44/06/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /التنبیه الثالث؛ فروع سبعة؛ الفرع الرابع؛ في النظریة الثانیة؛ استدلال الأعلام علی تعمیم أخبار من بلغ
استدلال الأعلام على تعمیم أخبار من بلغ
إنّ الأعلام استدلوا بالكتاب و السنّة و العقل و الإجماع و السیرة على ذلك.
الدلیل الأول: الاستدلال بآیة (تعاونوا على البرّ و التقوی)
ما نقله في بحر الفوائد عن المحقّق النراقي بقوله: «ربّما يؤيّد الإلحاق بل يستدلّ عليه كما في محرق القلوب للفاضل النراقي ([1] ) بما دلّ على رجحان الإبكاء و ذكر الفضائل و المناقب و الإعانة على البرّ و التقوى».([2] )
قال صاحب مفاتیح الأصول السید المجاهد: «و يدل عليه مضافاً إلى ما ذكر عموم قوله تعالى: ﴿وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى﴾([3] ) فتأمّل و عموم قوله في المرسل المشهور "من أبكى وجبت له الجنة"».([4] [5] )
الإیراد الأول على الاستدلال بالكتاب
قال المحقّق المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي : «لايثبت مما ذكر... لحصول التعاون و الإبكاء بالرواية أيضاً».([6] )
الإیراد الثاني على الاستدلال بالكتاب: تقییدها بالسبب المباح
استشكل علیه الشيخ الأنصاري فقال: «فيه: أنّ الإعانة و الإبكاء قد قيّد رجحانهما- بالإجماع- بالسبب المباح، فلابدّ من ثبوت إباحة السبب من الخارج حتّى يثبت له الاستحباب بواسطة دخوله في أحد العنوانين، فلايمكن إثبات إباحة شيء و عدم تحريمه بأنّه يصير ممّا يعان به على البرّ، و لو كان كذلك لكان لأدلّة الإعانة و الإبكاء قوّة المعارضة لما دلّ على تحريم بعض الأشياء، كالغناء في المراثي و العمل بالملاهي لإجابة المؤمن و نحو ذلك».([7] [8] [9] )
بیان بعض الأساطين في الإیراد على الاستدلال بالآیة الشریفة
إن التقييد و التخصيص فرع الإطلاق و العموم، و لا مجال لهما فيما كان الموضوع المأخوذ في الدليل من البدو خاصّاً، و من المعلوم كون الأدلّة الآمرة بالتعاون على البرّ و بالإبكاء كذلك، ضرورة أنّها غير شاملة لما كان بالأسباب المحرّمة كالتعاون على البرّ و الصدقة على الفقراء بالسرقة و الغيلة و نحوهما من المحرّمات، كما يشهد عليه اعترافه بأنّه يلزم من شمولها التعاون و الإبكاء بالأسباب المحرّمة وقوع التعارض بينهما و بين أدلّة المحرّمات، و من المعلوم عدم التعارض بينهما.([10] )
الدلیل الثاني: الاستدلال الروائي (عن الشيخ الأنصاري)
تارة یستدلّ بما ورد بعنوان الثواب:
و الروایات بهذا العنوان مستفیضة و تشتمل على الصحاح.
منها: صحیحة هشام بن سالم ([11] )
محمد بن یعقوب عن عَلِيّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: «مَنْ سَمِعَ شَيْئاً مِنَ الثَّوَابِ عَلَى شَيْءٍ فَصَنَعَهُ كَانَ لَهُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا بَلَغَهُ».([12] )
و تقریب الاستدلال بهذه الأخبار هو أنّه یترتّب الثواب على نقل الفضائل و المصائب و هذه الأخبار توجب تحقّق موضوع أخبار من بلغ، و على هذا تشمله قاعدة من بلغ، كما سیأتي في الفرع الآتي.
تارة یستدلّ بما ورد بعنوان الخیر:
و من طریق النقل روایة ابن طاووس، قال في إقبال الأعمال: «ما رويناه عَنِ الصَّادِقِ أَنَّه مَنْ بَلَغَهُ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَعَمِلَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا بَلَغَهُ».([13] [14] )
تارة یستدلّ بما ورد بعنوان الفضیلة:
و من طریق النقل أیضاً الحدیث النبوي و هي: ما عن عبد الرحمن الحلواني أنّه رفع إلى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «مَنْ بَلَغَهُ مِنَ اللَّهِ فَضِيلَةٌ فَأَخَذَ بِهَا وَ عَمِلَ بِهَا إِيمَاناً بِاللَّهِ وَ رَجَاءَ ثَوَابِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِك».([15] [16] [17] )
إيراد بعض الأساطين على استدلال الشيخ بعنوان الخیر و الفضیلة
و يرد على دليلي النقلي بعنوان الخیر و الفضیلة:
أوّلاً: عدم تمامية النبوي، فإنّه عامّي مضافاً إلى كونه مرفوعاً، و كذا رواية ابن طاوس فإنها مرسلة.
و ثانياً: بأنّ نقل القصص التاريخية ليست من الخيرات، و نقل الفضائل و المصائب و إن كان منها و لكنّه إنّما يكون خيراً فيما إذا ثبتت المنقبة أو المصيبة بحجّة شرعية من علم أو علمي، و إلا كان من مصاديق القول بغير العلم، و هو قبيح عقلاً و مورد للنهي شرعاً بمقتضى قوله تعالى: ﴿وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم﴾ ([18]
یلاحظ علیه
أولاً: الاستدلال لا ینحصر بما ورد بعنوان الخیر و الفضیلة بل ما ورد بعنوان الثواب مستفیضة مشتملة على الروایات الصحیحة.
ثانیاً: ملخّص الجواب هو أنّ الإخبار بعنوان التاریخ المنقول، غیر الإخبار بعنوان أنّه الواقع، فحینئذٍ بعد ثبوت الاستحباب بأخبار من بلغ و تمامیة الموضوع من جهة ترتّب الثواب على نقل الفضائل و المصائب، یترتّب الثواب علیه، فعلى هذا نحن نحتاج في نقل الفضائل و المصایب إلى النقل في الكتب المدوّنة لتاریخ أ هل البیت(، و المدار في الاعتبار التاریخي بالنقل في كتب التاریخ، و لا فیها إلى الاعتبار الفقهي و الأصولي، إلا إذا قصدنا الإفتاء بما یستفاد من الواقعة أو قصدنا استناد الأمر إلى أهل البیت( بعنوان الواقع.
و كفی عبارة الشيخ الأنصاري في رسالته في التسامح في أدلّة السنن جواباً عن إیراد بعض الأساطينحیث قال: «أنّ العمل بكلّ شيء على حسب ذلك الشيء و هذا أمر وجداني لاینكر، و یدخل حكایة فضائل أهل البیت و مصائبهم و یدخل في العمل الإخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحكایة على حدّ الإخبار بالأمور الواردة بالطرق المعتبرة».