44/06/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /التنبیه الثالث، فائدة: اتفاق جمیع الأعلام علی جواز النقل لا بعنوان الإخبار الواقعي
فائدة: اتفاق جمیع الأعلام على جواز النقل لا بعنوان الإخبار الواقعي
هنا أمران مهمّان:
الأمر الأوّل: اعتبار النقل التاریخي أو التصریح بالنقل من بعض الكتب
قد تقدّم أنّه يلزم في نقل الفضائل و المصائب النقلُ عن الكتب المدوّنة في تاریخ أهل البیت(، و المدار في الاعتبار التاریخي النقل في كتب التاریخ، هذا على ما بنی علیه جمع من الأعلام، مثل الشيخ الأنصاري.
و أمّا بناءً على سایر المباني فإذا صرّحنا بأنّ عبارة الفضائل و المصائب قد نقلناه من بعض كتب التاریخ، فلا إشكال فیه عند جمیع الأعلام.
الأمر الثاني: إقامة القرینة الحالیة أو المقالیة على ذلك
إذا أقیمت قرینة حالیة أو مقالیة خاصّة أو عامّة على أنّه ینقل التاریخ عن بعض الكتب أو عن بعض الرواة، فلا إشكال في نقل ذلك عند جمیع الأعلام، فالعهدة على الناقل، سواء في ذلك القائل بشمول أخبار من بلغ للمقام و ترتّب الاستحباب و القائل بعدم الشمول.
نعم، إن قصدنا الإفتاء بما یستفاد من الواقعة أو قصدنا استناد الأمر إلى أهل البیت( بعنوان الواقع، فلا بدّ من الاعتبار الفقهي و الأصولي.
الفرع الخامس:
تعمیم أخبار من بلغ للموضوعات التي یترتّب علیها الاستحباب
إنّ العلّامة الأنصاري ذكر أمثلة لذلك فقال:
إذا ذكر بعض الأصحاب أن هوداً و صالحاً (على نبینا و آله و علیهما السلام) مدفونان في هذا المقام المتعارف الآن في وادي السلام، فهل یحكم باستحباب إتیان ذلك المقام لزیارتهما و الحضور عندهما أم لا؟
و كذا لو ورد روایة بدفن رأس مولانا سیّد الشهداء عند أمیرالمؤمنین فهل یستحب زیارته بالخصوص أم لا؟
و كذا لو أخبر عدل واحد بكون هذا المكان مسجداً أو مدفناً لنبي أو ولي؟[1]
نظریة العلّامة الأنصاري
التحقیق أن یقال -بعد عدم الإشكال في الاستحباب العقلي من باب الاحتیاط و جلب المنفعة المحتملة-: إنّ الأخبار و إن كانت ظاهرة في الشبهة الحكمیة أعني ما إذا كانت الروایة مثبتة لنفس الاستحباب لا لموضوعه، إلا أن الظاهر جریان الحكم في محلّ الكلام بتنقیح المناط إذ من المعلوم أن لا فرق بین أن یعتمد على خبر الشخص في استحباب العمل الفلاني في هذا المكان (كبعض أماكن مسجد الكوفة) و بین أن یعتمد علیه في أنّ هذا المكان هو المكان الفلاني الذي عُلم أنّه یستحب فیه العمل الفلاني.
مضافاً إلى إمكان أن یقال: إنّ الإخبار بالموضوع مستلزم للإخبار بالحكم، بل قد یكون الغرض منه هو الإخبار بثبوت الحكم في هذا الموضوع الخاص.[2]
نتیجة ذلك أنّ الإخبار عن الموضوع على وجهین
الوجه الأوّل: أن یكون المخبر قاصداً للإخبار عن الحكم أو الثواب المترتّب على العمل به، فحینئذٍ یدلّ الكلام على الثواب بالدلالة السیاقیة الإیمائیة (التنبیهیة) و ظهور الكلام في الإخبار عن الثواب ظهور سیاقي و هذا الظهور حجّة من باب حجّیة الظواهر، فحینئذٍ یصدق بلوغ الثواب على هذا الخبر بنفسه فتشمله أخبار من بلغ.
