44/10/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /المقدمة؛ النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهاني
النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهاني و هو المختار[1]
إنّ البحث عن العلم الإجمالي من وجهین:
الوجه الأوّل: من حیث شؤون العلم و مقتضیاته و هو كونه مقتضیاً للتنجّز من حیث المخالفة القطعیة و الموافقة القطعیة، و حیثیة الاقتضاء محفوظة و لو مع عدم فعلیة مقتضاه، لفقد شرط أو وجود مانع.
الوجه الثاني: من حیث شؤون الشكّ و الجهل و هو أنّ الجهل التفصیلي هل هو مانع عقلاً أو شرعاً عن فعلیة مقتضى العلم الإجمالي و هو المناسب للمقام.
فعلى هذا یتكفّل مبحث القطع لبیان شؤون العلم الإجمالي من حیث تأثیره في التنجیز بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعیة و حرمة المخالفة القطعیة، فلایختصّ مبحث القطع بالبحث عن حرمة المخالفة القطعیة.
كما أنّ مبحث أصالة الاحتیاط یتكفّل لبیان مقتضیات الجهل و الشكّ الذي العلم الإجمالي مشوب بهما، فإنّ هذا الجهل أو الشك یمكن أن یمنع عن فعلیة تنجیز العلم الإجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعیة، كما أنّه یمكن أن یمنع عن فعلیّته بالنسبة إلى المخالفة القطعیة.([2] )
المطلب الخامس: في شمول النزاع للأصول الجاریة في مقام الامتثال
إنّ النزاع لایختصّ بالأصول الجاریة عند الشكّ في أصل التكلیف بل یعمّ الأصول الجاریة في مرحلة الامتثال مثل قاعدة الفراغ.
و الدلیل على ذلك هو أنّ العلم الإجمالي:
1- قد یتعلّق بأصل التكلیف إمّا مع إمكان موافقته القطعیة مثل العلم الإجمالي بوجوب هذا الأمر أو حرمة أمر آخر و إمّا مع عدم إمكان موافقته القطعیة مثل العلم الإجمالي بوجوب هذا الأمر أو حرمته (و هذا القسم لایبحث عنه في أصالة الاحتیاط).
2- و قد یكون مورد العلم الإجمالي مردّداً في ناحیة المتعلّق لا في ناحیة أصل الحكم مثل العلم الإجمالي بوجوب فعل هذا الأمر أو تركه و مثل العلم الإجمالي بحرمة شرب هذا الماء أو أكل هذا الشيء.
3- و قد یكون مورده مردّداً في ناحیة متعلّق المتعلّق لا في ناحیة أصل الحكم و لا في ناحیة المتعلّق مثل العلم الإجمالي بحرمة شرب هذا المائع أو ذاك المائع.
4- و قد یكون مورده مردّداً في مرحلة الامتثال لا في مرحلة أصل الحكم و متعلّقه و متعلّق متعلّقه و هذا مثل ما إذا علمنا بوجوب صلاة الظهر و وجوب صلاة العصر من غیر شك في مرحلة جعل أصل الحكم و لا في مرحلة المتعلّق و لكن في مرحلة الامتثال علمنا إجمالاً ببطلان إحدی الصلاتین بعد إتیانهما.
و حینئذٍ یقع الكلام في جریان قاعدة الفراغ في مرحلة الامتثال بالنسبة إلى كلتا الصلاتین أو إحداهما، فإن قلنا بجریان الأصول النافیة في جمیع الأطراف فتجري قاعدة الفراغ أیضاً بالنسبة إلى كلتا الصلاتین و إن قلنا بجریانها في بعض الأطراف فقط فتجري هذه القاعدة بالنسبة إلى إحدی الصلاتین فقط فالنزاع یعمّ الأصول الجاریة في مقام الامتثال مثل قاعدة الفراغ.
هذا تمام الكلام في مقدمات البحث.
ثمّ إنّ المعلوم بالإجمال على قسمین:
الأوّل: أن یكون مردّداً بین المتباینین.
و الثاني أن یكون مردّداً بین الأقل و الأكثر.
و لذا یقع الكلام في مقامین:
الأوّل: دوران الأمر بین المتباینین.
و الثاني: دوران الأمر بین الأقل و الأکثر ارتباطیین
الفصل الأول: دوران الأمر بین المتباینین
فیه أربع جهات و اثنا عشر تنبیهاً
الجهة الأولی: في إمكان جعل الحكم الظاهري في جمیع أطراف العلم الإجمالي ثبوتاً
الجهة الثانیة: في إمكان جعل الحكم الظاهري في بعض أطراف العلم الإجمالي ثبوتاً
الجهة الثالثة: في شمول دلیل الحكم الظاهري لجمیع أطراف العلم الإجمالي
الجهة الرابعة: في شمول دلیل الحكم الظاهري لبعض أطراف العلم الإجمالي
و التنبیهات الاثنا عشر
دوران الأمر بین المتباینین
و لنبحث هنا عن الجهات الأربع، و ذلك لأنّ البحث قد یكون في مقام الثبوت و قد یكون في مقام الإثبات، كما أنّ البحث تارة في جعل الحكم الظاهري في جمیع الأطراف و أخری في جعله في بعض الأطراف.
