45/03/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول
دوران الأمر بین المتباینین؛ التنبیه السابع: الشبهة غیر المحصورة
التنبيه السابع:
نبحث في هذا التنبيه عن عدم تنجيز العلم الإجمالي فيما إذا كانت الأطراف غير محصورة.
فلابد من الكلام في موضعين:
الأوّل: تعریف الشبهة غير المحصورة.
الثاني: أدلة عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة
الموضع الأوّل: تعريف الشبهة غير المحصورة
هنا منهجان أساسیان في تعریف الشبهة غیر المحصورة:
الأول: هو منهج القائل بضبط تعریف صحیح للشبهة غیر المحصورة بالوجوه التي سيجيء البحث عنها.
و الثانیة: القائل بعدم ضبط تعریف صحیح لها، كما هو مسلك المحقق الخوئي حیث قال: «أنّه لميظهر لنا معنىً محصّل مضبوط للشبهة غير المحصورة حتّى نتكلّم في حكمها» لكن هذا المنهج لا یمكن الالتزام به، و ذلك لما سنبيّن من تمامية تعریف الشیخ الأنصاري.
التعریف الأول: للشيخ الأنصاري و هو المختار عندنا
إنّ الشبهة غير المحصورة ما كان احتمال التكليف في كلّ واحد من الأطراف موهوماً لكثرة الأطراف.([1] )
إیرادات خمسة علی تعریف الأول
الإیراد الأول: عن المحقق النائیني و المحقق الخوئي
ما ذكره المحقق النائيني: لا ضابط لموهومية الاحتمال الملازمة للكثرة ضرورة أن مراتب الموهومية كثيرة فأي مرتبة من الموهومية يكون هو الميزان في عدم حصر الشبهة؟ ([2] )
یلاحظ علیه
إنّ المراد من الوهم هنا هو الاحتمال غیر العقلائي في قبال العلم العادي و الاطمینان و هذا الاحتمال الموهوم بجمیع مراتبه ساقط عن الاعتبار عند العقلاء، و ما أفاده نشأ من الخلط بین الوهم بالمعنی المنطقي و الوهم بالمعنى الذي يريده الشيخ الأنصاري، و الوهم باصطلاح المنطقیین له مراتب كثیرة، و لیس جمیع مراتبه میزاناً للشبهة غیر المحصورة، بخلاف الوهم بهذا المعنی فإنّه بجمیع مراتبه میزان للشبهة غیر المحصورة.
الإیراد الثاني: عن المحقق النائيني و المحقق الخوئي أيضاً
قال المحقق النائيني: إنّ مجرد ضعف الاحتمال لايوجب عدم تنجيز العلم حتى يجوز مخالفته القطعية أيضاً فإنّ العلم بالتكليف مع القدرة على امتثاله يوجب لزوم تحصيل الفراغ عنه يقيناً فكما أنّ العقل يستقل بوجوب تحصيله مع الاحتمال الغير الموهوم فكذلك يستقلّ به مع الاحتمال الموهوم أيضاً.([3] )
یلاحظ علیه
إنّ الموهوم هنا -كما مرّ- لایراد به معناه المنطقي المقابل للظنّ بل يراد به ما لایراه العقل احتمالاً معتبراً و يراه توهماً في قبال العلم العادي و الاطمینان. و بعبارة أخری: الموهوم المراد به هنا هو الاحتمال المرفوض عقلائياً المقابل للاحتمال العقلائي الموجب للاطمينان.
الإیراد الثالث: السیرة العقلائیة دلیل لبّي
إنّ السیرة العقلائیة التي قامت على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال الموهوم دلیل لبّي يؤخذ بالقدر المتیقّن منه، فلایمكن الاعتماد علیه في جمیع موارد الشبهات غیر المحصورة.([4] )
یلاحظ علیه
إنّ القدر المتیقّن من عدم تنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى أطراف الشبهة غير المحصورة یدخل جمیع موارد الشبهات غیر المحصورة، لأنّ احتمال التكلیف فيها موهوم، و كلّ هذه الموارد هي القدر المتيقن من مفاد السيرة.
الإیراد الرابع: العقلاء يفرقون بين موارد الشبهة غير المحصورة
إنّ العقلاء يفرقون بين موارد الشبهة غیر المحصورة بحسب اهتمامهم بها شدة و ضعفاً ففي موارد يرتكبون الأطراف و لايبالون و في بعضها يمتنعون عن الوقوع فيها لشدة اهتمامهم بالمحذور.
