44/10/23
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول: دوران الأمر بین المحذورین؛ الجهة الثالثة: في شمول دلیل الحکم الظاهري لجمیع أطراف العلم الإجمالي؛ الناحیة الأولی: الأمارات
الناحیة الأولی: الأمارات
و هي البحث عن الأمارات، حیث أنّها تشمل بظاهرها أطراف العلم الإجمالي، مثلاً إذا علمنا نجاسة أحد الإناءین ثمّ قامت بیّنة على طهارة الإناء الأوّل و بعد ذلك قامت بیّنة ثانیة على طهارة الإناء الثاني، فقد تشمل حجّیة البیّنة بظاهرها لكلتا البیّنتین إلّا أنّ بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني ناقشوا في ذلك بحسب مقام الإثبات، فلابدّ من طرح النظريات ثمّ التحقیق حول مناقشته.
فهنا نظریّتان:
النظریة الأولی: من المحقّق النائیني [1]
إنّ لكلّ أمارة قائمة على خلاف المعلوم بالإجمال دلالتین:
الدلالة الأولى: هي دلالتها المطابقیة على نفي الحكم المعلوم بالإجمال عن موردها.
الدلالة الثانیة: هي إثبات الحكم المعلوم بالإجمال في الطرف الآخر من أطراف العلم الإجمالي، مثلاً: في المثال المتقدّم أنّ البیّنة الأولى تثبت الطهارة في موردها و تنفي حكم النجاسة عنها بالدلالة المطابقیة و لازم ذلك هو إثبات النجاسة في الطرف الآخر، و حیث أنّ مثبتات الأمارات حجّة لایبقی ریب في دلالتها الالتزامیة (بالمعنی الأعمّ) و حجّیتها بالنسبة إلى الطرف الآخر فیقع التنافي بین الدلالة الالتزامیة للبیّنة الأولى و الدلالة المطابقیة للبیّنة الثانیة، و هكذا الأمر في البیّنة الثانیة حیث أنّها أیضاً بدلالتها الالتزامیة تدلّ على إثبات النجاسة في الطرف الأوّل من أطراف العلم الإجمالي فیقع التنافي بین الدلالة الالتزامیة للبیّنة الثانیة و الدلالة المطابقیة للبیّنة الأولى و القاعدة عند التعارض هي تساقط البيّنتین.
یلاحظ علیها
إنّ التعارض هو بین الدلالة المطابقیة في كلّ منهما و الدلالة الالتزامیة (بالمعنی الأعمّ) في الآخر و لابدّ حینئذٍ من سقوط الدلالة الالتزامیة في كلّ منهما و رفع الید عنها، على ما هو مقتضى القاعدة، حتّی یرتفع التكاذب و التنافي بین الأمارتین و بعد ذلك یبقی التنافي بین الأخذ بالدلالتین المطابقیتین في الأمارتین و بین العلم الإجمالي و حیث أنّه لا مانع عن الأخذ بكلّ منهما منفردة ثبوتاً و إثباتاً من دون ملاحظة الأخرى، تشملها دلیل حجیّة الأمارة، إلّا أنّ الأخذ بكلیهما و الالتزام بهما مخالفة قطعیة للعلم الإجمالي و قد تقدّم عدم جوازها ثبوتاً، فلابدّ من رفع الید عن إحدی الأمارتین.
النظریة الثانیة: من المحقّق الخوئي
قال: أمّا الأمارات فقد عرفت استحالة جعل الحجّیة لها في جمیع الأطراف.[2]
یلاحظ علیه
إنّ الكلام في مقام الإثبات، لا الثبوت حتّی یتمسّك بالاستحالة.
الناحیة الثانیة: الأصول المحرزة
و هي البحث عن الأصول المحرزة، و قد اختلف في شموله لأطراف العلم الإجمالي؛ فقال بعض المحقّقین مثل العلّامة الأنصاري بعدم شموله، و قال بعضهم مثل المحقّق النائیني و المحقّق العراقي و المحقّق الخوئي بشموله لأطراف العلم الإجمالي.
إنّ الشك المأخوذ في صدر دلیل الاستصحاب أعمّ من الشك البدوي و الشك المقرون بالعلم الإجمالي، و على هذا مقتضی صدر دلیل الاستصحاب هو شموله لجمیع أطراف العلم الإجمالي.
