44/11/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول: دوران الأمر بین المتباینین؛ التنبیه الأول
التنبیه الأوّل:
مسانخة الأصلین أو تغایرهما سنخاً و اختصاص أحدهما بأصل طولي
إنّه قد تقدّم أنّ جریان الأصلین العملیین النافیین للتكلیف في أطراف العلم الإجمالي المتعلّق بالحكم غیر الإلزامي ممنوع ثبوتاً، سواء كان الأصل الجاري في كلّ طرف مسانخاً للأصل الجاري في الطرف الآخر أم مغایراً له سنخاً، و الوجه في ذلك هو أنّ اتّحادهما سنخاً أو مغایرتهما سنخاً لایوجب تأثیراً في المحذور المتقدّم و هي المخالفة القطعیة للتكلیف الواصل.
و أیضاً إذا كان لكلّ من الأصلین أصل طولي، فالعلم الإجمالي یوجب سقوطهما و ذلك لأنّ العلم الإجمالي كما یوجب تساقط الأصلین الحاكمین یوجب تساقط الأصلین المحكومین أیضاً بملاك واحد و هو استلزامه الترخیص في المعصیة.
و أمّا إذا اختصّ أحدهما بأصل طولي، فهل یجري هذا الأصل الطولي بعد سقوط الأصلین المتعارضین أوأنّهما یتساقطان و یبقی هذا الأصل الطولي بلا معارض فیجري بلا كلام؟
لابدّ من ملاحظة الصور المختلفة لهذا البحث و التحقیق حول كلّ منها و هنا صور ثلاث:
الصورة الأولى: و هي أن یكون الأصلان العملیان المتعارضان متسانخین و الأصل الطولي مختصّاً بأحدهما و مسببّاً عنه.
الصورة الثانیة: و هي أن یكون الأصلان غیر متسانخین و الأصل الطولي مختصّاً بأحدهما و مسبّباً عنه.
الصورة الثالثة: و هي أن یكون الأصلان غیر متسانخین و الأصل الطولي مختصّاً بأحدهما و لكنّه غیر موافق له.
الصورة الأولى:
الأصل الطولي مسبب عن أحد الأصلين المتسانخين
هي أن یكون الأصل العملي في كلّ من الطرفین أصلاً واحداً مثل أصالة الطهارة في ما إذا علمنا إجمالاً بأنّ النجاسة وقعت في الماء الموجود في الإناء أو وقعت على الثوب و لكن أحد الطرفین و هو الماء في المثال المذكور مختصّ بأصل طولي و هي أصالة الحلّ من حیث الشرب دون الطرف الآخر لعدم تصویر أصالة الحلّ من حیث الشرب في الثوب، و هنا قد اختلف الأعلام فبعضهم قالوا بسقوط الأصل الطولي مثل المحقّق النائیني و بعضهم قالوا بجریانه مثل المحقّق الخوئي.
فهنا نظریات أربع:
النظریة الأولی: من المحقّق النائیني
إنّ الأصل الطولي في المثال المذكور یسقط بالمعارضة و السرّ فیه هو أنّ المنشأ لسقوط الأصول في أطراف العلم إنّما هو منافاة الجعل الظاهري للتكلیف المعلوم في البین، فأيّ حكم ظاهري یكون منافیاً للتكلیف المعلوم یكون ساقطاً بالمعارضة فلا فرق في سقوط الأصول في أطراف العلم بین الأصول العرضیة و الطولیة، و الملاك فیه هو منافاة مؤدّی الأصل للتكلیف المعلوم.([1] [2] )
یلاحظ علیها
إنّ ما أفاده و إن كان تامّاً إلّا أنّ الكلام في أصل مبناه حیث قال بعدم إجراء الأصل العملي و لو في بعض الأطراف، و قد تقدّم([3] ) الإشكال علیه.