یلاحظ علیه
لانسلّم تحقق سيرتهم في الاجتناب عن الاحتمالات الموهومة التي یطمئنّون بعدم وقوعها، و إن بلغت في الأهمیة حیاتهم.
الإیراد الخامس: العقلاء يفرقون بين ما يصل إلى حد الاطمينان و غيره
إنّ ما أفاده الشیخ الأنصاري یصحّ في ما إذا وصل إلى حدّ الاطمینان العقلائي بالعدم، و الدلیل حینئذٍ هو الاطمینان، و أما لو لمیصل إلى هذا الحدّ فلایصح تعریف الشیخ الأنصاري فإنّ الظنّ بعدم التكلیف لایوجب عدم تنجیز العلم الإجمالي.
یلاحظ علیه
إنّ تعریف الشیخ الأنصاري ینطبق فقط على ما إذا وصل احتمال التكلیف بالنسبة إلى كل واحد من الأطراف إلى حدّ ضعیف حيث يحصل الاطمینان العقلائي للمكلّف بعدم مواجهته لهذا الاحتمال الضعیف، فاحتمال التكلیف في ما إذا لمیصل إلى هذا الحدّ، لایعدّ موهوماً عند الشیخ.
التعریف الثاني: للمشهور
إنّ الشبهة غير المحصورة ما يعسر عدّه.
و هذا التعریف یناسب مع تسمیة هذا البحث بالشبهة غیر المحصورة.([5] [6] [7] )
إیرادان من المحقق الخوئي علی تعریف الثاني
أولا: أنّ عسر العدّ لا انضباط له في نفسه من جهة اختلاف الأشخاص و اختلاف زمان العد، فالألف يعسر عدّه في ساعة مثلاً، و لايعسر في يوم أو أكثر، فكيف يمكن أن يكون عسر العدّ ميزاناً للشبهة غير المحصورة.([8] )
ثانیاً: أنّ تردّد شاة واحدة مغصوبة بين شياه البلد التي لاتزيد على الألف مثلًا من الشبهة غير المحصورة عندهم، و تردد حبّة واحدة مغصوبة بين ألف ألف حبّة مجتمعة في إناء لاتعدّ من غير المحصورة عندهم، مع أنّ عدّ الحبّات أعسر بمراتب من عدّ الشياه، فيستكشف بذلك أنّ عسر العدّ لايكون ضابطاً للشبهة غير المحصورة.([9] )
ملاحظتنا علی التعریف الثاني
إنّ المشكلة وقعت من جهة التسامح في عنونة البحث بغیر المحصورة، فإنّ البحث هنا أعمّ من عنوان غیر المحصور بل یعمّ المحصور الّذي یمكن عدّه من غیر عسر و حرج، و لكن احتمال التكلیف قلیل بحیث لیس معتبراً عند العقلاء فیطمئنّون بالعدم و یحصل لهم العلم العادي بخلاف هذا الاحتمال الموهوم.
التعریف الثالث: للمحقق النائيني
قال: إنّ الميزان في كون الشبهة غير محصورة عدم تمكّن المكلف عادةً من المخالفة القطعية بارتكاب جميع الأطراف، و لو فرض قدرته على ارتكاب كلّ واحد منها([10] ).
إيراد المحقق الخوئي عليه
إنّ عدم التمكّن من ارتكاب جميع الأطراف لايلازم كون الشبهة غير محصورة، فقد يتحقّق ذلك مع قلّة الأطراف و كون الشبهة محصورة، كما إذا علمنا إجمالًا بحرمة الجلوس في إحدى غرفتين في وقت معيّن، فإنّ المكلف لايتمكّن من المخالفة القطعية بالجلوس فيهما في ذلك الوقت. و كذا الحال لو تردّد الحرام بين الضدّين في وقت معيّن.([11] )
و هنا تعریفان آخران، نذكرهما و نذكر الإيرادات علیهما في هامشهما.
التعریف الرابع
أنّ الشبهة غير المحصورة ما يعسر موافقتها القطعية.([12] )
التعریف الخامس
إنّ الميزان في كون الشبهة غير محصورة هو الصدق العرفي، فما صدق عليه عرفاً أنّه غير محصور يترتب عليه حكمه، و يختلف ذلك باختلاف الموارد.([13] )