44/10/17
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /النظریة الثانیة من المحقق الإصفهاني
النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهاني [1]
إنّ المحقّق الإصفهاني یعتقد بعدم إمكان جعل الحكم الظاهري في بعض أطراف العلم الإجمالي ثبوتاً [2] و مهّد لذلك أربع مقدّمات:
المقدّمة الأولی
إنّ حقیقة الحكم هو الإنشاء بداعي البعث و التحریك و جعل الداعي و الإنشاء لایتّصف بالباعثیة و المحرّكیة و الداعویة إلّا بوصوله إلى من یرید انبعاثه و تحرّكه و انقداح الداعي في نفسه.
توضیح ذلك: إنّ الإنشاء بلا داع محال، و الإنشاء بأيّ داع كان فعلیته فعلیة ذلك الداعي، فالإنشاء بداعي الإرشاد یكون وصوله موجباً لفعلیة الإرشاد و الإنشاء بداعي جعل القانون یوجب وصوله فعلیة جعل القانون.
و هكذا الإنشاء بداعي جعل الداعي یكون مصداقاً حقیقةً لجعل الداعي بوصوله و الإنشاء بداعي جعل الداعي، لایكون مصداقاً لجعل الداعي حقیقة و لایكون فرداً للبعث الجدّي ما لمیصل إلى المكلّف و الدلیل على ذلك أمران:
أحدهما: إنّ موطن الدعوة أُفق النفس، فلاتعقل دعوة الإنشاء المزبور إلّا بوجوده العلمي الواقع في موطن الدعوة، لا بوجوده الواقعي الخارج عن أفق النفس.
و مجرد الالتفات إلیه من دون وصوله الحقیقي بالعلم التصدیقي لایتحقّق دعوته على أيّ تقدیر، لما مرّ سابقاً أنّ صورة الأمر الحاضرة في النفس لها الدعوة بالذات و مطابقها الخارجي له الدعوة بالعرض، كالمعلوم بالذات و المعلوم بالعرض و المراد بالذات و المراد بالعرض فإذا أُرید دعوة الإنشاء الخارجي بالعرض على أيّ تقدیر، فلابدّ من حضوره العلمي دون الاحتمالي فإنّ الأمر الخارجي حینئذٍ لایكون داعیاً بالعرض إلّا على تقدیر المطابقة، و المفروض جعل الإنشاء داعیاً، لا جعل الإنشاء الاحتمالي، بل یستحیل جعل الإنشاء المحتمل داعیاً لزومیاً إذ مع وصوله یتنجّز بوصوله و إلّا فبمجرّد احتماله لایتنجّز، فیلغو الإنشاء بهذا الداعي.
ثانیهما: إنّ الإنشاء بداعي جعل الداعي لایدعو في نفوس العامّة إلّا باعتبار ما یترتّب على مخالفته من العقوبة، فما لمیصل بنحو یستحقّ العقاب على مخالفته لایمكن أن یكون داعیاً، فلابدّ من وصوله تحقیقاً لدعوته.
المقدّمة الثانیة [3]
إنّ حقيقة العلم الإجمالي المصطلح علیه في هذا الفنّ لاتفارق العلم التفصیلي في حدّ العلمیة و لیسا سنخین من العلم فإنّ التحقیق هو أنّ طرف العلم ینكشف به تفصیلاً و لا مجال للتردّد فیه بما هو طرف العلم لأنّ المردّد بما هو مردّد لا ثبوت له ذاتاً و وجوداً، ماهیة و هویة، فلایعقل تقوّم العلم الإجمالي بالمردّد.
مع بداهة أنّ العلم المطلق لایوجد كما أنّ وجوده في أفق النفس و تعلّقه بالخارج عن أفق النفس غیر معقول، بل المقوّم لهذه الصفة الجزئیة لابدّ من أن یكون في أفق النفس فهو المعلوم بالذات و ما في الخارج معلوم بالعرض.
فمتعلّق العلم حاضر بنفس هذا الحضور في النفس، غایة الأمر أنّ طرف متعلّقه مجهول أي غیر معلوم بخصوصیته.
و لما عرفت أنّ تعلّق العلم الإجمالي بالمردّد غیر معقول و بالواقع بخصوصه غیر معقول إذ لا معنی لتعلّقه به إلّا كونه معلوماً به و هو خلف، فلامحالة لیس المعلوم إلّا الجامع بین الخاصّین المحتملین، فهو مركب من علم و احتمالین، بل من علم تفصیلي بالوجوب و من علم آخر بأنّ طرفه ما لایخرج عن الطرفین.
إنّ ملاك استحقاق العقاب لیس مخالفة التكلیف بما هو، و لا ارتكاب المبغوض بما هو و لا تفویت الغرض و نقضه بما هو، لوجود الكلّ في صورة الجهل.
و مقتضى العبودیة لیس هو عدم مخالفة التكلیف واقعاً أو عدم ارتكاب مبغوض المولى واقعاً أو عدم نقض غرض المولى واقعاً كما توهّم، لأنّ العبودیة لاتقتضي موافقة أمر المولى و نهیه مع الجهل بهما بل مقتضى العبودیة هو عدم مخالفة ما قامت علیه الحجّة فإنّ مخالفة حكم المولى في ما إذا قامت علیه الحجّة، هتك لحرمته و ظلم علیه، فیكون حینئذٍ مذموماً علیه عقلاً و معاقباً علیه شرعاً.
فعلى هذا ملاك استحقاق العقاب هتك حرمة المولى و الظلم علیه.