44/11/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول: دوران الأمر بین المتباینین؛ الجهة الرابعة؛ فی القسم الثالث من الوجه الثالث؛مناقشة المحقق النائینی
مناقشة المحقّق النائیني في جریان هذا القسم ([1] )
إنّ إطلاق الترخیص بالنسبة إلى جمیع أطراف العلم الإجمالي مستحیل ثبوتاً و لما كان تقابل الإطلاق و التقیید من باب تقابل الملكة و العدم، فعدم إمكان الإطلاق مستلزم لعدم إمكان التقیید، و نتیجة ذلك هو أنّ رفع الید عن الإطلاق الأحوالي و تقییده بعدم جریان الترخیص في الطرف الآخر أیضاً مستحیل و ممنوع.
یلاحظ علیه
إنّ المحقّق النائیني ([2] [3] ) یعتقد بأنّ تقابل الإطلاق و التقیید هو تقابل الملكة و العدم و لكن المحقّق الإصفهاني ([4] ) قد فصّل فیه فقال: إنّ التقابل بینهما بحسب مقام الثبوت هو تقابل الضدّین و بحسب مقام الإثبات هو تقابل الملكة و العدم و حیتئذٍ إذا قلنا باستحالة الإطلاق ثبوتاً فلابدّ من وجود التقیید، فالتقیید لازم ثبوتاً مستحیل إثباتاً، و قد تقدّم([5] ) في مباحث التعبّدي و التوصلي أنّ مقتضى التحقیق هو التفصیل الذي أفاده المحقّق الإصفهاني، و المحقّق الخوئي([6] ) أیضاً التزم بنظریة أستاذه المحقّق الإصفهاني.
مناقشة المحقّق الخوئي في جریان هذا القسم([7] )
إنّ لزوم رفع الید عن إطلاق الحكم لا عن أصله في ما إذا دار الأمر بینهما و إن كان صحیحاً، إلّا أنّه لاینطبق على المقام، لأنّ ذلك إنّما هو في ما إذا أمكن التقیید كما في الأمثلة المذكورة، بخلاف المقام، فإنّ التقیید فیه غیر معقول في نفسه، لأنّه مستلزم للترخیص في مخالفة الحكم الواقعي الواصل و لو مقیّداً بترك الطرف الآخر، لأنّ الحكم بإباحة كلّ من الطرفین مقیّداً بترك الآخر مستلزم لجعل الإباحة التخییریة في الطرف الذي هو حرام واقعاً، و لكن جعل الإباحة التخییریة مقیّدة بترك الآخر مناف للعلم بالحرمة، فإنّه یعتبر في الحكم الظاهري احتمال مطابقته للواقع.
یلاحظ علیه
إنّ التخییر لیس في حكم الإباحة حتّی یلزم المحذور الذي أفاده، بل التخییر في جریان الأصل، فإنّ دلیل حجّیة الأصل یشمل كلا الطرفین و لكن جریانه تخییري، فهو لایجري إلّا في أحد الطرفین فلیس هنا حكم تخییري في قبال الحكم الواقعي الواصل و المحكوم بالإباحة الظاهریة أو الترخیص هو أحد أطراف العلم الإجمالي.
و تحصّل إلى هنا أنّ التخییر العقلي المذكور في القسم الثالث جار في أطراف العلم الإجمالي، فارتفع المانع الثبوتي و الإثباتي عن جریان الأصل الترخیصي بالنسبة إلى بعض أطراف العلم الإجمالي.
هذا بالنسبة إلى أدلّة الأصول العملیة بإطلاقها.
الوجه الرابع: الدلیل الروائي الخاص علی الترخیص في بعض الأطراف
و هو إثنان:
إنّ بعض الروایات بصراحتها تدلّ على الترخیص في أطراف العلم الإجمالي.
الروایة الأولی: صحیحة مسعدة بن صدقة
الكلیني عن علي بن إبراهیم عن هارون بن مسلم (الجلیل الثقة) عن مسعدة بن صدقة([8] ) عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ، فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ وَ ذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكُونُ عَلَيْكَ قَدِ اشْتَرَيْتَهُ وَ هُوَ سَرِقَةٌ، أَوْ خُدِعَ فَبِيعَ قَهْراً أَوِ امْرَأَةٍ تَحْتَكَ وَ هِيَ أُخْتُكَ أَوْ رَضِيعَتُكَ، وَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ».([9] [10] [11] )
فإنّ قوله: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ» یشمل الشك المقرون بالعلم الإجمالي و غایته هو العلم بالحرمة بعینه و هذا ظاهر في تعیین متعلّق الحرمة فقوله: «حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ» یختصّ بالعلم التفصیلي و یبقی أطراف العلم الإجمالي تحت قوله: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ»، و ما أفاده الشیخ الأنصاري -من أنّ كلمة «بعَيْنِهِ» یمكن أن تكون تأكیداً للعلم فیكون المعنی حینئذٍ: «حتّی تعلم حرمته بعین العلم لا بالظن»-([12] ) ممنوع لأنّه خلاف الظاهر.([13] )
الروایة الثانیة: صحیحة عبدالله بن سنان
الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ أَبَداً حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ».([14] [15] [16] [17] [18] )
فإنّ صدر الروایة یشمل الشك المقرون بالعلم الإجمالي و ذیل الروایة الذي یكون غایته لایخرج عن ذلك إلّا العلم التفصیلي فیبقی الشك المقرون بالعلم الإجمالي تحت شمول صدر الروایة.([19] )
نعم هذه الروایة تختصّ بما إذا تصوّرنا شیئاً یكون فیه حلال و حرام، لأنّه موضوع الروایة.
المتحصّل
فتحصّل من هذه المباحث أنّ العلم الإجمالي إذا تعلّق بالحكم الإلزامي من الوجوب و الحرمة، فلاتجري الأصول النافیة للتكلیف في جمیع أطرافه، لاستلزامه المخالفة القطعیة للتكلیف الواصل إلى المكلّف و أمّا جریان الأصل النافي في بعض الأطراف فلا مانع منه ثبوتاً، كما أنّ مقام الإثبات یقتضي ذلك.
هذا كلّه في ما إذا كانت الأصول الجاریة في أطراف العلم الإجمالي نافية.
أمّا إذا كان بعض الأصول في أطراف العلم الإجمالي بالحكم الإلزامي، نافیاً لهذا الحكم الإلزامي و بعضها مثبتاً لهذا الحكم الذي تعلّق به العلم الإجمالي، فحینئذٍ لا مانع من جریان الأصلین النافي و المثبت في أطراف العلم الإجمالي.
ثم إنّه إذا تعلّق العلم الإجمالي بحكم غیر إلزامي، فقد اختلف في جریان الأصول المثبتة في جمیع أطرافه، فقال بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئي بعدم المانع ثبوتاً و إثباتاً([20] )، و لكن التحقیق هو أنّه لایجوز ذلك، بل یجوز جریان الأصل المثبت في بعض الأطراف، و أما جریانه في جمیع الأطراف فممنوع ثبوتاً و الوجه في ذلك هو ما تقدّم في المباحث السابقة مثل بحث القطع من أنّه یجب موافقة القطع التزاماً، و جریان الأصول المثبتة في جمیع أطراف العلم الإجمالي بالحكم غیر الإلزامي موجب للمخالفة القطعیة الالتزامیة للحكم الواصل و إن لمتلزم المخالفة العملیة. نعم جریان الأصل المثبت في بعض أطراف العلم الإجمالي، لا مانع عنه ثبوتاً و إثباتاً.