الجهة الأولی:
في إمكان جعل الحكم الظاهري في جمیع أطراف العلم الإجمالي ثبوتاً
مقتضى التحقیق هو عدم إمكانه ثبوتاً:
بیان ذلك: إنّ العلم الإجمالي هنا على قسمین:
تارة یكون نوع التكلیف فیه معلوماً و التردید في المتعلّق أو متعلّق المتعلّق و أخری یكون نوع التكلیف فیه مردّداً، كما أنّ متعلّق التكلیف أیضاً مردّد، مثل العلم الإجمالي بوجوب دفع الصدقة للنذر أو بحرمة وطي زوجته للحلف.
القسم الأوّل: ما یكون نوع التكلیف فیه معلوماً
الحكم الواقعي فیه معلوم تفصیلاً و هو واصل إلى المكلّف بل طرف العلم أیضاً معلوم تفصیلاً و التردید هو في متعلّق طرف العلم أو متعلّق المتعلّق فإنّ حقیقة العلم الإجمالي هنا لاتفارق العلم التفصیلي في حدّ العلمیة و هما طور واحد من العلم، فإنّ طرف العلم لایمكن أن یكون مردّداً بما هو طرف العلم لأنّ المردّد بما هو مردّد لا ثبوت له هویةً و لا ماهیةً([3] ) مع أنّ طرف العلم وجود شخصي و عین التشخّص فلا مجال للتردّد فیه كما أنّ ماهیته ممتازة عن سائر الماهیات لما فیها من التعیّن الماهوي حیث أنّها منتزعة عن الوجود.
فهنا علم تفصیلي بالوجوب و علم تفصیلي بأنّ طرفه ما لایخرج عن الطرفین و لیس طرفه أحد الأمرین حتّی یكون مردّداً.[4] [5]
نعم متعلّق طرف العلم مجهول و لذلك یكون العلم علماً إجمالیاً لا علماً تفصیلیاً.
فعلى هذا العلم الإجمالي بالنسبة إلى طرفه و هو عنوان ما لایخرج عن الطرفین علم تفصیلي و تنجیزه مثل تنجیز العلم التفصیلي فلایمكن مخالفته.
و حیث أنّ جریان الأصل و جعل الحكم الظاهري في جمیع الأطراف یؤدّي إلى مخالفة هذا العلم التفصیلي فهو حرام شرعاً و قبیح عقلاً، فلایمكن جعله بالنسبة إلى جمیع الأطراف ثبوتاً.
القسم الثاني: ما یكون نوع التكلیف فیه مردداً
أمّا القسم الثاني فالحكم الواقعي فیه و إن لمیكن معلوماً تفصیلاً إلّا أنّه معلوم بالعلم الإجمالي و قد تقدّم أنّ العلم الإجمالي موجب لوصول الحكم إلى المكلّف، و على هذا فالوجوب و الحرمة في المثال المذكور كلاهما واصلان إلى المكلّف مع أنّه متمكّن من امتثالهما جمیعاً، و نحن نعلم أنّ الحكم الواقعي الواصل هو ما لایخرج عنهما و حینئذٍ جریان الحكم الظاهري في كلا الطرفین موجب للعلم بمخالفة الحكم الواقعي الواصل الذي لایخرج عن الطرفین، و المخالفة القطعیة للحكم الواقعي الواصل حرام شرعاً و قبیحة عقلاً فالقسم الأوّل و الثاني كلاهما مشتركان في أنّ جریان الحكم الظاهري في كلا الطرفین من العلم الإجمالي موجب لمخالفة الحكم الواقعي المتعلّق بعنوان ما لایخرج عن الطرفین.
بیان المحقّق النائیني في فوائد الأصول
إنّه یعتبر في جریان أيّ أمارة أو أصل تنزیلي أو غیر تنزیلي أن تكون مرتبة الحكم الظاهري محفوظة و إلّا فلا مورد لشيء منها.([6] )
توضیح ذلك یبتني على بیان مقدّمة أفادها في فوائد الأصول و هي قوله: إنّ الأحكام الظاهریة المجعولة في باب الطرق و الأمارات و الأصول بعد اشتراكها في أخذ الشكّ في مؤدّیاتها إمّا موضوعاً كما في الأصول و إمّا مورداً كما في الأمارات، تمتاز بعضها عن بعض باعتبار اختلاف ما هو المجعول فیها، فإنّ المجعول في باب الأمارات هو نفس الطریقیة و الوسطیة في الإثبات، و المجعول في باب الأُصول التنزیلیة هو البناء العملي على أحد طرفي الشكّ على أنّه هو الواقع و إلغاء الطرف الآخر و المجعول في باب الأُصول غیر التنزیلیة هو مجرّد الجري العملي و تطبیق العمل على أحد طرفي الشكّ لا على أنّه هو الواقع.
ثم إنّ العلم الإجمالي عبارة عن خلط علم بجهل، و تنحلّ القضیّة المعلومة بالإجمال إلى قضیّة معلومة بالتفصیل على سبیل منع الخلوّ في ضمن جمیع الأطراف و قضیّتین مشكوكتین في كلّ طرف بالخصوص، فلو علم بوجوب أحد الشیئین أو الأشیاء، فهنا قضیة معلومة تفصیلاً و هي وجوب أحدهما على سبیل منع الخلوّ، و قضیّتان مشكوكتان أحدهما وجوب هذا الطرف بالخصوص و الأُخری وجوب الطرف الآخر كذلك.[7]