45/04/14
بسم الله الرحمن الرحیم
قال المحقّق النائیني:([1] ) إنّ المیزان في تنجیز العلم الإجمالي هو كونه علماً بالتكلیف الفعلي على كلّ تقدیر، فلابدّ في تحقّقه عند تعلّق العلم بموضوع خارجي من كونه تمام الموضوع للحكم أو تحقّق ما یتمّ به الموضوع في الطرفین.
و حاصل كلامه هو أنّ العلم الإجمالي إنّما یكون منجّزاً في ما إذا تعلّق بالتكلیف الفعلي و ذلك یحصل في الصورتین:
الأُولى في ما إذا تعلّق بالتكلیف الفعلي ابتداء مثل العلم الإجمالي بوجوب صلاة الجمعة أو صلاة الظهر یوم الجمعة.
الثانیة في ما إذا تعلّق بالموضوع التامّ بحیث یترتّب علیه الحكم و التكلیف الفعلي، كما إذا علم بخمریة هذا الإناء أو الإناء الثاني، فإنّ الخمر هو تمام الموضوع لتعلّق حكم الحرمة بشربه و كما إذا علم بأنّ أحد الجسدین میت إنسان و الآخر جسد حیوان مذكّی مأكول اللحم فإنّ میت الإنسان هو تمام الموضوع لتعلّق الحرمة بأكله.
إذا لم یتعلّق العلم الإجمالي بتمام الموضوع بل تعلّق بجزء الموضوع فلایترتّب علیه التكلیف الفعلي بل تجري البراءة عن الحكم و لابدّ من بیان الأمثلة المذكورة لهذه الصورة.
هو العلم بخمریة أحد المائعین حیث قلنا: إنّه تمام الموضوع لتعلّق حكم الحرمة بشربه و أمّا بالنسبة إلى تعلّق حكم الوجوب بإجراء الحدّ على شاربه فهو جزء الموضوع و لذا قال المحقّق النائیني: «فمثل وجوب الحدّ المترتّب على شرب المعلوم خمریته عمداً لایترتّب عند العلم بالخمریّة لعدم العلم بتحقّق موضوعه لا تفصیلاً و لا إجمالاً»([3] ).
هو العلم بأنّ أحد الجسدین میت إنسان و الآخر جسد حیوان مذكى مأكول اللحم فإنّ میت الإنسان و إن كان تمام الموضوع لتعلّق حكم الحرمة بأكله، إلّا أنّه جزء الموضوع بالنسبة إلى تعلّق حكم الوجوب بالغسل بالنسبة إلى من مسّ أحد الجسدین، لأنّ تمام الموضوع للغسل هو من مسّ میت الإنسان مع الشرائط المذكورة في محلّه([4] ).
هو العلم الإجمالي بغصبیة إحدی الشجرتین مع حصول الثمرة لإحداهما دون الأخری، فإنّه قد اختلف في هذا المثال من جهة أنّه هل یكون من مصادیق العلم الإجمالي بتمام الموضوع فیحرم التصرف في الثمرة تكلیفاً و یضمنها وضعاً كما ذهب إلیه المحقّق النائیني أو من مصادیق العلم الإجمالي بجزء الموضوع كما قاله المحقّق الخوئي فیجوز التصرّف في الثمرة تكلیفاً و لا ضمان وضعاً، فهنا نظریتان:
إنّه توهّم بعضهم عدم وجوب الاجتناب عن الأثمار و المنافع المتجدّدة لبعض الأطراف، نظراً إلى أنّ الثمرة أو المنفعة المعدومتین فعلاً غیر محكومة بشيء من الأحكام الوضعیة و التكلیفیة.
فإذا علمت غصبیة إحدی الدارین لیس لأحدهما بالخصوص منفعة فعلیة أو علمت بغصبیة إحدی الشجرتین لیست لإحداهما ثمرة فعلاً، فلا أثر للعلم بالقیاس إلى المنفعة أو الثمرة المتجددتین، لعدم تحقّق موضوعهما عند العلم بالغصبیة، فإنّ غصبیة العین لاتترتّب علیها إلّا الأحكام المترتّبة على نفسها و أمّا الأحكام المترتّبة على غصبیة المنافع أو الأثمار فیتوقف ترتّبها على تحقّق موضوعها غیر المحرز في المثال على الفرض فتجري فیها أصالة الإباحة بلا معارض و لكنّه لایخفی علیك فساده.
أمّا بالنسبة إلى الأحكام الوضعیة فلأنّها مجعولات بأنفسها و غیر منتزعة من الأحكام التكلیفیة، فضمان المنافع و الأثمار حكم مجعول فعلي مترتّب على غصبیّة الشجرة و الدار، فإنّ تعلّق الغصب بشيء كما یوجب دخوله تحت الضمان، كذلك یوجب دخول توابعه و لواحقه و لو لمتكن بموجودة فعلاً، ففعلیة الحكم بالضمان (الذي هو المیزان في التنجیز) أجنبیة عن فعلیة المنافع و الأثمار.
و أمّا بالنسبة إلى الأحكام التكلیفیة فلأنّ فعلیتها و إن كانت تتوقّف على فعلیة موضوعاتها (كما هو الظاهر) إلّا أنّ المنافع و الأثمار لكونها من شؤون الأعیان خارجاً، فملاك الحكم بحرمة التصرّف فیها عند تحقّق موضوعاتها یكون تامّاً من أوّل الأمر، فكما یكون العلم الإجمالي موجباً لتنجّز الأحكام المترتبة على نفس الأعیان كذلك یوجب تنجّز الأحكام المترتبة على ما یعدّ من شؤونها التابعة لها خطاباً و ملاكاً.
و هي التصرفات غیر المتوقّفة على الملك في ما إذا لمتكن الأطراف مسبوقة بملك الغیر، فالحقّ عدم تمامیة ما ذكره المحقّق النائیني.
أمّا ما ذكره في الحكم الوضعي، فلأنّ الحكم بضمان منافع العین المغصوبة مسلّم من حیث الكبری كما ذكره، إلّا أنّه لایترتّب الحكم على الكبری الكلّیة إلّا بعد إحراز الصغری خارجاً و تحقّقها مشكوك فیه إذ لمیحرز كون الثمرة من منافع العین المغصوبة، لاحتمال كونها من منافع العین المملوكة، فیجري استصحاب عدم كونها من منافع العین المغصوبة.
و لایعارض باستصحاب عدم كونها من منافع العین المملوكة، لما ذكرنا سابقاً من أنّه لا مانع من جریان الاستصحابین إذا لمیستلزم مخالفة عملیة و لو نوقش في الاستصحاب المذكور لأجل المعارضة فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة من الضمان.
و أمّا الحكم التكلیفي فتجري البراءة عنه أیضاً، لعدم العلم بتحقّق موضوعه و هو التصرف في مال الغیر، لعدم إحراز كون الثمرة مال الغیر و لاتتحقّق حرمة التصرّف إلّا بعد إحراز كون التصرّف تصرّفاً في مال الغیر و هو مشكوك فیه فیرجع إلى الأصل.
و الحاصل أنّ الدلیل على عدم الضمان وجهان:
الأوّل: استصحاب عدم كونها من منافع العین المغصوبة.
و الثاني: أصالة البراءة من الضمان و الدلیل على عدم حرمة التصرّف في الثمرة أصالة البراءة.