجري فیه البراءة الشرعیة، لأنّ التكلیف بالنسبة إلى الجزء المشكوك غیر معلوم فتجري فیه البراءة النقلیة، لأنّ موضوعها و هو «ما لایعلمون» ینطبق على الجزء المشكوك.
إنّ الشك في كون الماهیة المأمور بها مأخوذة لابشرط أو بشرط شيء عبارة أخری عن الشك في كون الماهیة مطلقةً أو مقیّدةً، و قد ذكرنا مراراً أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید إنّما هو تقابل العدم و الملكة، فشمول حدیث الرفع للجزء المشكوك و نفي جزئیته من جهة الشك في انبساط الأمر النفسي إلیه، یثبت الإطلاق الظاهري، و أنّ الماهیة المأمور بها لیست في مقام الظاهر مقیّدة و إن كانت في الواقع كذلك، و مع ثبوت إطلاق المأمور به و لا بشرطیته و لو ظاهراً یتحقّق الانحلال لامحالة و یرتفع الإجمال المانع عنه (أي یرتفع إهمال قضیة وجوب الأقلّ الذي هو المعلوم تفصیلاً، فإنّ المحقّق النائیني قال: إنّ انحلال العلم الإجمالي لابدّ أن یكون بالعلم التفصیلي بوجوب الأقلّ على نحو القضیة المطلقة لا المهملة و حیث أنّ جریان البراءة العقلیة بالنسبة إلى التقیید بالجزء المشكوك لایثبت الإطلاق «لأنّ مفاد البراءة العقلیة هو قبح العقاب لا نفي التكلیف عن الجزء المشكوك» فلایمكن إثبات الإطلاق بالبراءة العقلیة، بخلاف البراءة الشرعیة حیث أنّها تنفي التقیید و ذلك یثبت الإطلاق، فیرتفع الإجمال و الإهمال الذي یمنع عن انحلال العلم الإجمالي، و نتیجة ذلك هو انحلال العلم الإجمالي، و وجوب الأقلّ و جریان البراءة الشرعیة عن وجوب الجزء المشكوك.)
ثم قال المحقّق النائیني: إنّه لو قلنا بأنّ تقابل الإطلاق و التقیید هو تقابل التضادّ أیضاً ینحلّ العلم الإجمالي و تجري البراءة الشرعیة عن وجوب الجزء المشكوك، لأنّ كون الإطلاق أمراً وجودیاً ملازماً لعدم التقیید على تقدیر صحتّه إنّما هو من الأُمور العقلیة الدقیقة و العرف لایری الإطلاق إلا نفس عدم التقیید، و على هذا مفاد حدیث الرفع هنا أیضاً و إن كان نفي التقیید إلا أنّ ذلك متّحد عرفاً مع الإطلاق فیرتفع إهمال قضیة العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ فینحلّ العلم الإجمالي.([7] )