الوجه الثاني: أن لایقصد المخبر الإخبار عن الحكم أو الثواب بالقصد الاستعمالي، و لكن یترتّب علیه وجود الحكم و الثواب على العمل بالملازمة و لكن اللزوم لیس بیّناً بالمعنی الأخصّ حتی تكون الدلالة التزامیة بل اللزوم إمّا بیّن بالمعنی الأعمّ أو غیر بیّن، كما أنّ الإخبار عن الحكم أو الثواب لیس مقصوداً للمتكلم حتی یكون مدلولاً لهذا الكلام، فإنّ الدلالة تابعة للإرادة و مع انتفاء القصد و الإرادة لاتصدق الدلالة و تسمیتها بالدلالة تسامح و لذا لایعدّ الإخبار عن الحكم و الثواب من ظهورات الكلام بل یقال: إنّ الكلام یدلّ علیه بدلالة الإشارة و تسمیتها بالدلالة مسامحة إلّا أن یقال: الدلالة غیر تابعة للإرادة و القصد.
و على هذا إنّ الإخبار عن الموضوع بهذا الوجه الثاني لیس بنفسه بلوغاً للثواب و لكنّه بضمیمة دلیل آخر یصدق بلوغ الثواب، و یكون حینئذٍ الإخبار عن الموضوع بمنزلة الصغری و الدلیل الآخر بمنزلة الكبری، فیتحقّق من انضمام الدلیلین بلوغ الثواب مثلاً هذا الدلیل یدلّ على أنّ هذا قبر نبي من الأنبیاء( و الدلیل الآخر یدلّ على أنّ زیارة قبر كلّ نبي مستحب و له ثواب كذا و انضمامهما یوجب بلوغ الثواب.
فتحصّل من ذلك: أنّه یتحقّق عنوان بلوغ الثواب من الإخبار عن الموضوع بنفسه أو بانضمام دلیل آخر.
فلا حاجة حینئذٍ إلى تنقیح المناط الذي ذكره العلّامة الأنصاري و إن كان بیانه متیناً.
الفرع السادس:
هل یعتبر في الخبر الضعیف كونه مظنوناً أو عدم كونه موهوماً؟
إنّ إطلاق أخبار من بلغ یقتضي عدم اعتبار ذلك لكن العلّامة الأنصاري یقول بإمكان دعوی انصراف النصوص و أخبار من بلغ إلى صورة عدم كون مضمون الروایة موهوماً.[3]
و التحقیق هو أنّ المدار على صدق عنوان بلوغ الثواب فإن كان الخبر الضعیف موهوماً بحیث لمیصدق بلوغ الثواب فلیس مشمولاً لأخبار من بلغ و أمّا إن لمتضرّ موهومیته بصدق البلوغ فلا وجه لانصراف إطلاق الأدلّة بالنسبة إلیه، فأخبار من بلغ تشمل هذا الخبر.([4] )
الفرع السابع:
هل یعتبر في الخبر الضعیف تدوینه في كتب الخاصّة؟
قد اختلف الأعلام في أخبار من بلغ أنّها هل تشمل الأخبار التي ذكرها العامّة في كتبهم أو لا؟
فإنّ كثیراً من الأخبار الواردة في ثواب قراءة السور القرآنیة أو بعض الآیات أو ما ورد في أثرها و خاصیتها مرویة في كتب العامّة، فهل تشملها أخبار من بلغ؟
نظریة الشيخ الأنصاري [5]
إنّ العلّامة الأنصاري قال بعدم اعتبار تدوین الخبر و ذكره في كتب الخاصّة و استدلّ على ذلك بإطلاق أخبار من بلغ.([6] )
ثمّ حكی ما نقله صاحب الحدائق عن بعض الفقهاء[7] من أنّه قد ورد النهي في كثیر من الأخبار عن الرجوع إلیهم و العمل بأخبارهم فیشكل حینئذ الحكم بالرجوع إلیها لاسیما إذا كان ما ورد في أخبارهم هیأة مخترعة و صورة مبتدأة لمیعهد مثلها في الأخبار.([8] )
و أجاب عنه: بأنّه لیس رجوعاً إلیهم، و مجرّد الرجوع إلى كتبهم لأخذ روایات الآداب و الأخلاق و السنن ممّا لمیثبت تحریمه.[9]
التحقیق: عدم جواز الرجوع إلى كتبهم و الأخذ منهم([10] )
و ذلك لأنّ الروایات الصحیحة اعتبرت بطلان ما ورد عنهم و إلیك بعض النصوص و الروایات.