44/10/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /المقدمة
المقدمة
و هي في تقدیم مطالب قبل الشروع في البحث:
المطلب الأوّل: في مجرى أصالة الاحتياط
هنا بيانات ثلاثة:
البیان الأوّل
إنّ الشك الذي هو موضوع للأصول العملیة إمّا شك في أصل التكلیف و إمّا شك في المكلّف به، و الشك في المكلّف به إمّا یمكن فیه الاحتیاط و إمّا لایمكن.
فالأوّل - و هو الشك في أصل التكلیف- مجری البراءة، و الثاني - و هو الشك في المكلّف به مع إمكان الاحتیاط- هو مجری أصالة الاحتیاط، و الثالث -و هو الشك في المكلّف به مع عدم إمكان الاحتیاط -هو مجری التخییر. [1]
البیان الثاني
إنّ المكلّف قد لايحصل له العلم بالتكليف أصلاً و قد يحصل له العلم به فإنّ الأوّل مجرى البراءة.
و أمّا الثاني أن يحصل له العلم بالتكليف، مع الشكّ في المكلّف به إمّا يمكن فيه الاحتياط و إمّا لايمكن و الأوّل هو مجرى أصالة الاحتياط و الثاني هو مجرى أصالة التخيير و هو بحث دوران الأمر بين المحذورين.[2]
ملاحظتان على البيانين
الملاحظة الأولى: و هي ملاحظة على البيانين
و قد تقدّم في أوّل البحث عن الأصول العملية أنّ ذلك لايتمّ بإطلاقه، لأنّ العلم بنوع التكليف و الشكّ في المكلّف به قد يكون مجرى البراءة كما في الأقلّ و الأكثر الارتباطیین.
الملاحظة الثانية: و هي ملاحظة على البيان الثاني خاصة
إنّ المراد من العلم بالتكلیف إن كان هو العلم بنوع التكليف فلايصحّ حينئذٍ مجرى أصالة التخيير و إن كان أعمّ من العلم بنوع التكليف و جنسه فحينئذٍ يشمل بحث القطع ما إذا شككنا في وجوب شيء معيّن أو استحبابه مع أنّه مجرى البراءة و أيضاً يلزم شمول مبحث القطع لما إذا علمنا إجمالاً بوجوب شيء أو حرمته مع أنّه مجرى أصالة التخيير.
البيان الثالث: المختار
مقتضى التحقيق هو أنّ المكلّف قد لايحصل له العلم بنوع التكلیف و جمیع قيوده و شرائطه، و هذا على أقسام أربعة:
الأوّل: أن یعلم نوع التكليف و يشكّ في قیوده و شرائطه فتجري البراءة بالنسبة إلى القيود و الشرائط كما في الأقلّ و الأكثر الارتباطيين.
الثاني: أن یشكّ في نوع التكليف مع العلم بجنسه في ما إذا كان جنسه هو الإلزام المردّد بين الوجوب و الحرمة فهو مجرى أصالة التخيير في ما إذا تعلّق بشيء واحد و مجرى الاحتياط في ما إذا تعلّق بأمرين بحيث يمكن امتثالهما مثل العلم الإجمالي بوجوب هذا الأمر أو حرمة أمر آخر.
الثالث: أن يشكّ في نوعه مع العلم بجنسه في ما إذا كان جنسه مطلوبیة الفعل الأعمّ من الوجوب و الاستحباب أو مطلوبیة الترك الأعمّ من الحرمة و الكراهة و هذا مجرى البراءة.
الرابع: أن یشكّ في أصل التكليف نوعه و جنسه و هو أيضاً مجرى البراءة.
و قد يحصل للمكلّف العلم بنوع التكليف بجميع قيوده و شرائطه؛ فإن حصل له العلم بالمكلّف به فهو مبحث القطع، و إن لميحصل له العلم بالمكلّف به مع إمكان الاحتياط فهو مجرى أصالة الاحتياط.
المطلب الثاني: في بيان ضابط الشكّ في المكلّف به
بيان المحقق النائيني
إنّ رجوع الشكّ إلى المكلّف به لايكون إلّا بعد العلم بالتكليف في الجملة و إلّا كان من الشكّ في التكليف لا المكلّف به.
توضيح ذلك: إنّ القضايا الشرعية قضايا حقیقية یفرض فیها وجود الموضوعات و لیست القضایا الشرعیة قضایا خارجیة.
فالقضایا الشرعیة بمنزلة الكبری لقیاس الاستنباط و لابدّ في فعلیة الحكم من وجود الموضوع خارجاً و یكون ذلك بمنزلة الصغری لقیاس الاستنباط.
و نتیجة انضمام هذه الصغری إلى هذه الكبری هو الحكم الفعلي الشرعي الذي یستتبع عصیانه العقاب و إطاعته الثواب.
فقول الشارع: «الخمر حرام» كبری كلّیة لایستتبع العلم بها شیئاً من الثواب و العقاب ما لمینضمّ إلیها صغری وجدانیة، لیتألف قیاس الاستنباط عن تلك الصغری الوجدانیة و الكبری المجعولة الشرعیة فیقال: «هذا خمر و كلّ خمر یحرم شربه.»
و لایكاد یحصل العلم بالحكم مع الشكّ في إحداهما و لو مع العلم بالأخرى، بل یكون ذلك من الشكّ في التكلیف لا المكلّف به.
فضابط الشكّ في التكلیف هو رجوع الشكّ إمّا إلى تحقق الصغری خارجاً و إمّا إلى جعل الكبری شرعاً (بلا فرق بین الشكّ في أصل جعل الكبری أو الشكّ في قیدیة شيء لها بناء على المختار من جریان البراءة في الشكّ بین الأقلّ و الأكثر الارتباطیین) غایته أنّه إن كان الشكّ في تحقّق الصغری تكون الشبهة موضوعیة و إن كان في جعل الكبری تكون الشبهة حكمیة، و منشأ الشك في الصغری أحد موجبات الجهل بوجود الموضوع و في الكبری فقد النصّ أو إجماله أو تعارضه.
و ضابط الشكّ في المكلّف به، هو رجوع الشكّ إمّا إلى نفس متعلّق التكلیف و هو الفعل أو الترك المطالب به أو بنقیضه و إمّا إلى متعلّق المتعلّق و هو الموضوع الخارجي لأجل تردّده بین أمور بعد العلم بتحققه خارجاً أو ما هو بمنزلة العلم من الأمارات و الأصول الشرعیة.[3] [4]