النظریة الثانیة: من المحقّق الخوئي ([4] )
إنّ التحقیق هو جریان الأصل الطولي و عدم معارضته بأصالة الطهارة في الطرف الآخر و ذلك لما عرفت من أنّ العلم الإجمالي بالتكلیف لایوجب تنجّز الواقع، إلّا بعد تساقط الأصول في أطرافه، فإذا كان الأصل الجاري في الطرفین من سنخ واحد كأصالة الطهارة في المثال المذكور، فلا مناص من القول بعدم شموله لكلا الطرفین لاستلزامه الترخیص في المعصیة و لا لأحدهما لأنّه ترجیح بلا مرجّح.
أمّا الأصل الطولي المختصّ بأحد الطرفین، فلا مانع من شمول دلیله للطرف المختصّ به، إذ لایلزم منه ترجیح من غیر مرجّح، لعدم شمول دلیله للطرف الآخر في نفسه، فإنّ دلیل أصالة الحلّ بعمومه لایشمل إلّا أحد الطرفین من أوّل الأمر، فلا موجب لرفع الید عنه.
یلاحظ علیها
إنّ العلم الإجمالي في المثال المذكور و إن كان في بدو النظر متعلّقاً إمّا بنجاسة الثوب و إمّا بنجاسة الماء و لكنّه بالنظر الثانوي نجد علماً وجدانیاً إجمالیاً بأنّه إمّا یكون الثوب نجساً و إمّا یكون الماء حلالاً شربه، فكما أنّ العلم الإجمالي الأوّل یقتضي تعارض الأصلین العملیین المسانخین و تساقطهما، كذلك یقتضي العلم الإجمالي الثاني تعارض الأصلین في ناحیة الثوب و في ناحیة حلّیة شرب الماء فیتساقطان أیضاً، مع أنّ ما أفاده من أنّ العلم الإجمالي بالتكلیف لایوجب تنجّز الواقع إلّا بعد تساقط الأصول في أطرافه مخدوش من حیث المبنی حیث قلنا: إنّ التكلیف یتنجّز في العلم الإجمالي بتنجّز ناقص و لایجوز مخالفته القطعیة و هذا هو المانع من إجراء الأصلین معاً في أطراف العلم الإجمالي و سیجيء تفصیل في ذلك في التنبیه الخامس.([5] )
النظریة الثالثة: من المحقّق الإصفهاني و المحقّق العراقي ([6] [7] )
إنّ القائلین بعلیّة العلم الإجمالي للتنجیز یقولون بعدم جریان أصالة الحلّ في المثال المتقدّم، لأنّ جریان الأصل الطولي مثل أصالة الحلّ مخالف لمفاد العلم الإجمالي، فإنّ لازم علّیة العلم الإجمالي للتنجیز هو الاجتناب عن جمیع أطرافه، و لابدّ من الأخذ بلوازم ذلك و منها عدم جواز الشرب من الماء المشكوك في المثال المتقدّم.
یلاحظ علیها
إنّ هذا البیان یتمّ على مختارهما من علّیة العلم الإجمالي للتنجیز و لكن المبنی مخدوش بما تقدّم بيانه في مبحث العلم الإجمالي([8] ).
النظریة الرابعة: و هي المختار
إنّ جریان الأصل الطولي في هذا المقام ممّا لا محذور فیه و لكنّه مشروط بجریان الأصل الذي هو في طوله مثلاً إذا قلنا في المثال المتقدّم بجریان الأصل في ناحیة الماء فلا مانع من إجراء أصالة الحلّیة أیضاً بالنسبة إلى شربه و أمّا إذا قلنا بجریان أصالة الطهارة في ناحیة الثوب و عدم جریانه في الماء، فلایمكن إجراء أصالة الحلّیة بالنسبة إلى جواز الشرب من الماء المذكور.
و هذا مبني على ما تقدّم من أنّ تنجیز العلم الإجمالي ناقص و قد عبّروا عن ذلك بملاك الاقتضاء و أیضاً مبني على ما تقدّم من عدم المانع الإثباتي([9] ) من شمول موضوع جریان الأصل الشرعي لبعض الأطراف، كما لا مانع عنه في مقام الثبوت([10] ).