44/10/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتیاط /المطلب الثالث: مناط حکم العقل بالاحتراز عن مخالفة التکلیف
المطلب الثالث: مناط حكم العقل بالاحتراز عن مخالفة التكلیف
إنّ مخالفة التكلیف المعلوم لاتوجب العلم بالعقاب القطعي لاحتمال شمول عفوه و شفاعته بل هي توجب احتمال العقاب و العقل یحكم حینئذٍ بلزوم الاحتراز عن المخالفة دفعاً للعقاب المحتمل.
و هذا البیان جار في مخالفة التكلیف المحتمل في ما إذا لمیحصل للمكلّف مؤمِّن عقلي أو شرعي، فإنّ العقل یحكم بلزوم الاحتراز عن المخالفة أیضاً و لذا تدخل الشبهة البدویة قبل الفحص تحت حكم العقل بلزوم الاجتناب عن مخالفتها، لعدم جریان البراءة العقلیة و الشرعیة إلّا بعد الفحص.
ثمّ إنّه لابدّ من التمایز بین حكم العقل بلزوم الاجتناب عن المخالفة و بین تنجیز التكلیف فإنّ التنجیز من مراتب الحكم و هو متوقّف على وصول الحكم إلى المكلّف و التمكّن من امتثاله عقلاً و شرعاً.
فإنّ حكم العقل بلزوم الاجتناب عن المخالفة في موارد الشبهات البدویة قبل الفحص و الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ممّا لا إشكال فیه، و أمّا تنجیز التكلیف الواقعي فلایتصوّر في الشبهات البدویة قبل الفحص، بل هو متصوّر في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي في ما لمتجر الأصول العملیة النافیة في أطرافها.
نظریة المحقّق الخوئي
قال: لا فرق بين موارد التكالیف المعلومة و التكالیف المحتملة في أنّ حكم العقل بلزوم الإطاعة ناشئ من احتمال العقاب، ففي كلّ مورد یحتمل فیه التكلیف الإلزامي یستقلّ العقل بلزوم التحرّز عن المخالفة، إلّا أن یثبت فیه مؤمِّن من العقاب عقلاً كقاعدة قبح العقاب بلا بیان أو شرعاً كالأدلّة الشرعیة الدالّة على البراءة من حدیث الرفع و نحوه، و أمّا إذا لمیثبت المؤمِّن عقلاً و لا شرعاً، فنفس الاحتمال كاف في تنجیز التكلیف الواقعي.
و یتحصّل من ذلك أنّ تنجیز العلم الإجمالي و عدمه یدور مدار جریان الأصل في أطرافه و عدمه؛ فإن قلنا بجریانه في جمیع الأطراف سقط العلم الإجمالي عن التنجیز مطلقاً، و إن قلنا بعدم جریانه في شيء من الأطراف كان احتمال التكلیف في كلّ طرف بنفسه منجّزاً بلا حاجة إلى البحث عن منجّزیة العلم الإجمالي فتجب الموافقة القطعیة كما تحرم المخالفة القطعیة و إن قلنا بجریانه في بعض الأطراف دون بعض لمتجب الموافقة القطعیة و إن حرمت المخالفة القطعیة، و هذا هو الوجه للتفصیل بین وجوب الموافقة القطعیة و حرمة المخالفة القطعیة.[1] [2]
یلاحظ علیه
أوّلاً: أنّ احتمال العقاب یوجب تحقّق موضوع حكم العقل بلزوم الاحتراز عن المخالفة و لا دخل له في تنجیز الحكم الواقعي، كما أنّ احتمال التكلیف الإلزامي أیضاً في ما لمیثبت فیه مؤمّن عقلي أو شرعي موضوع لحكم العقل بلزوم الاحتراز عن مخالفته، كما في الشبهة البدویة قبل الفحص، و لایوجب تنجیز الحكم الشرعي، لما تقدّم من أنّ تنجیز الحكم الشرعي متوقّف على أمرین: وصول الحكم إلى المكلّف و التمكّن من امتثاله، و مع عدم وصول الحكم لا وجه لتنجیزه.
و ما أفاده في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي من أنّ احتمال التكلیف منجّز بلا حاجة إلى البحث عن منجّزیة العلم الإجمالي أیضاً ممنوع.
ثانیاً: أنّ ما أفاده من أنّ تنجیز العلم الإجمالي یدور مدار جریان الأصل في أطرافه فهو مبتنٍ على بعض المباني، فإنّه إن قلنا بأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعیة فلایمكن جریان الأصل في بعض الأطراف، كما أنّه إن قلنا بعلّیته التامّة لحرمة المخالفة القطعیة لایمكن جریان الأصل في جمیع الأطراف.
فعلى هذا یدور جریان الأصل في أطراف العلم الإجمالي مدار تنجیزه بمعنی أنّه إمّا یتنجّز العلم الإجمالي بنحو العلّیة التامّة حتّی یستحیل جریان الأصل -في جمیع أطرافه أو بعضها- أو یتنجّز بنحو الاقتضاء حتّی یمكن جریان الأصل في أطرافه.
المطلب الرابع: في تخصیص البحث هنا بوجوب الموافقة القطعیة
إنّ الأعلام اختلفوا هنا في محلّ البحث من جهة المخالفة القطعیة أو الموافقة القطعیة.
هنا نظریّتان:
النظریة الأُولی: من الشیخ الأنصاري
قال: إنّ اعتبار العلم الإجمالي له مرتبتان: الأولى حرمة المخالفة القطعیة. و الثانیة وجوب الموافقة القطعیة.
و المتكفّل للتكلّم في المرتبة الثانیة (أي وجوب الموافقة القطعیة) هي مسألة البراءة و الاشتغال عند الشكّ في المكلّف به، و المقصود في مباحث القطع التكلّم في المرتبة الأولى (أي حرمة المخالفة القطعیة).[3] [4] [5] [6]
مناقشة المحقّق الإصفهاني في هذه النظریة ([7] )
إنّ تخصیص البحث المتقدّم بحرمة المخالفة القطعیة و تخصیص البحث هنا بوجوب الموافقة القطعیة بلا وجه، لأنّ فعلیة حرمة المخالفة القطعیة متوقّفة على عدم مانعیة الجهل التفصیلي و هو من شؤون هذا البحث، كما أنّ اقتضاء وجوب الموافقة القطعیة من شؤون ذلك البحث.