44/07/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /خاتمة؛الوجه الخامس أخبار التوقف
الوجه الخامس: أخبار التوقّف
و هذه الأخبار على طائفتین:
الطائفة الأُولى من هذه الأخبار مطلقة سواء كانت الشبهة قبل الفحص أم بعده و هذه الطائفة متعارضة مع أخبار البراءة بالتباین و لعلّ منها ما ورد بأنّ ما وافق كتاب الله فخذوه و ما خالفه فاطرحوه أو ردّوه إلینا.
و الطائفة الثانیة من هذه الأخبار مقیّدة بما قبل الفحص و منها ما ورد عنهم(: «فَأَرْجِهِ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ»[1] فإنّ معنی ذلك هو لزوم التوقّف المغیّی بلقاء الإمام و التفحّص عنه و هذه الطائفة أخصّ من أخبار البراءة.
طریقتان للجمع بین هذه الأخبار و أخبار البراءة
الطریقة الأُولى:
أن یقال إنّ أخبار البراءة لا إطلاق لها في قبال أخبار التوقّف لأنّ أخبار البراءة تختصّ بما بعد الفحص، لما تقدّم من الدلیل العقلي الذي جعلناه الوجه الثاني في المقام و للأخبار و الآیات الدالّة على وجوب التعلّم و الدالّة على عتاب تاركه التي جعلناها الوجه الرابع. فعلى هذا لایبقی وجه للتعارض بین أخبار التوقّف و أخبار البراءة فإنّ أخبار البراءة توجب تقیید إطلاق الطائفة الأُولى من أخبار التوقّف فیكون إطلاق تلك الأخبار مقیّد بما قبل الفحص، و أمّا الطائفة الثانیة من أخبار التوقّف فلاتعارض أخبارَ البراءة لأنّها مختصّة بما قبل الفحص و أخبار البراءة تختصّ بما بعده.
الطریقة الثانیة:
أن یقال إنّ إطلاق أخبار البراءة لو سلّمناه فيقیّد بالطائفة الثانیة من أخبار التوقّف، و بالنتیجة تختصّ أخبار البراءة بما بعد الفحص و حینئذٍ یرتفع التعارض بین أخبار البراءة و الطائفة الأُولى من أخبار التوقّف لأنّ النسبة بینها كانت سابقاً نسبة التباین، و أمّا بعد تقیید أخبار البراءة بالطائفة الثانیة فتنقلب النسبة بینها بالعموم و الخصوص المطلق فتكون أخبار البراءة بعد تقییدها أخصّ من الطائفة الأُولى من أخبار التوقّف فتوجب تقییدها و اختصاصها بما قبل الفحص، فیرتفع التعارض من البین و هذا الجواب مبني على انقلاب النسبة الذي ذهب إلیه المحقّق الخوئي و سیجيء إن شاء الله تعالى بیان تمامیته في مبحث التعادل و التراجیح.
فتحصّل إلى هنا: أنّ جریان البراءة العقلیة مشروط بالفحص و الیأس عن الظفر بالدلیل و أمّا جریان البراءة الشرعیة في الشبهات الموضوعیة فلایشترط بالفحص إلّا في بعض الموارد لما تقدّم من تفصیل المحقّق النائیني فیها و قد تقدّم بیانه تفصیلاً و أمّا جریان البراءة الشرعیة في الشبهات الحكمیة فیعتبر فیه الفحص أیضاً بما تقدّم في الوجه الثاني و الرابع و الخامس.
تنبیهات في الشرط الأول
و هي ستة:
التنبیه الأوّل: في مقدار الفحص
هل يكفي في وجوب الفحص حصول الظنّ بعدم الدليل أم لابدّ الفحص عنه حتّى حصول الاطمينان بل العلم بعدمه؟
بیان المحقّق الخوئي:[2]
هنا أقوال:
القول الأوّل و هو الفحص حتّی یقطع بعدم الدلیل.[3]
القول الثاني و هو الفحص حتّی یحصل الاطمینان بعدم الدلیل.[4]
القول الثالث و هو الفحص حتّی حصول الظنّ بعدم الدلیل.[5]
أمّا القول الأوّل، ففیه:
أوّلاً: أنّه لا دلیل علیه.
و ثانیاً: أنّه مستلزم للعسر و الحرج، لأنّ تحصیل القطع بعدمه صعب جدّاً بحیث یقع المكلّف في عسر شدید و یكون ذلك علیه حرجیاً.
و ثالثاً: أنّ الفحص بمقدار حصول العلم بعدم الدلیل لایتحقّق عادة و اعتبار ذلك یؤدّي إلى عدم جریان البراءة الشرعیة و معنی ذلك هو سدّ باب الاستنباط.
و أمّا القول الثالث، ففیه:
أوّلاً: أنّه لا دلیل على اعتبار الظنّ.
و ثانیاً: أنّ الدلیل قائم على عدم اعتباره كما قال تعالى: ﴿وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾[6] و أیضاً قال تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾[7] [8] .
و لم يبق سوى القول الثاني فهو الصحیح و لا محذور فیه فإنّ الاطمینان حجّة ببناء العقلاء و لمیردع عنه الشارع.
و أيضاً لا عسر و لا حرج في حصول الاطمینان حتّی یمنع عنه و ذلك لأنّ العلماء المتقدّمین أتعبوا أنفسهم الشریفة و أمضوا أوقاهم الثمينة في ترتیب الأخبار و تبویبها بحیث یحصل الاطمینان بالرجوع إلى أخبار كلّ باب من الأبواب الفقهیة و ما یناسبه من سائر الأبواب و عند عدم العثور فيها على دليل يناسب المقام يحصل الاطمينان بعدم وجود دليل فيحصل اليأس عن وجدانه فتجرى البراءة.