و لكن ذیل دلیل الاستصحاب و هو قوله: «وَ لَكِن انقُضْه بِیَقِینٍ آخَر[5] » یكون غایة لصدره، و هذه الغایة مطلقة من حیث الیقین التفصیلي و الیقین الإجمالي فیلزم حینئذٍ من شمول صدره للشك البدوي و الشك المقرون بالعلم الإجمالي و من شمول ذیله للیقین التفصیلي و الیقین الإجمالي، المناقضة بین الصدر و الذیل.
مناقشة المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي فیها [6] [7] [8]
إنّ لسان دلیل حجیة الاستصحاب یقتضي حمل الیقین المذكور في ذیله على الیقین التفصیلي لأنّ الظاهر من الیقین المأخوذ غایة هو كونه متعلّقاً بما تعلّق به الشك و هو لیس إلّا الیقین التفصیلي.
توضیح ذلك ببیان المحقّق الخوئي
إنّ الظاهر من قوله: «و لكن أنقضه بیقین آخر» هو تعلّق الیقین الآخر بعین ما تعلّق به الشك و الیقین الأوّل لیكون نقضاً له و من الواضح أنّ العلم الإجمالي لایكون ناقضاً للشك في كلّ واحد من الأطراف لعدم تعلّقه بما تعلّق به الشك، بل بعنوان جامع بینهما و هو عنوان أحدها فلا مانع من شمول أدلّة الأصول لجمیع الأطراف لولا المانع الثبوتي و لذا نلتزم بجریانها في ما لمیلزم منه المخالفة العملیة، كما إذا كان الحكم المعلوم بالإجمال غیر إلزامي و مفاد الأصل حكماً إلزامیاً على ما تقدّم بیانه.
هذا ما أفاده المحقّق الخوئي تبعاً لأستاذه المحقّق النائیني.
ملاحظة علی بیان المحقّق الخوئي
إنّ متعلّق العلم الإجمالي و الشك هو الحكم الشرعي مثل النجاسة أو الحرمة إلّا أنّ متعلّق المتعلّق في الشك هو الإناء مثلاً و متعلّق المتعلّق في العلم الإجمالي هو عنوان «ما لایخرج عن الطرفین» ، لا عنوان «أحدهما».
نعم ما أفاده من أنّ الظاهر هو أنّ الیقین في ذیل دلیل الاستصحاب متعلّق بعین ما تعلّق به الشك صحیح و نتیجة ذلك هو أنّ الیقین في قوله «و لكن أنقضه بیقین آخر» منحصر في الیقین التفصیلي و لایشمل الیقین الإجمالي.
الناحیة الثالثة: الأصول غیر المحرزة
ذهب الشیخ الأنصاري إلى عدم شمول دلیله لأطراف العلم الإجمالي، لأنّ شموله لها مستلزم للتناقض بین الصدر و الذیل، بعین ما تقدّم في دلیل الاستصحاب حیث أنّ قوله: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْرِف أَنَّهُ حَرَامٌ[11] » یدلّ بصدره على حلیة المشكوك حیث أنّ الشكّ أعمّ من الشك البدوي و الشك المقرون بالعلم الإجمالي، و بذیله یدلّ على حرمة المشكوك لأنّ المعرفة في ذیل هذا الدلیل أعمّ من المعرفة الإجمالیة و التفصیلیة.[12]
أجاب المحقّق النائیني عنها بوجوه ثلاثة [13] [14]
الوجه الأوّل: هو ما تقدّم، حیث قال: إنّ الظاهر هو أنّ العلم و المعرفة في ذیل هذه الأخبار متعلّق بعین ما تعلّق به الشك و هو العلم التفصیلي و المعرفة التفصیلیة.
الوجه الثاني: هو أنّ غایة ما هناك هو سقوط تلك الأدلّة المشتملة على الذیل عن الدلالة، و ذلك لایوجب قصور الدلالة في بقیة الأدلّة غیر المشتملة على الذیل المزبور.
الوجه الثالث: إنّ قوله: «حَتَّى تَعْرِف أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَینِه»([15] ) في أدلّة الإباحة، لعلّه صریح في أنّ الغایة للحكم بالحلّیة في المشكوك هو العلم التفصیلي بحرمة الشيء بخصوصه و لا ریب أنّ كلاً من الأطراف یصدق علیه أنّه لیس كذلك فیكون حلالاً.
فتحصّل من ذلك أنّه لولا المانع الثبوتي تشمل أدلّة الأصول بمدلولاتها اللفظیة جمیع أطراف العلم الإجمالي.