44/06/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /التنبیه الثالث؛ فروع سبعة تتعلق بقاعدةالتسامح في أدلة السنن؛ الفرع الثالث: جریان القاعدة في الروایة الضعیفة الدالة علی الوجوب
الفرع الثالث:
جریان القاعدة في الروایة الضعیفة الدالّة على الوجوب
إنّ أخبار من بلغ هل تعمّ ما یكون مفاده الوجوب أو لا؟
قول المشهور: التعمیم لما یدلّ علی الوجوب و الحكم بالاستحباب
إنّ المشهور قالوا بالتعمیم و حكموا بالاستحباب حیث إنّ الخبر الضعیف الدالّ على الوجوب مشتمل على أصل الرجحان و الثواب المترتّب علیه فیصدق بلوغ الثواب فتشمله أخبار من بلغ، و أمّا بالنسبة إلى خصوصیة الوجوب فتجري البراءة.
قال المحقّق العراقي([1] ) بتمامیة قول المشهور بناء على استفادة الاستحباب و هكذا بناءً على استفادة الأمر الطریقي من أخبار من بلغ المنتج لحجّیة الخبر الضعیف. غایة الأمر أنّه یؤخذ بمضمون الخبر من جهة دلالة أصل الرجحان و یترك دلالته على المنع من النقیض.
و أمّا بناءً على مختاره من حمل تلك الأخبار على الإرشادیة فهي أیضاً تعمّ الخبر الضعیف الدالّ على الوجوب إلّا أنّه لایجوز الحكم بالاستحباب.
المناقشة في قول المشهور بناء على بساطة الوجوب
إنّ المحقّق الإصفهاني قد ذكر مناقشة في قول المشهور في ما إذا قلنا ببساطة حقیقة الوجود فقال:
یمكن أن یقال: إنّ حقیقة الوجوب إن كانت مركّبة من طلب الفعل و المنع من الترك أمكن أن یقال: إنّه بلغه أمران أحدهما قابل للثبوت دون الآخر.
و إن كانت من المعاني البسیطة، فالبالغ معنی بسیط غیر قابل للثبوت بحدّه و القابل للثبوت بحدّه أي الاستحباب لمیبلغه.
و حیث إنّ البالغ هو الوجوب بحدّه فالثواب اللازم له هو الثواب اللازم للمحدود بحدّ خاصّ لا مطلق الثواب و المعنی البسیط البالغ و إن كان قابلاً للتحلیل إلى مطلق الطلب الجامع و حدّه، إلّا أنّ ذلك المعنی الجامع التحلیلي لایستقلّ بالجعل، حتّی یكون الجامع مجعولاً. ([2] )
جوابان عن هذه المناقشة
الجواب الأول: من المحقّق الإصفهاني
قال المحقّق الإصفهاني: فرق بین الإنشاء بداعي جعل الداعي واقعاً و الإنشاء بداعي جعل الداعي ظاهراً، و هو أنّ الإنشاءات الواقعیة حیث إنّها منبعثة عن إرادات واقعیة منبعثة عن مصالح واقعیة و مبادیها أمور خاصّة فلامحالة هي ممّا ینطبق علیه الإیجاب أو الاستحباب بخلاف الإنشاءات الظاهریة، فإنّها أحكام مماثلة لما أخبر به العادل، أو لما أیقن به سابقاً، فلامحالة تكون على مقدار المخبر به أو المتیقّن.
فإذا لمیخبر إلّا عن أصل المطلوبیة أو إذا لمیتیقّن إلّا بمجرد المطلوبیة، فكیف یعقل أن یكون الحكم المماثل مصداقاً للإیجاب أو للاستحباب، بل متمحّض في جعل الداعي فقط فتدبّر جیداً. ([3] )
یلاحظ علیه
إنّ ما أفاده في الجواب هناك لاینطبق على المقام، لأنّ المخبر به هناك هو الوجوب بحدّه لا أصل المطلوبیة، إلّا أنّ الخبر ضعیف على الفرض.
الجواب الثاني: الحقّ في الجواب
هو أن یقال: إنّ الخبر الضعیف بما هو خبر ضعیف كما لایوجب ثبوت الوجوب بحدّه لایوجب ثبوت مطلق الطلب الجامع و ذلك لعدم حجّیة الخبر الضعیف و البراءة تجري بالنسبة إلى الوجوب من دون إشكال.
و أمّا الاستحباب الذي حكم به المشهور فهو لیس من جهة دلالة الخبر الضعیف على مطلق الرجحان بل هو من جهة دلالة أخبار من بلغ على الاستحباب في ما إذا بلغ الثواب سواء كان الثواب المذكور هو مطلق الثواب أم كان هو الثواب اللازم للوجوب بحدّه الخاصّ.
فتحصّل من ذلك: تعمیم أخبار من بلغ للخبر الضعیف الدالّ على الوجوب.
الفرع الرابع:
تعمیم أخبار من بلغ للمواعظ و الفضائل و المصائب لأهل البیت(
إنّ الأعلام اختلفوا هنا على نظریات: منها؛ شمول أخبار من بلغ للمقام و جواز الإخبار كما علیه الأكثر من القدماء على نقل الشهید الثاني، و منها؛ الشمول و استحباب الإخبار و به اعتقد جمع من الأعلام، كالشيخ الأنصاري و هذا هو الأقوی، و منها؛ عدم الشمول، و منها؛ تفصیلات سنشیر إلى بعضها.
النظریة الأولى: شمول أخبار من بلغ و جواز الإخبار
إنّ كثیراً من الأعلام التزموا بالجواز، مثل الشهید الثاني، و النراقي الأوّل، و السيد المجاهد.
بیان الشهید الثاني في الجواز
قال: جوّز الأكثر العمل به أي بالخبر الضعیف في نحو القصص و المواعظ و فضائل الأعمال لا في نحو صفات الله المتعال و أحكام الحلال و الحرام، و هو حسن حیث لایبلغ الضعف حدّ الوضع و الاختلاق.([4] [5] )
قال المحقّق النراقي: «فائدة: المشهور بين العامّة و الخاصّة التسامح في أدلّة السنن، فيقبلون الخبر الضعيف في المستحبّ و المكروه، و نحو المواعظ و القصص إذا لم يبلغ الضعف حدّ الوضع، و هو حقّ»([6] ).
و قال السید المجاهد الطباطبائي: «الثاني: يجوز نقل الروايات الضعيفة في مقام الوضع و القصص و الاتّعاظ بها و قد صرّح بذلك في الرعاية و كذلك يجوز نقلها في تعزية سيد الشهداء و البكاء لأجلها ما لميعلم بكذبها»([7] ).