45/04/06
بسم الله الرحمن الرحیم
إنّه التزم بالمبنی الثاني من هذین المبنیین لعدم لغویة التكلیف بما هو حاصل عادة ، إذ لیس الغرض من الأوامر و النواهي الشرعیة مجرّد تحقّق الفعل و الترك خارجاً، كما في الأوامر و النواهي العرفیة، فإنّ غرضهم من الأمر بشيء لیس إلّا تحقّق الفعل خارجاً، كما أنّ غرضهم من النهي عن شيء لایكون إلّا انتفاء هذا الشيء خارجاً و حینئذٍ كان الأمر بشيء حاصلٍ بنفسه عادة لغواً و طلباً للحاصل لامحالة و كذا النهي عن شيء متروك بنفسه لغو مستهجن بشهادة الوجدان.
و هذا بخلاف الأوامر و النواهي الشرعیة، فإنّ الغرض منها لیس مجرّد تحقّق الفعل و الترك خارجاً، بل الغرض صدور الفعل استناداً إلى أمر المولى و كون الترك مستنداً إلى نهیه لیحصل لهم بذلك الكمال النفساني كما أشیر إلیه في قوله تعالى: ﴿وَ ما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ﴾([1] ).
و لا فرق في هذه الجهة بین التعبّدي و التوصّلي لما ذكرناه في مبحث التعبدي و التوصّلي من أنّ الغرض من الأمر و النهي هو الاستناد في الأفعال و التروك إلى أمر المولى و نهیه بحیث یكون العبد متحركاً تكویناً بتحریكه التشریعي و ساكناً كذلك بتوقیفه التشریعي، لیحصل لهم بذلك الترقي و التكمیل النفساني.
إنّما الفرق بینهما في أنّ الملاك «أي المصلحة في متعلّق الأمر و المفسدة في متعلّق النهي» إن توقف حصوله على قصد القربة فهو تعبّدي و إلّا فهو توصّلي.
و مع كون الغرض من التكلیف الشرعي هو الفعل المستند إلى أمر المولى و الترك المستند إلى نهیه، لا مجرد الفعل و الترك لا قبح في الأمر بشيء حاصلٍ عادة بنفسه و لا في النهي عن شيء متروك بنفسه، إذ لیس الغرض مجرد الفعل و الترك حتّی یكون الأمر و النهي لغواً و طلباً للحاصل.
و یشهد بذلك وقوع الأمر في الشریعة المقدّسة بأشیاء تكون حاصلة بنفسها عادةً كحفظ النفس و الإنفاق على الأولاد و الزوجة و كذا وقوع النهي عن أشیاء متروكة بنفسها، كالزنا بالأُمّهات و أكل القاذورات و نحو ذلك.
و المتحصّل ممّا ذكرناه أنّه لایعتبر في تنجیز العلم الإجمالي عدم كون بعض الأطراف خارجاً عن معرض الابتلاء، لا في الشبهة الوجوبیة و لا في الشبهة التحریمیة. نعم المعتبر كون جمیع الأطراف مقدوراً للمكلّف [عقلاً و عادةً].
ثم إنّه لابدّ من التنبیه على أمر و هو أنّ القدرة العادیة على امتثال التكلیف شرط عقلي له فإن كان الفعل خارجاً عن محلّ ابتلاء المكلّف لایعقل أن یأمر الشارع الحكیم بإتیانه و هكذا إن كان الفعل حاصلاً عادة لایعقل أن ینهی عنه الشارع الحكیم لعدم إمكان الامتثال عادةً و هذا واضح لا سترة علیه، و لكن الأمر بالفعل الذي هو حاصل عادةً أو النهي عن الفعل الذي لایمكن أن یأتی به عادةً [مثل النهي عن شرب الماء المتنجس الذي هو خارج عن محلّ ابتلاء المكلّف] لا إشكال فیه لوجود القدرة العادیة على الامتثال في هذین الموردین لما أفاده المحقّق الخوئي.
و هنا إشكال يطرح بالنسبة إلى الأفعال التي یفعلها المكلّف بطبعه عادة أو التي یتركها عادة معلولة للإرادة النفسانیة فإذا كان الواجب تعبّدیاً «یعتبر فیه قصد القربة» فكیف یمكن تصحیحه، حیث أنّ المكلّف یأتي به بالقصد و الإرادة النفسانیة لا بقصد القربة.
و أیضاً إذا كان الواجب توصّلیاً فكیف یمكن صدق الامتثال حتّی یثاب علیه مع أنّ المكلّف أتى به بالداعي النفساني لا بقصد القربة.
إنّ هنا صوراً أربعاً:
الأولى: أن یكون الداعي للمكلّف إلى الفعل أو الترك هو التكلیف الشرعي و یكون الداعي النفساني تابعاً له و حینئذٍ العبادة صحیحة بلا إشكال و یصدق الامتثال في التوصلیات.
الثانیة: أن یكون الداعي للمكلّف هو الداعي النفساني و یكون التكلیف الشرعي تابعاً له، بعكس ما في الصورة الأولى و حینئذٍ العبادة باطلة و لایصدق الامتثال.
الثالثة: أن یكون التكلیف الشرعي و الداعي النفساني كلاهما دخیلين في تحقّق الفعل أو الترك على نحو جزء السبب و حینئذٍ لاینبغي الإشكال في بطلان العبادة و عدم الامتثال، و ما ورد في الحدیث حكایة عن الله تعالى: «أنا خیر شریك، من عمل لي و لغیري جعلته لغیري»([3] ) إشارة إلى هذه الصورة.
الرابعة: أن یكون التكلیف الشرعي و الداعي النفساني كلاهما دخیلين في تحقّق الفعل أو الترك على نحو السبب التامّ بمعنی أن یكون كلّ واحد منهما كافیاً في تحقّق العمل أو الترك مع فرض عدم السبب الآخر و إن كان صدور الفعل خارجاً مستنداً إلیهما فعلاً و الأقوی هنا صحّة العبادة و صدق الامتثال لصحّة استناد الفعل إلى أمر المولى بعنوان السبب التامّ المستقل.